مواهب تُشْكَر

ميلاد وسيم وهبه

في خلايا العقل وفي عروق الفكر، جعل لنا اللَّه قوّةً شأنها أن تستكمل معه عمليّة الخلق. نعمة أعطانا إيّاها لكي يكون الكون أجمل فينا ومعنا.

منذ البدء، أي منذ لحظة الخلق الأوّل العظيم، سلّم اللَّه للإنسان الأرضَ وكلّ ما فيها أمانةً، لكن ما تركه وحده، بل بقي حاضرًا فيه في الإبداع.

الإبداع حجّ مستدام إلى حضرة اللَّه، وحضور له متخفٍّ فينا، هو صلاةٌ من نوع آخرٍ وتسبيحٌ للخالق يفوق عمقًا كلّ تسبيح.

ما معنى أن يكون الإنسان مبدعًا؟ معناه أن يلبس الإله ويعمل بنعمته كلّ عملٍ صالح.

العقل لا يسع اللَّه، لكنّ الإبداع إن تجلّى حقًّا، يطلق الخيالَ مدى واسعًا حاويًا اللَّه المبدع الأوّل الكبير.

لإبداع البشر أشكالٌ لا تُعدّ، لكنّ نتيجته واحدة لا حيرة فيها: الفرح الذي يظهر بهيًّا في النفوس التي تتلقّى هذا الإبداع.

إن أحسنت إلى محتاج أو خدمت مريضًا، أبدعت ابتسامةً وبريقًا في العينين يخرق القلب. إن رسمت لوحةً حالمةً أبدعت جواز سفر إلى ظرف مكانٍ وزمانٍ بعيدَين لمتفرّج يتوق إلى السفر. إن كتبت شعرًا، أو نثرًا أو روايةً، أبدعت زورقًا يعبر البحار بقارئ يشحد خشبة خلاص. إن ألّفت موسيقى وأحييتها بإيقاعات كالنبض، أبدعت كأسَ ماءٍ مسكوبةً بالنغمات، تسقي مستمعًا ظمآن في لهيب أيّامه. إن بنيت بيتًا يأوي، إن اكتشفت دواءً يشفي، إن ربّيت ابنًا يَدري،

أنت مبدع... أنت مُرضيّ للذي أبدع أوّلًا.

إذا ما وقعنا في شراك الضجر واغتالنا عمرُنا في حين خيبة، لا نعود ونحيا إلّا إذا التفتنا إلى إبداع يخصّنا، يعنينا، ويمسّنا. عودة إلى لحظات التجلّي قد تنتشلنا من وهدة الموت النفسيّ، وتبعث فينا الروح لنرسم غدًا أحلى. عودةٌ إلى إنجازات اللَّه عبرنا ومعنا كفيلةٌ بأن تجعلنا نجدّد عهدنا أمام معطي المواهب، ونطمئن قلبه بأنّ عطاياه محفوظة في القلوب والنفوس غير منسيّة، محفوظة كحبوب الحنطة في الأرض الخصيبة، وبأنّ هذه الحبوب وعدٌ جَدّيّ بحياة جديدة لن تعرف بنعمته الضجر، وستقوى بحبّه على الخيبة.

اللَّه الذي تربطنا به علاقةٌ قوامُها امتنانٌ وتقدير للعطايا، لا ينتظر الشكر منّا إلّا في إبداعنا الدائم للجمال، كلّ واحد بحسب موهبته وقدرته.

أحلف بأنّ كلّ إبداع نعملُه، هو شكرٌ عظيم له.n