2019

13. ليتورجيا - إيضاحات ليتورجيّة تلاوة «الكلام الجوهريّ» بصوت مسموع - ميكال ساسين – العدد السادس سنة 2019

إيضاحات ليتورجيّة

تلاوة الكلام الجوهريّ بصوت مسموع

 

ميكال ساسين

 

 

نقرأ في رسالة الرسول بولس الأولى إلى كنيسة كورنثوس: «لأنّني تسلّمت من الربّ ما سلّمتكم أيضًا أنّ الربّ يسوع في الليلة التي أُسلِم فيها أخذ خبزًا»،  وشكر فكسر وقال: «خذوا كلوا هذا هو جسدي المكسور لأجلكم، إصنعوا هذا لذكري»، كذلك الكأس أيضًا بعدما تعشّوا قائلاً: «هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي، إصنعوا هذا كلّما شربتم لذكري»، فإنّكم كلّما أكلتم هذا الخبز وشربتم هذه الكأس تخبرون بموت الربّ إلى أن يجيء» (الإصحاح 11). ونقرأ في إنجيل متّى : «وفيما هم يأكلون أخذ يسوع الخبز وبارك وكسر وأعطى التلاميذ وقال: «خذوا كلوا هذا هو جسدي»، وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلاً: «إشربوا منها كلّكم»، لأنّ هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يُسفَك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا» (الإصحاح 26).

يعني الفعل «شكَرَ» رفَعَ إلى اللَّه الآب صلاةً شكريّة؛ ويماثله الفعل «بارك» الذي يعني رفَعَ إلى اللَّه صلاة تبريك (تتضمّن «مبارك أنت يا ربّ ...» أو «تبارك اللَّه الذي ...»)، وليس معنى «بارك» كما قد يتبادر إلى ذهن البعض «رسمَ عليها علامة صليب».

هذه الصلاة الشكريّة (الصلاة الإفخارستيّة) هي قلب الجزء الثاني من القدّاس الإلهيّ («قدّاس المؤمنين»، كما درج بعضهم على تسميته)؛ وسواها من الصلوات في هذا الجزء هي، على أهمّيّتها المتفاوتة بالنسبة إلى القدّاس الإلهيّ، إضافات لاحقة ليست بجوهريّة. أمّا الصلاة الشكريّة فهي «الكلام الجوهريّ». وبتلاوتنا هذه الصلاة وبتناولنا جسد الربّ ودمه، نتمّم وصيّة الربّ يسوع لنا «إصنعوا هذا لذكري».

الصلاة الشكريّة (الصلاة الإفخارستيّة) في الطقس البيزنطيّ يُمهّد لها بدعوة الشمّاس للمشاركين في الخدمة: «لنقف حسنًا، لنقف بخوف، لنُصْغِ، لنقدّم بسلام القربان المقدّس» ويُجيب الشعب: «رحمةَ سلامٍ ذبيحةَ التّسبيح». وثمّ يأتي حوارٌ متبادل بين مترئّس الخدمة والشعب، وهو حوار قديم العهد نجد له شواهد في القرن الثالث (كتاب «التقليد الرسوليّ» لـ«هيبوليتُس»)، وهو معتمد في بنيته في كلّ الطقوس شرقًا وغربًا، مع اختلاف في العبارات، ويُختم هذا الحوار بدعوة المترئّس: «لنشكرنّ الربّ» وجواب الشعب: «لحقّ وواجب». وتبدأ الصلاة الإفخارستيّة بـ : «إنّه لحقّ وواجب أن نسبّحك ونباركك ...» وتنتهي بـ«... حتّى يكونا للمتناولين ليقظة النفس ومغفرة الخطايا وشركة روحك القدّوس وكمال ملكوت السماوات والدالّة لديك، لا لمحاكمة ولا لإدانة».

التسمية الأصليّة للجزء الثاني من القدّاس الإلهيّ هي «الليتورجيا الإفخارستيّة» أي «خدمة شعب اللَّه الشكريّة». إنّها خدمة يتمّمها شعب اللَّه كلّه بإمامة مترئّس («رئيس اجتماع الإخوة»، بحسب يوستينوس الشهيد) يُمكّن الشعب من أن يشكر ويمجّد ويطلب «بفم واحد وقلب واحد» بتلاوته هذه الصلاة بصوت مسموع بوضوح من الشعب كلّه (هذه هي خدمته الخاصّة، إنّه «لسان الشعب»)، والشعب كلّه يختم بصوت واحد على هذه التلاوة بـ «آمين». وهذا ما يرد في أقدم وصف للقدّاس الإلهيّ وصل إلينا من منتصف القرن الثاني، في دفاع القدّيس يوستينوس الشهيد.

فالصلاة الإفخارستيّة في منطلقها منبثقة عن صلاة تبريك المائدة الأخويّة. فهل رأيتم قطّ رئيس مائدة يبارك الطعام بتلاوة صلاة غير مسموعة من المشاركين في المائدة؟ بالطبع لا. ويسوع في العشاء الأخير تلا صلاة شكريّة على الخبز، ثمّ أخرى ثانية على كأس الخمر، على مسمع من تلاميذه المشاركين.

فالخدمة العباديّة (الليتورجيا) هي خدمة شعب اللَّه كلّه. والصلاة الشكريّة، قلب هذه الخدمة العباديّة، هي صلاة بصيغة جمع المتكلّم (صيغة «نـفعل» والضمائر «نحن» و«نا»): «إنّه لواجب وحقّ أن نسبّحك ونباركك ونمجّدك ونسجد لك ونشكرك... نشكرك من أجل هذه الخدمة التي ارتضيت أن تتقبّلها من أيدينا... وإذ نحن متذكّرون هذه الوصيّة الخلاصيّة وكلّ ما جرى من أجلنا: الصليب والقبر و... ، التي لك ممّا لك ونحن نقدّمها لك... إيّاك نسبّح إيّاك نبارك إيّاك نشكر يا ربّ، وإليك نطلب يا إلهنا... فأرسل روحك القدّوس علينا وعلى هذه القرابين...»، هي صلاة يرفعها شعب اللَّه كلّه بصوت مترئّس الخدمة.

أهناك ما هو أكثر غرابة وأكثر إثارة للاستهجان من أن يدعوَ مترئّسُ الخدمة شعبَ اللَّه إلى رفع الشكر للَّه: «لنشكرنّ الرّبّ»، ثمّ يبادر إلى الشكر وحده في قلبه حارمًا الشعب من المشاركة في رفع الشكر للَّه؟ أيمكن أن يدعوهم المترئّس بذاته إلى القيام برفع الشكر ثمّ يمنعهم من ذلك؟

المسألة هنا مسألة العمل بوصيّة الربّ يسوع، وتاليًا لا مجال لاجتهادات مختلفة أو لمزاجات متنوّعة. الربّ يسوع عندما أوصانا «إصنعوا هذا لذكري»، طلب أن نصنع تمامًا ما صنعه هو. و«هو بارك» (تلا صلاة بركة) بصوت عالٍ مسموع من تلاميذه، و«شكر» (تلا صلاة شكرٍ) بصوت عالٍ مسموع من تلاميذه. ونحن علينا أن نفعل كما فعل بأن يتلو مترئّس الخدمة الصلاة الإفخارستيّة بصوتٍ عالٍ مسموع من الشعب كلّه.

فلا يخالفنّ مترئّس الخدمة وصيّة الربّ فلا يتلو صلاة الشعب الإفخارستيّة كلّها بصوت مسموع واضح، كيلا يأتيه توبيخ الربّ (على نسق التوبيخات الواردة في سفر الرؤيا): «...ولكن لي عليك أنّك خالفت وصيّتي وحرمت شعبي من المشاركة في رفع الشكر للَّه، وشوّهت خدمة الشعب العباديّة. فبئس العمل عملك هذا!».n

© حقوق الطبع والنشر 2025 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search