2019

13. علم نفس - نوم الطفل - بيتر بندلي – العدد الثالث سنة 2019

نوم الطفل

 

بيتر بندلي

 

سؤال: كلّ مساءٍ، كانت طفلتنا وتبلغ من العمر ثلاث سنوات تغفو في فراشها بعد أن تشاهد فيلمًا على الأي باد (IPad). ورغم كونها تستطيع النوم في غرفتها المخصّصة لها، فقد كانت تفضّل النوم في غرقة أخيها وعمره سنة ونصف السنة.

منذ بضعة أشهر بدأت ترفض النوم بعد الفيلم وأصبحت تخرج من غرفتها قائلةً إنّها خائفة. ثمّ بدأ هذا الخوف يتزايد باطّراد حتّى أصبحت تصرخ بصوتٍ عالٍ باكيةً فيستيقظ أخوها. وعندما فرضنا عليها النوم في غرفتها كانت تكرّر الصراخ ذاته.

فكّرنا أوّلاً أنّ البرنامج يسبّب إثارةً تؤدّي إلى نومٍّ قلقٍ وأحلامٍ مخيفةٍ، فحاولنا معها الانتقال من الأفلام إلى القصص المذاعة على الأقراص الصوتيّة كي تسمعها كلّ مساء، أو قدّمنا لها قصصًا نقرأها لها. كانت النتيجة إيجابيّة ولكن لبضعة أيّام فقط، بعدها عادت إلى الخوف والبكاء طالبةً منّا أن نبقى معها حتّى تنام. غيّرنا مواقع الأثاث في الغرفة لتشعر بالاستقرار. حاولنا أن ننفّذ كلّ ما نُصِحنا به، من قصاص إلى مكافأة إلى هدايا، ولكن من دون أدنى تغييرٍ في الوضع. كما قدّمنا لها دُمى لتأخذها معها إلى الفراش وألبسةً لهذه الدمى، ولكن أيضًا من دون فائدة. أدخلنا سريرها إلى غرفتنا، وأيضًا من دون أيّ فائدة. حاليًّا نشاهد معًا التلفاز ثمّ نأخذها إلى سريرها ونبقى معها حتى تنام. أصبحت تنهض مرّةً او مرّتين كلّ ليلةٍ وتأتي إلى غرفتنا لنأخذها إلى فراشها. إذا كنت منهكة جدًّا من التعب، كنّا نتركها لتنام معنا في سريرنا.

تطوّر هذا الخوف حتّى أصبحت تخاف كلّ شيء في النهار. هذه التصرّفات لا تقوم بها إلّا بعد الظهر وعند المساء وذلك، باعتقادنا، لتتفادى أيّة مراقبة خلال المدرسة.

قالت لنا طبيبة الأطفال كما قال طبيب الأطفال النفسيّ إنّ هذه التخوّفات طبيعيّة، وعلينا أن نتجاهلها إذ سوف تزول بعد فترة من الزمن.

من جهتي، بدأت أعاني من وجع ظهر وإرهاق بسبب قلّة النوم. هل هناك أمل؟ أمٌّ خائفة.

جواب: عزيزتي القارئة، باديء ذي بدء طبيبة الأطفال على حقّ وعليك ألّا تقلقي، فهذه التخوّفات مرحلة من مراحل النموّ خلال الطفولة فحسب.

كلّ من سهر الليالي مع أطفالٍ يبكون يفهم وضعك وقساوة لياليك، والأيّام التي تليها وكيف أنّ التفسير حسب سنّ النموّ غير مفيد، لا بل يعطيكِ شعورًا بخلل في تصرّفك، لأنّك غير قادرة على استيعاب طفلتك حسب نضجها.

علينا أن نعرف أنّ التخوّفات التي يحياها الأولاد في هذه الأعمار بالنسبة إلى الطفل ومن وجهة نظره، إنّما هي خوف حقيقيّ يمكن أن يصل إلى خوفٍ وجوديّ. لذلك، أوّلاً، أريد أن أهنّئكِ على طريقة تعاطيك مع تخوّفات طفلتك وأخذها بكامل الجدّيّة، من دون التعاطي معها حسب اقتراحات بعض الفارضين السلوكيّين، الذين يطلبون من الأهل ترك أولادهم يبكون لفترة من الوقت إلى أن يتوقّفوا عن البكاء، بغية تعليمهم أن يناموا وحدهم من دون مراعاة الأهل.

وثانيًا أريد أن اقترح عليكِ بعض طرائق التعاطي التي يمكنك أن تضيفيها الى طرائق تعاملك أو تستبدليها بها. منوّهًا بأنّه لدى شعورك بأنّ أحد الاقتراحات لا يطابق طبعك العفويّ أو لا يناسب طفلتك، يمكنكِ تجاهله:

١– أفضل ما يمكن أن تفعليه أنتِ مع الوالد هو توزيع رعاية الطفلة بينك وبينه. لا أريد فقط أن يشاركك والد الطفلة في معاناتك، إنّما أريده أن يخفّف من عبئك، أي عليك بعض الأحيان أن تتركيه يتعامل مع الطفلة كما يريد، ولو كان هذا التصرّف مخالفًا لما تقومين به أنتِ. إنّ طفلتك تراقب ثقل حملك وتشعر بالذنب إذ ترى نفسها سبب عبئك. شعورها بالذنب يقلقها ويؤلمها لأنّ القلق يثير مراكز الألم في دماغ الإنسان. بهذه المشاعر تكلَّف ابنتك نفسها بأكثر ممّا بوسعها أن تتحمّل، فهي طفلة بعمر الثلاث سنين. هي تحاول بكلّ ما لديها من طرائق أن تقمع خوفها ويمكن بهذه الطريقة أن يراودها خوف من الخوف، وهذا بحدّ ذاته يكرّس الخوف. إن تمكّنتِ أنتِ من تخفيف عبئك واستطعتِ النوم ليلاً فقد تستشعر طفلتك هدوءك وطمأنينتك فينتقل هذا الهدوء إليها.

٢– قولي لطفلتك إنّ الخوف شيء طبيعيّ وإنّ لها الحقّ بأن تكون خائفة. خلال محاولتك مساعدتها حاولت هي إلغاء الخوف. بهذه الطريقة تعلّمت ابنتك أنّ الخوف شيء سيّئ وأنّ الخلل فيها هي لأنّها تخاف. إذا قبلَت خوفَها وسمحتِ لها بأن تخاف لا تعود تشعر بالنقص لأنّها تخاف، ولا تشعر بالذنب لكونها تحمّلكِ همّها. هذا القبول للخوف لا يعني أن تجعليه محور حديثكما وأن تبحثي معها عن أسباب الخوف أو أن تحاولي إزالته. كلّ ما يجب عليكِ أن تقوليه لها هو أنّك تفهمين خوفها وأن لها الحقّ بأن تخاف وأنّك تحبينها وتساعدينها وأنّها يمكن أن تأتي إليكِ كلّما احتاجت إلى وجودك. مشكلة العديد من الأهالي والمربّين والأساتذة أنه قيل لهم إنّ عليهم أن يتكلّموا على كلّ شيء مع الأطفال، أي أن يناقشوا المواضيع كافّة مع الأولاد وكأنّهم ناضجون صغار. هذا خطأ كبير. كلّما تكلّمتِ معها على الخوف وكلّما جعلت الخوف محور حياتها المسائيّة والليليّة، كلّما ثبت هذا الخوف وكوَّنَ حياةً خاصّة ذات زخمٍ. أصغي بتركيز إلى كلّ ما تقوله طفلتك: ممَّ تخاف؟ ما الذي يذعرها؟ ماذا يشغل فكرها؟ ولكن لا تناقشي معها المواضيع التي تطرحها. الإصغاء مهمّ جدًّا لأنّ الولد يستوعب ما يعيشه عاطفيًّا عبر التواصل. خلال الحديث أنظري إليها لتلاقي عيناك عينيها وعلى نظرك أن يشعّ سعادة وطمأنينة لا خوفًا. هذه النظرة  أساسيّة، لأنّها إن رأت تردّدًا في عينيك أو خوفًا أو قلقًا سوف تتبنّى هذه المشاعر ويزداد خوفها. أفضل شيء يمكنك أن تفعليه هو أن تجلسي قبالة طفلتك وتدعيها تضع يديها في يديك لتمسكي بهما، إذ بواسطة يديكِ سوف تشعر بالطمأنينة. عندما تنهي ابنتك كلامها أغمضي عينيها واهمسي في أذنيها بأنّك تحبّينها. استخدمي فقط عبارة «أنا أحبّك» من دون الكلمات كافّة التي نستعملها والتي أفرِغَت من مضمونها. وأضيفي أيضًا: «وأنا أهتمّ بكِ».

٣– اسألي طفلتك في لحظة عابرة، ما هو الحيوان الذي تعرف أنّه قويّ والذي تحبّه أكثر من غيره. اشتري هذا الحيوان من قماش واعطِه اسمًا. أزيلي الألعاب كلّها من سريرها ولا تضعي إلى جانبها عند النوم سوى هذا الحيوان القماشيّ الجديد وأخبريها: «هذا ... (اسم الحيوان القماشي)» سوف ينتبه عليك ابتداءً من اليوم عندما لا أكون بجانبك”. بعدها أنظري إلى الحيوان القماشيّ، سمِّهِ باسمه ثمّ عرّفيه إلى ابنتك واعطِه مهمة الانتباه عليها كلّما كنتِ بعيدة عنها. أعيدي تكليفه بهذه المهمة كلّ مساء عندما تأخذين ابنتك إلى الفراش. إذا بدأت ابنتك بالبكاء وخافت، ساعديها كي تهدأ كما شرحتُ تحت البند ٢ ثمّ اذهبي إلى الحيوان القماشيّ واسأليه لماذا سمح بأن... (وهنا أعيدي بضع كلمات قالتها ابنتك) وذكّريه بمهمّته.

٤– عندما تبدئين بتنفيذ ما كتبته وترافقين طفلتك إلى سريرها وتودّعينها، قولي لها إنّك سوف تخرجين من الغرفة لكنّك لن تتركيها، إذ رغم خروجك من الغرفة أنتِ تنتبهين وسوف تعودين وتدخلين الغرفة لتنظري إذا كان كلّ شيء على ما يرام. من المفضّل أن تتركي باب الغرفة مفتوحًا، لتقع أشعة خفيفة من الضوء في غرفتها، كما لتتمكّن من أن تسمع أصواتكم وتتمكّنين أنت من الدخول الهادئ إلى الغرفة. في البدء، أدخلي بعد بضع ثوانٍ (٣٠–٩٠) إلى غرفتها وانظري إليها بحنان وابتسامة واخرجي. المهمّ ألاّ تتكلّمي معها. الفترة الزمنيّة التي تنتظرين فيها خارجًا قبل أن تعودي لتدخلي من جديد إلى غرفتها سوف تكبر مع الأيّام. المهمّ بهذا التطبيق هو أن تتعلّم ابنتك، أنّه بعد المغادرة هناك عودة، بعد كلّ فراق هناك لقاء. وأن تعلم ابنتك أيضًا بهذه الطريقة، أنّك سوف تأتين إليها وتهتمّين بها من دون أن تطالب بالحماية. فأنت تهتمّين دائمًا بها وهي لا تحتاج إلى أن تهتمّ بنفسها بأمانها. وأخيرًا سوف تتعلّم أنّ خوفها ليس حملاً ثقيلاً عليكم.

إذا كنتِ تعارضين الآن قائلةً إنّ ما أقترحُه متعبٌ، فأنا أوافقكِ الرأي وأذكّركِ بأهمّيّة مشاركة والد الطفلة. هكذا يعيش كلٌ منكم ليلةً هادئةً بعد ليلةٍ قاسيةٍ. و للآباء أقول: آن الأوان أن تتعرّفوا إلى أولادكم وأن تشاركوا في رحلة تربيتهم وترافقوهم خلال نضجهم.

لو أخذتُ خبرتي الشخصيّة كمثال، فمجموعة التعب هذه والحزن والقهر والفرح والمرح هي أروع ما عشتُه في حياتي.

أتمنّى لكما القوة والصبر كي تفرحا وتختبرا السعادة العائليّة. وأنا متأكّد أنّك سوف تنجحين لأنّك تملكين أهمّ ما تحتاجين إليه، أعني بذلك: محبّتك لابنتك.n

 

© حقوق الطبع والنشر 2025 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search