حبّ الآخر
يبقى في داخلنا
كارولين طورانيان
ما هو الحبّ؟ وهل ما زال موجودًا؟ هل يمكننا أن نداوي فتور المحبّة من حولنا بطريقة فعّالة وناجحة؟ هل يجد الحبّ الحقيقيّ والنقيّ مكانًا في قلوب قلقة، خائفة، تائهة، ضعيفة أمام صعوبات الحياة ومشاكلها؟
برأيي الحبّ الحقيقيّ والنقيّ هو هبة إلهيّة ومصدره الربّ وحده. نحن البشر ننمو عبر الحبّ وليس فقط الطعام والشراب. نعيش منذ صغرنا إمّا في بيئة دافئة محبّة حاضنة أو في بيئة ينقصها الحبّ والدفء والطمأنينة والاستقرار بدرجات قليلة أو كبيرة ولأسباب عديدة ومختلفة. من المسؤول عن زرع الحبّ؟ كلّنا مسؤولون حتّى لو كنّا نعيش في أزمة كبيرة كانت أو صغير ومن أيّ نوع كانت. الحبّ يتضمّن العطاء على أنواعه. وكلّنا باستطاعتنا أن نعطي مهما كانت ظروفنا قاسية. لأنّ العطاء والحبّ والبساطة يحيي المعطي والمتلقّي في آن. إن كان إنسان ما أو بلد ما في أزمة وتجربة كبيرة، كيف يقوم؟ وكيف تُحلّ المشكلة؟ نحن نؤمن إيمانًا ثابتًا بأنّنا لسنا وحدنا على الأرض وبأنّ الربّ يسير معنا ولا يتركنا. إذًا لماذا نتخبّط في مشاكل لا تعدّ ولا تحصى؟ وذلك على أكثر من صعيد وأينما كنّا. من المسؤول؟ هل مازال هناك أمل أن تعمّ المحبّة في قلوب الأكثريّة إذا لم يكن الكلّ ويعمّ السلام والطمأنينة؟ لست بلاهوتيّة ولكنّني تعلّمت الكثير من خبرتي في الحياة من تجارب مرّة للغاية. المحبّة ممكن أن تعود وتنتشر، ورسالة الربّ ممكن أن تصل بشكل أسرع، وممكن أن نقوم من أزماتنا وممكن لبلاد كاملة أن تنهض من أزماتها برأيي المتواضع. لست بصدد وضع برنامج كامل متكامل لذلك لأنّه يوجد من يعرف ذلك أكثر منّي. ولكن أودّ أن أشارك القارىء في بعض الأمور المهمّة التي هي بداءة أيّ برنامج آخر. ربّما هناك من يعتبر الموضوع ساذجًا أو ليس بجديد ولكنّه بنظري حقيقيّ ويصلنا بنعمة الربّ وقوّته وصلوات الكنيسة إلى برّ الأمان.
ذكرت أنّنا كلّنا مسؤولون. وهذا برأيي صحيح. أو التعبير الأصحّ هو أنّه علينا جميعًا أن نشارك في إعطاء المحبّة مهما كانت ظروفنا. نعم مهما كانت ظروفنا قاسية وأزمتنا كبيرة. ومهما كانت قلوبنا مثقلة بالهموم والتساؤلات والمخاوف والقلق، والأمراض والتوتّر والوحدة والعزلة والضعف، علينا أن نشارك في العطاء والمحبّة، في أيّ عطاء نريدة وبأيّ لون وشكل، وبغضّ النظر إنّ كان عطاء مادّيًّا أو معنويًّا أو رمزيًّا أو نفسيًّا، كبيرًا كان أو صغيرًا، علينا أن نعطي، كلّ يوم، وفي كلّ وقت، وبدون توقّف، الشرط الوحيد هو أن يكون نابعًا من القلب ومن قناعة أنّنا لسنا وحدنا في محنتنا، وأنّ الربّ قادر على أن ينقذ الجميع بذراعه القويّة. يمكن أن نجد من عنده مشكلة أكبر من مشكلتنا، ونقف إلى جنبه ولو معنويًّا وبصدق وبإحساس به. ممكن أن نكفكف دموع حزين. نكسر خبزة لجائع. نفرح مع الفرحين ونبكي مع الباكين. يقول الربّ: «من أعطى كأس ماء بارد باسم تلميذ فلن يضيع أجره». إن كنّا نؤمن بأنّنا أبناء اللَّه علينا أن نؤمن بأنّه معنا في كلّ لحظة، يرعانا ويعضدنا ويساعدنا ويعزّينا كما نعزّي من هم أضعف بسبب الظروف والمشاكل. يقول الربّ: «لن يضيع أجره». هل هناك أب صالح يربّي أولاده تربية صالحة ويعطيهم الحبّ من دون أن يعطيهم ما يشبع جوعهم؟ إذا كان الإنسان وهو من تراب يمكنه رعاية أولاده من كلّ النواحي فكيف لا يمكن للَّه أن يساعد أبناءه؟ اللَّه قادر على كلّ شيء. وهو القائل. «اطلبوا أوّلًا ملكوت اللَّه وبرّه وكلّ شيء يزاد لكم». أن نعطي الحبّ أوّلًا مهما كان ظرفنا ومهما كانت أزماتنا وضعفاتنا ومشاكلنا هو أن نطلب ملكوت اللَّه أوّلًا. علينا أن نتجرّأ ونثق بوعود اللَّه رغم القلق والخوف من المستقبل. يجب ألّا ندع الخوف يتسلّط علينا ويجعلنا أقلّ محبّة وأقلّ عطاء، لأنّنا مشغلون بمشاكلنا وهمومنا. الإنجيل واضح. أطلبوا أوّلًا ملكوت اللَّه وبرّه وكلّ شيء يزاد لكم. فلا ندع هموم العالم تخنق كلمة اللَّه.
أعرف جيّدًا مسؤوليّة من هو قادر على المساعدة أكثر من سواه، ولكنّني أحبّ أن أشجّع كلّ إنسان على الحبّ والعطاء والبذل. حتّى في الأزمات النفسيّة التي سببها صدمات عديدة في الحياة، فالمثابرة يوميًّا على الاهتمام بالآخر أو العطاء والمحبّة وبذل الذات، سيساعد كثيرًا على تخطّي الإنسان أيّة أزمة وأيّة مشكلة، مع التزام أسرار الكنيسة وعيش الكلمة. الكثيرون يتوهون في الأزمات، منهم من يحاول أن يجد حلًّا ومنهم من يستسلم. يكمن السرّ في المثابرة على العطاء على أنواعه، والمحبّة بصدق وإيمان بدون استسلام. المحبّة هي الهواء الذي يحتاج إليه كلّ إنسان ليتنفّس فلا يموت. وكما يقول إيلبيرت هوبارد «الحبّ الذي نقدّمه للآخرين هو الوحيد الباقي في داخلنا»، فإن لم نعطه كيف يمكننا أن نحيا؟ الحبّ والعطاء يعطيان لحياة الإنسان معنى ودورًا مميّزًا في محيطه، مهما كان هذا الدور صغيرًا، فهو لن يكون يومًا عبثًا حسب قول الربّ «لن يضيع أجره».
تخيّلوا معي أنّ عددًا كبيرًا من الناس التزموا هذا المبدأ بشكل يوميّ وملحّ ومستمرّعلى مدى سنوات، ومهما كانت ظروف كلّ واحد، وذلك بصدق وإيمان ومن دون استسلام يومًا. ألن تكون هذه الأعمال صرخة إلى الربّ: «أعنّا يا ربّ وانظر إلينا لأنّنا نقوم في كلّ يوم ونحن مساكين، ونعين قريبنا ونحبّه ونعزّيه بصدق وإيمان، انظر إلى تعبنا واعطنا من سلامك الطمأنينة والأمان، لكي نعيش ونسبّح اسمك ونمجّده على الدوام، لأنّك أنت هو ربّنا وإلهنا والقادر على كلّ شيء». حتّى لو لم نصلّ هكذا ألا تعتقدون أنّ الربّ سيشعر بنا ويعيننا سريعًا، فننهض وتنهض أوطاننا معنا وتحلّ أمورنا شيئًا فشيئًا وباستمرار بنعمة الربّ، وصبرنا وإلحاحنا في المحبّة والعطاء والبذل من دون توقّف أو استسلام؟ (مثال المرأة العجوز الملحّة في طلب إنصافها من خصمها والحاكم الذي لا يهاب أحدًا.n