2019

7. قضايا معاصرة - العلاقة بين المال والشيخوخة ودنوّ الأجل - الأب منيف (حمصيّ) – العدد السادس سنة 2019

العلاقة بين المال والشيخوخة

ودنوّ الأجل

 

الأب منيف حمصي

 

المال أداة لتأمين حاجيّات الحياة وضروراتها. والانحراف لا يأتي من تعاطيه، بل من عبادته، واللهاث

 وراءه. ليس من مشكلة في أن يمتلك المرء مالًا ليبتاع به الطعام، الشراب، الدواء، واللباس. تكمن المشكلة كلّها في أن نعبد المال، وأن نسقط اللَّه من حياتنا، لنجعل المال مكانه. عندما يتقدّم الإنسان في السنّ، وبنتيجة تربية الوالدين أساسًا، يعتبر الشابّ أنّ المال كلّ شيء في الحياة، فتصبح الحياة مبتذلة، رخيصة، وبالفعل تصير بلا معنى. وهكذا، يكبر الإنسان وهو في لهاث وراء جمع المال، فيغدو متعبّدًا للمادّيّات بكلّ أشكالها،  ويتعلّق بها بكلّ جوارحه، فلا يعود يرى سواها. ولكن ماذا عن علاقتنا بالمال على مستوى العبادة، عندما تتقدّم بنا الأيّام، وتدبّ الشيخوخة والضعف إلى أجسادنا؟ كيف ينقذنا هذا المعبود من زحف الشيخوخة على حياتنا؟ لا جواب عن هذا السؤال عند الإنسان الدنيويّ. ولكن بكلّ تأكيد سيكتشف الإنسان المتعلّق بالمال، منذ صباه، أنّ هذا المعبود لا قيمة له لأنّه عاجز عن كبح زحف الشيخوخة والأمراض، والموت أيضًا. وهو عاجز عن الإجابة لا بل عن التصدّي لكلّ ما يستجدّ فينا من قلق وخطر. والآن من البديهيّ أنّ وحشًا جديدًا سوف يزحف إلى نفوسنا بعد حياة قضيناها في عبادة المال عبثًا. وأبسط ما يقال إنّ الإنسان سوف يقع ضحيّة اليأس سيّما عندما يفكّر أنّ كلّ العشق وتكديس المال كان بدون جدوى. فلا الشيخوخة كبح زحفها إلينا، ولا الصحّة حفظها المال لنا، واكتشفنا أنّه من الغباء كانت عبادتنا وعبوديّتنا له طوال حياتنا. السؤال الأخير: من هو الغبيّ؟ أهو عابد المال أم عابد اللَّه؟ بكلّ تأكيد، وهذه خبرة القدّيسين: عابد المال هو الغبيّ أوّلًا وأخيرًا لأنّه جعل عشق قلبه منذ صباه في معبود لن يقدر على أن ينقذه عند منعطفات الحياة الحرجة والصعبة. هل أنقذ المال غنيًّا أشرف على الموت؟ لقد عبدتك طوال حياتي لكنّك لم تقدر على أن تدرأ عنّي ضغطة ظلمات هذا الدهر. هل خلّص المال عشّاقه ومنحهم الخلود؟ سامح اللَّه أهلي اللذين ربّياني على جعل كلّ العشق فيك. سامح اللَّه الكنيسة المؤسّسة التي جمعته وكدّسته ولم تنفقه على خدّامها والمحتاجين من أبنائها بمحبّة ومن دون تمييز. سامح اللَّه كلّ من أسهم في رؤية الكهنوت مجرّد بطرشيل. سامح اللَّه­ كلّ أسقف لم يوفّر لكهنته احتياجاتهم منه فأسهم في قيادة الكثيرين إلى الوقوع في السيمونيّة. سامح اللَّه بلدي الذي أضاع كياني بين هواجس الدولار والليرة. سامح اللَّه كلّ من ساهم في نقل هذا البلد لبنان إلى حافة الإفلاس فصار الناس يخشون الغد خشيتهم من وحش ضارّ. سامح اللَّه كلّ من حقن كياني بفكر دنيويّ جعلني في المنعطف الأخير من عمري قلقًا مضطربًا خائفًا وأيضًا تافهًا. وأشكر من أعماقي ربّنا يسوع المسيح الذي قال لي: «لا تعبدوا ربّين». نعم وألف نعم، غبيّ هو من يعبد المال ويجعل فيه كلّ عشق نفسه، فالأيّام تعلّمنا أنّ قول الربّ: «لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض»، حكمة جليلة جزيلة الثمن لأنّنا عابرون عابرون عابرون، والمال لا يمكنه أن يوقف عبورنا في  هذه الدنيا.n

© حقوق الطبع والنشر 2025 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search