العمارة الكنسيّة في جورجيا
ريمون رزق
عرف الفنّ المسيحيّ الجيورجيّ مرحلتين ذهبيّتين، تمتدّ الأولى من زمن تنصيرالبلاد إلى القرن السابع زمن الاحتلال العربيّ. أمّا الثانية، وهي الأهمّ، فحصلت بين القرنين الحادي عشر والثالث عشر. يتمثّل هذا الفنّ بالعمارة الكنسيّة، وكتابة الفسيفساء والجداريّات والأيقونات على أنواعها وتلبيسها بالفضّة والذهب والمينا والحجارة الكريمة، وكتابة المنمنمات، والنحت والزخرفة.
المرحلة الذهبيّة الأولى:
قبل أن تأخذ الكنائس الجيورجيّة الشكل الذي يميّزها الآن، اتّبعت كنائس المرحلة الذهبيّة الأولى نمطي البازيليكيّ الثلاثيّ الأجنحة والمحوريّ مع قبّة، إضافة إلى نمط القاعات الكنسيّة الصغيرة الأحاديّة الجناح التي انتشرت بخاصّة في القرى. اتّبعت جيورجيا بذلك الأنماط المنتشرة في باقي العالم المسيحيّ آنذاك، لكنّها أدخلت عليها أشكالاً جديدة، بخاصّة في نمط البازيليكات المثلّثة الأجنحة التي تفصل بينها جدران عالية، جاعلة من كلّ جناح كنيسة مستقلّة، فيوجد هكذا ثلاث كنائس تحت سقف بازيليكيّ واحد. أمّا من بين التفاصيل المبتكرة الأخرى فنذكر وضع الصليب وزخرفات مختلفة على الجدران الخارجيّة.
بعض البازيليكات:
- كنيسة نِكرِسي التي شُيّدت في القرن الرابع والتي التجأ إليها أبيبوس، أحد الآباء السوريّين في أواخر القرن السادس وأقام بازيليكا باسم رقاد السيّدة بقربها.
- بازيليكة بولنيسي المثلّثة الأجنحة التي شُيّدت في أواخر القرن الخامس، وهي من أقدم البازيليكات ذات ثلاث كنائس تحت سقف بازيليكيّ واحد. تتميّز أيضًا بأقدم نموذج للأبجديّة الجيورجيّة على أحد جدرانها الخارجيّة ونقوشاتها المتأثّرة بالفنّ الساسانيّ.
- كنيسة «الأنتشِسخاتي» التي شُيّدت في مطلع القرن السادس على اسم العذراء مريم، وهي أقدم كنيسة في العاصمة تبيليسي. إنّها بازيليكة ذات ثلاثة أجنحة تفصل بينها أعمدة ضخمة. كانت تُدعى قديمًا «كنيسة الأجراس»، لأنّها كانت الكنيسة الوحيدة التي كان يُسمح لها باستعمال أجراسها أيّام الاحتلال العربيّ. ثمّ دُعيت أنتشِسخاتي (أي أيقونة «أنتشا») نسبة إلى أيقونة كُتبت في القرن السادس أو السابع، نُقلت إليها من دير «أنتشا» في تركيا الحاليّة في القرن السابع عشر.
- كنيسة دمانيسي سيوني شُيّدت أصلاً في القرن السادس وأُدخلت تعديلات عليها في القرن العاشر. هي بازيليكة أحاديّة الجناح.
الكنائس المحوريّة
ظهرت هذه الكنائس، مع قبّة وسطيّة، ابتداء من القسم الثاني من القرن السادس، وأهمّها هي:
- كنيسة دجفاري: يروي تقليد محلّيّ أنّ القدّيسة نينو أقامت صليبًا خشبيًّا كبيرًا، في موقع معبد وثنيّ كان على قمّة الجبل المشرف على مِتسخِتا، التي كانت عاصمة البلد آنذاك. فأصبح المكان مقصدًا للحجّاج، وشُيّدت كنيسة صغيرة السنة 545 فوق بقايا الصليب. أمّا الكنيسة الحاليّة فشُيّدت بين 590 و605.
هي أقدم نموذج للكنائس المحوريّة ذات أربعة صدور وقبّة متعدّدة الضلوع. أثّر نمطها في تطوّر العمارة الكنسيّة الجيورجيّة، وكذلك الأرمنيّة. واجهاتها الخارجيّة مزيّنة بنقوشات ونحوتات مميّزة.
- كنيسة أتِني سيوني شُيّدت في القرن السابع، وهي محوريّة مع قبّة متعدّدة الأطراف. وتحمل جدرانها الخارجيّة نماذج من الخط الجيورجيّ القديم ونحوتات مختلفة ذات تأثير إيرانيّ واضح، بينما تُزيّن جدرانها الداخليّة جداريّات كُتبت في القرن الحادي عشر.
- كاتدرائيّة دراندا: يُعتقد أنّها شُيّدت في القرن السادس بأمر من الأمبراطور يوستِنيانوس. هي محوريّة وبشكل صليب، تعلوها قبّة متعدّدة الأطراف.
- كنيسة دير كرومي: تمثّل أحد أقدم نماذج للكنائس ذات قبّة وسطيّة ترتكز على أربعة أعمدة قائمة في زوايا «صليب يونانيّ». شُيّدت في القرن السابع.
تطوّر العمارة الكنسيّة من النصف الثاني
من القرن السابع إلى القرن العاشر
الكنائس السابقة الذكر ذات أحجام صغيرة عادت لا تتلائم في القرن التاسع مع عدد المؤمنين الذين يؤمّونها. لذلك تطوّرت العمارة الكنسيّة، محافظة على بعض العناصر التقليديّة ومبتكرة أشكالاً جديدة، بخاصّة القبّة المرتفعة التي تميّزت بها العمارة الجيورجيّة. مثّلت هذه الحقبة مرحلة انتقاليّة اختبرت خلالها جيورجيا، رغم الأوضاع السياسيّة الصعبة، أنماطًا جديدة للعمارة الكنسيّة، يُهيّئ بعضها نهضة القرن الحادي عشر العمرانيّة. نتوقّف عند أهمّ هذه الأنماط.
كاتدرائيّة كوموردو: شُيّدت في آخر القرن العاشر وتجمع بين النمط البازيليكيّ ومسطّح مسدّس الأطراف.
كنيسة القدّيس جاورجيوس في أوبيزي:
شُيّدت في القرن التاسع، وهي بازيليكة أحاديّة الجناح مع سقف معقود ذات ضلوع. وزُيّنت بالجداريّات في القرن الرابع عشر.
(نموذجان من جداريّاتها)