أن نلمس يسوع:
نسيج من الأب ليف جيلله
جورج معلولي
سيّدي لقد قرأتُ كثيرًا، وسمعتُ كثيرًا، وتكلّمت كثيرًا. أريد أن أدنو منك ببساطة. دعني أغلق الكتب. دعني آتي إليك وألّا يقف بيننا حاجز. فليتكلّم قلبك وحده مع قلبي.
ولكن سيّدي كيف يمكن لقلبي أن يصغي إليك والكتبة والمعلّمون يتشاجرون حول اسمك؟ ألا يغطّي ضجيج أصواتهم ما تقوله أنت بهدوء في السرّ ؟ أتأوّه كما مريم في البستان: «لقد أخذوا سيّدي ولا أدري أين وضعوه». أنا أيضًا أرغب في أن آخذك سيّدي بعيدًا عن ضجة العلماء، بعيدًا عن تنافس التلاميذ القائلين «من فينا هو الأعظم؟». أنت وحدك تستطيع أن تعطيني ما أريد: أن أجالسك وجها بوجه.
كلّ كلمة من الإنجيل هي حدث معاصر بالنسبة إليّ ولها امتدادات نحو الأبد. أقوال المخلّص و أعماله وإن تمّت في زمن معيّن فهي تتجاوز التاريخ والأزمنة كما يتجاوز اللَّه محدوديّة البشر. كلمات الإنجيل ليست سجينة الماضي. هي معاصرة لكلّ إنسان. و تفتح الآتي لكلّ إنسان.
للتلميذين اللذين حاولا اللحاق بيسوع يسأل الربّ: «ماذا تطلبان؟» فيجيبان: «سيّدي أين تمكث ؟». لم يبحثا عن شيء بل عن شخص. رغبا ليس فقط في معرفة وجهة يسوع بل أيضا أين يمكث. هذه رغبة في حياة مستمرّة بالقرب من يسوع تتجاوز اللقاء الوقتيّ. مسيرة الرسل تضع يسوع في المركز. ما أطلبه ليس كمالاً أخلاقيًّا، ليس بناء عقليًّا منمّقًا، وليس اكتساب مواهب روحيّة معيّنة. من أطلبه هو شخص المسيح.
لم يقل يسوع: إنّي أريكم الطريق بل «أنا هو الطريق». لم يقل إنّي أعلّمكم الحقّ فحسب بل قال «أنا هو الحقّ». لم يقل إنّي أعطيكم الحياة فحسب بل قال «أنا هو الحياة». تكلّم بولس الرسول بتعابير مماثلة على الربّ: المسيح هو حياتنا و تقديسنا وبرّنا. في المسيح يسوع حلّ شخص حيّ مكان الشريعة. ما عدت أرفض الخطيئة بسبب شريعة معيّنة بل لأنّ شخصًا- يسوع المسيح- عاش وتكلّم ومات وقام بطريقة تشكّل النموذج الأبديّ، وبثّ فينا بذور هذه الحياة. يسوع يكمل الشريعة ويزيلها في آن لأنّ النهر العائد أخيرًا إلى منبعه ومصبّه يحقّق وجوده الأوّل والأخير في البحر. كلّ من فهم هذا يطرح كلّ الإشكاليّات بطريقة خاصّة، أي في المسيح. عندما يحذّر بولس أهل كورنثوس من سلوكيّات معيّنة، فهو لا يهتمّ بشرائعيّة النجس والطاهر بل يسأل كيف يمكن لأعضاء جسد المسيح أن يكونوا أعضاء للخطيئة. وعندما يتكلّم على القيامة لا يتكلّم فلسفيًّا على خلود النفس بل يقول: «إن لم يقم المسيح فرجاؤنا باطل».
في المسيح يسوع الطريق ومبتغاه واحد. من يدخل في الطريق الذي هو المسيح يدخل توًّا بتماسّ مع الهدف. مهما كانت المشاكل (اليوميّة البسيطة والروحيّة أيضًا) فالحلّ يتّضح في العناق الحميم مع يسوع. هذا لا يقيلنا من التفكير والبحث عن التقنيّات المساعدة ولكن حينها يعمل فكرنا في صفاء المسيح.
ماذا أفعل سيّدي عندما أواجه قرارًا كبيرًا أو صعوبات في العلاقات أو العمل؟ قد يهمس لنا الربّ: يا ولدي اتّحد بي أوّلًا. آمن بأنّ مشكلتك تجد حلّها فيّ. إن كنت تراني فسترى الحلّ عبري، بشكل شفّاف. أَعمِل عقلك ولكن في نوري.
اعتقدت مرتا أنّ أخاها سيقوم في اليوم الأخير. أجابها يسوع: «أنا القيامة». ليست القيامة حقيقة أخرويّة فحسب، ولكنّها بمعنى من المعاني واقع معطى الآن. شخص المخلّص هو منذ الآن سبب قيامة الموتى وقوّتها. كيف أتّحد به منذ الآن؟ هذا الاتّحاد ليس ثمرة دقائق أو أيّام بل مراس حياة حتّى يحفر يسوع وجهه في نفسي. جمال وجه يسوع جاذب ولكنّه أيضًا فاعل و محوّل. إذا تمرّس نظرنا الداخليّ في التركيز عليه يخترقنا جمال يسوع بمقدار هذا المراس.
سيّدي أرني وجهك فتذوب كلّ معضلاتي كالثلج أمام الشمس. إن تأمّلنا وجهك ولهجنا باسمك نغرق في ضيائك وترفعنا من مجد إلى مجد متحوّلين إلى صورتك.
بعد حدث التجلّي رأى التلاميذ يسوع وحده. توقّفوا عن رؤية موسى وإيليا. النفس التي انبهرت من نور يسوع ترى هذا النور مسكوبًا على كلّ الكائنات، الناس والأشياء. لا تعود ترى إلاّ يسوع وحده. هناك أيضًا خصوصيّة نداء يسوع لكلّ نفس كما للتلاميذ الأوّلين. يخامر هذا النداء عنصر شخصيّ بشكل عميق.
يسوع يرى سمعان فيقول له إنّه سيصير بطرس. يرى نثنائيل فيقول فيه هذا إسرائيليّ لا غشّ فيه. يستقبله يسوع في حالته الحاضرة بينما يكشف لسمعان ما سيصير إليه. نداء يسوع يتأصّل في ما هو حميم وشخصيّ في حياتنا.
يقول سمعان ليسوع: «ابتعد عنّي يا ربّ لأنّي إنسان خاطئ». وفي موضع آخر: «مُر بأن آتي إليك ماشيًا على المياه». يجب على قول التواضع وقول الثقة أن يندمجا في آن واحد.
مناخ يسوع كلّيّ الضياء. «أنا نور العالم». في يسوع ليس من غيوم وظلال. مناخ يسوع صفاء البلّور. هذا لا يلغي أحيانًا حدّة ثاقبة. إن رأينا النور يمكننا أن نمشي في النور. رؤية يسوع هي رؤية الضياء والنقاء الباهر. ويصبح النور عمق البحر الذي لا قعر له. أحيانًا يتجلّى حضور يسوع لنا بقوّة لم نعهدها من قبل. المعلّم الوديع والمتواضع القلب يظهر لنا في مجد سلطانه. هذه لحظات التجلّي.
لم يعرف العبرانيّون سوى نور العمود الذي هداهم في الصحراء. هذا ظهور للنور محدود في تاريخ معيّن. أمّا يسوع فيعلن أنّه نور العالم. نوره أزليّ لا يغرب يضيء للجميع. نوره يضيء لكلّ إنسان آت إلى العالم. مبارك أنت ربّي لأنّ نورك يفعل في كلّ البشر وكلّ الأمكنة. n
اقتباس من كتاب:
Jésus. Simples regards sur Le Sauveur. Un moine de l’Eglise d’Orient. Chevetogne.