سبت النور؛
سبت السبوت
الشمّاس إلياس بركات
اللاهوتي هو من يُصلّي؛ ومن يُصلّي فهو لاهوتيّ
أن تُصلّي مستعينًا بالكُتُب الموضوعة للخِدَم المختلفة تدلف إلى لاهوت الكنيسة وفِكرِ آبائها.
مساء الجمعة العظيمة المقدّسة (فعليًّا هي خدمة سَحَر السبت) في رتبة جنّاز المسيح وفي نهاية قِطَع الإينوس وعند «المجد للآب» نرتّل ترتيلة جميلة شهيرة تقول:
- «إنّ موسى العظيم
قد سبق فرَسَم هذا اليوم سرّيًّا؛ بقوله:
وبارَكَ اللَّه اليوم السابع
لأنّ هذا هو يوم السكون والراحة»
(تكوين ٢: ٣)
- «الذي فيه استراح ابن اللَّه الوحيد
من كلِّ أعماله،
لـمّا سَبَتَ بالجَسَدِ
بواسطة سرّ التدبير
الصائر بالموت.
- وعاد أيضًا بواسطة القيامة
إلى ما كان (هو عليه).
- ومنحنا حياةً أبديّة
بما أنّه صالحٌ ومحبّ للبشر».
فلنتأمّل في لاهوت هذه الترتيلة العميق.
موسى في كتاب التكوين (٢: ٢- ٣) يقول: «وانتهى اللَّه في اليوم السابع من عَمَلَه،
واستراح في اليوم السابع من كلِّ عَمَلِه الذي عَمِلَه. وبارك اللَّه اليوم السابع وقدَّسَه، لأنّه فيه استراح من كلِّ عَمَلَه الذي عَمِلَه خالِقًا».
فما الذي رسمه موسى إذًا - بالحريّ تنبّأ به بصورة رمزيّة - عن هذا السبت الذي نحن فيه - وبما يتجاوز النصّ أعلاه؟
إن كان اليوم السابع يوم راحة اللَّه من عملِه (الخلق) فما علاقة استراحة الابنِ من كلّ أعماله؟ أيّةُ أعمال؟ هل تبَطَّلَ اللَّه بعد الفراغِ من الخلق؟
وما هي هذه الراحة التي يقول عنها الكتاب: «فأقسمت في غضبي أن لن يدخلوا راحتي» (عبرانيّين ٣: ١١ و١٨، مزمور ٩٥: ١١).
إن رجِعنا إلى الكتاب المقدّس نقرأ ما يلي:
«إنّ أبي ما يزال يعمل وأنا أعمل أيضًا» (يوحنّا ٥: ١٧) فمنذ المعصية والخالِقُ يُعِدُّ شعبَه ويقوده نحو الخلاص.
«إنّي قد مجَّدتُك في الأرض فأتممتُ العمل الذي وَكَّلتَ إليَّ أن أعملَه» (يوحنّا ٤: ١٧).
«وبعد ذلك، كان يسوع يعلَم أنّ كلَّ شيء قد انتهى... قال: تمّ كلّ شيء (يوحنّا ١٩: ٢٨- ٣٠).
«وأبيِّن كيف حُقِّقَ ذلك السرّ الذي ظلّ مكتومًا طوال الدهور في اللَّه خالق جميع الأشياء... وفقًا لتدبيره الأزليّ، ذلك الذي حقَّقه بالمسيح يسوع ربِّنا» (أفسس ٣: ٩ و١٢).
فاستِراحة ابن اللَّه إذًا هي سبوته ورُقاده في القبر في اليوم ذاته - السابع (السبت) - الذي بارَكَه الآب عند الخلق، أكان الآب يعني هذا اليوم؟ فعملُ الابن افتداء البشريّة، وقد حقَّقه على الصليب وما استراحة اليوم سوى أنّه أنهى عَمَله الذي كلّفه به أبوه، العمل الخلاصيّ الذي كان الآب بسابق تدبيره قد أعدّه منذ خلق العالم. فشجرة الحياة التي نُصِبَت في الفردوس - أليست الصليب؟ - التي لو أكل منها آدم لَحَيا إلى الأبد (تكوين ٣: ٢٢).
وبالقيامة عاد المسيح المتأنّس إلى سابق مجده كما يقول: فمجِّدني عند يا أبت بما كان لي من المجد عندك قبل أن يكون العالم (يوحنّا ١٧: ٥).
فزمنُ الخلقِ - بالحريّ إعادة الخلق - قد تمّ على الصليب. بصلاحه ومحبّته مَنَحنا الآب بابنه الحياة الأبديّة وأجلسنا عن يمين قدرته وأهّلنا للدخول في راحته.
لكن التأهّل للتألّه يستلزم منّا عملاً: الإيمان والأعمال.
... ما دام هناك موعد الدخول في راحته... فإنّنا نحن المؤمنين ندخل الراحة على ما قال: «فأقسمت في غضبي أن لن يدخلوا راحتي». أجل إنّ أعماله تمّت منذ إنشاء العالم، إذ قال في مكان من الكتاب في شأن اليوم السابع: «واستراح اللَّه في اليوم السابع من جميع أعماله». وقال أيضًا في المكان عينه: «لن يدخلوا راحتي»... لأنّ من دخل راحته يستريح هو أيضًا من أعماله(٢) كما استراح اللَّّه من أعماله (عبرانيّين ٤: ١- ١١).n