2019

4. شؤون كنسيّة - انطباعات روسيّة ٢/٢ - ريمون رزق – العدد الثالث سنة 2019

إنطباعات روسيّة

 

ريمون رزق

 

دور كنيسة أنطاكية

يعرف الجميع أنّ كنيسة أنطاكية هي تاريخيًّا الكنيسة الأولى بعد كنيسة الرسل في أورشليم، وأنّ فيها دُعي التلاميذ مسيحيّين أوّلاً، وبشّر هامتا الرسل بطرس وبولس وهما اللذان أسّساها قبل باقي كنائس المسكونة. وقد روت أرضها دماء شهداء كُثر يقف في طليعتهم أغناطيوس المتوشّح باللَّه. وظهر في ربوعها كبار معلّمي المسكونة، وفيها وعظ الذهبيّ الفم الذي ما زلنا نحيا من كلامه المُلهَم. ومن أبرشيّة بصرى حوران يُعتقد أن منها خرج مكسيموس المعترف، الذي وقف وحده مدافعًا عن الإيمان في وجه كثير من البطاركة والأساقفة الذين جحدوا. ونما في ربوع الشام يوحنّا الدمشقيّ ملخّصًا إيمان الآباء وناقله إلينا. وترأس كنيسة أنطاكية بطاركة عظام وعلّم فيها أساقفة كبار جعلوا باسيليوس الكبير يعلّي شأنها ووحدتها فوق كلّ اعتبار، قائلاً: «ماذا يمكن أن يُشغل كنائس الأرض كلّها أكثر من أمر أنطاكية؟» (الرسالة 66 إلى أثناسيوس الكبير). وبرزت بين هؤلاء البطاركة قامة بطرس الثالث الذي وقف في منتصف القرن الحادي عشر أمام تعصّب البطريرك القسطنطينيّ ميخائيل كِرولاريوس وتهوّره في العلاقة مع كنيسة رومة، داعيًا إيّاه إلى التسامح والمحبّة والشورى.

فأين نحن اليوم من كلّ قدّيسينا هؤلاء؟ أنستحقّ أن نكون أبناءً لهم ونفتخر بهم؟ ربّيّ، ليس يهوذا وحده مَن خانك. اغفر لنا خياناتنا اليوميّة واعطنا القوّة لنقف صارخين الحقّ وداحضين أباطيل سياسات هذا العالم!

المقرّ البطريركيّ الروسيّ

جرى الحوار بين البطريركين الأنطاكيّ والروسيّ في المقرّ البطريركيّ في دير دانيلسكي في موسكو، دار بمعظمه حول الأزمة الأوكرانيّة. ذكّرتني عظمة هذا المقرّ بعظمة قاعات الفاتيكان التي استُقبلنا فيها لدى مرافقتنا للمثلّث الرحمة البطريرك أغناطيوس الرابع، أثناء زيارته البابا يوحنّا بولس الثاني. يكاد الاحترام الذي يُحاط به البطريرك الروسيّ وعظمة «قصره» وعرشه البطريركيّين يوازيان عظمة «قصور» الفاتيكان والإكرام المفرط المحيط ببابوات رومة. جعلني هذا الواقع وابتعاده عن البساطة والخفر الإنجيليّين أفكّر أنّه ربّما عادت نظريّة “الرومة الثالثة” الأسطوريّة تتسلّل إلى الكنيسة الروسيّة بعد تعرّضها لعشرات السنوات من الاضطهاد الدامي. وكانت هذه النظريّة قد نشأت في أواخر القرن الخامس عشر، على يد الراهب فيلوثاوس، من مدينة بسكوف، الذي كتب إلى القيصر الروسيّ باسيليوس الثالث، قائلاً: «سقطت رومة الأولى والثانيه (الأولى بسبب ابتعادها عن الإيمان الأرثوذكسيّ، والثانية بسبب سقوطها في يد الأتراك جزاء على ابتعادها عن هذا الإيمان بعد موافقتها على اتّحاد مجمع فلورانس). أمّا رومة الثالثة فلن تسقط ولن توجد رومة رابعة». ومع أنّ «رومة الثالثة» قد سقطت فعلًا في عهد الشيوعيّة، يبدو أنّها تستيقظ بعض الشيء، وخلافها الراهن مع القسطنطينيّة سوف يزيدها في الوقوع في هذه التجربة. لا أدري إنّ كانت قيادة الكنيسة الروسيّة الحاليّة تؤيّد هذه النظريّة، لكن تغمرني الريبة عند منظر العظمة المحيطة بكلّ أوّل في الكنيسة إذ يمكن أن تدفعه إلى نسيان أنّه في منظار يسوع الخادم والأخير، ولا علاقة له بعواصم الأمبراطوريّات!.

كاتدرائيّة المخلّص في موسكو

ترأس القدّاس الإلهيّ فيها البطريرك الأنطاكيّ في غياب البطريركين المسكونيّ والإسكندريّ. أُعيد تشييد هذه الكنيسة بعد سقوط الاتّحاد السوفياتيّ الذي كان قد هدم مثيلتها الأصليّة لإخفاء أثر مسيحيّ ظاهر في وسط موسكو. وكانت شُيّدت في مطلع القرن التاسع عشر احتفاءً بالانتصار الروسيّ على جيوش نابوليون. والكنيسة الحاليّة هي في بنائها وزينتها صورة طبق الأصل لما كانت عليه الكنيسة الأصليّة. لذلك يمكن للمرء المتعلّق بالتقليد الأرثوذكسيّ الأصيل أن يستغرب نمط جداريّاتها وأيقوناتها الذي يتبع الفنّ الأيقونوغرافيّ المتأثّر بالفنّ الغربيّ الذي ظهر في روسيا ابتداء من القرن السابع عشر، مبتعدًا عن روائع الفنّ الروسيّ التقليديّ الذي برع فيه كتّاب أيقونات مميّزون أمثال ثيوفانوس اليونانيّ (1350-1410)، وأندريه روبلوف (1370-1430) وذيونيسيوس (وُلد السنة 1440)، أو قبلهم رسّامو مدرسة نوفغورود وغيرها.

القدّاس الإلهيّ

كانت الكنيسة تغصّ بالحضور. وقف في الصحن الأماميّ الأساقفة الروس الذين فاق عددهم المئتين، وممثّلو الكنائس الأرثوذكسيّة الإكليريكيّون (جميعها ما عدا القسطنطينيّة وألبانيا) والكنائس والأديان الأخرى، وعلى إحدى المنصّتين الجانبيّتين ممثّلو الرهبانيّات الروسيّة وعلى الأخرى علمانيّون كنت بينهم، وكان الشعب، رجالًا ونساءً وأولادًا، في سائر أنحاء الكنيسة التي تتّسع لبضعة آلاف.

دام القدّاس الإلهيّ قرابة أربع ساعات. لم يسعني إلاّ أن أتذكر ما كتبه الأرشيدياقون بولس، ابن البطريرك مكاريوس الثالث (ابن الزعيم)، في القرن السابع عشر، مدوّنًا أحداث زيارة أبيه إلى موسكو. يقول: «حضرنا عندهم القدّاس الإلهيّ، وما خرجنا منه إلاّ وأرجلنا عاطلة من الوقوف، لأنّ جميع كنائسهم بلا كراسي، ويطيلوا كثيرًا الصلوات والترانيم والقداديس... فإنّهم يبقون من أوّل الصلاة لآخرها محافظين على الهدوء إلى الغاية والتخشّع الذي لا يوصَف... ومن أوّل القدّاس الإلهيّ إلى آخره، إن وقعت إبرة يُسمع حسّها... وجميع الذين في الكنيسة ينحنون إلى الأرض...». وقد عشنا ما عاشه الشمّاس بولس، تأكيدًا على استرجاع الكنيسة الروسيّة التقاليد التقويّة والانضباط التي عاشت عليهم قبل الثورة الشيوعيّة.

وما يلفت الانتباه أنّ المناولة جرت بانتظام ملحوظ وهدوء، إذ توزّع كهنة حاملين الكؤوس المقدّسة في أنحاء الكنيسة كافّة، يناولون الناس بدون أن يتنقّلوا كثيرًا. وكان المتناولون يضمّون يديهم على صدرهم قبل المناولة، إشارة إلى جهوزيّتهم وشعورهم بهيبة الأمر، ويبقونها منضمّة بعد المناولة، كأنّهم يودّون احتفاظ الوديعة عميقًا في قلوبهم.

كلمة البطريرك الروسيّ

عشيّة القدّاس الالهيّ

أتت كلمة البطريرك كيريل بعد كلمة موجزة للرئيس بوتين التي لم أتمكّن من فهمها إذ أُلقيت بالروسيّة، لكن قيل لي إنّها شدّدت على ضرورة صون الكنيسة من التدخّلات السياسيّة، وأكّدت دعم الدولة الروسيّة للكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة واتّكالها عليها في زرع القيم الأخلاقيّة السليمة في الشعب الروسيّ وبخاصّة الشباب، وقيامها  بالأعمال الاجتماعيّة على مختلف أصعدتها.

أمّا كلمة البطريرك فكانت مستفيضة، ووُزّعت علينا ترجمتان عنها بالفرنسيّة والإنكليزيّة. ذكر أوّلاً أزمة أوكرانيا، مؤكّدًا أنّ «الكنيسة الأرثوذكسيّة الأوكرانيّة صامدة في الإيمان، محافظة على وحدتها الداخليّة،... وأنّها بمعونة اللَّه ستتغلّب على كلّ الصعاب التي تواجهها». وأنّ هذه القضيّة لن تؤثّر سلبًا في وحدة الأرثوذكسيّة إذا «دعم جميع الأرثوذكسيّين إخوتنا في الإيمان في أوكرانيا، وتعاضدوا معهم بثبات، وبقدر أهليّتنا جميعًا في الحفاظ على النظام الكنسيّ المبنيّ على خبرة الكنيسة الطويلة».

ثمّ أكّد أنّه على الكنيسة “كجسد المسيح الحيّ، أن تبقى أمينة له، وتترجم الإنجيل باستمرار وتنقل بطريقة مبدعة رسالة المخلّص إلى عالم اليوم، إذ كلّ عصر له تحدّياته، ويعلّمنا التاريخ كيف قامت الكنيسة بمواجهتها في كلّ العصور... تشهد الكنيسة للحياة الأبديّة حافظة، بأمانة،كلام اللَّه، وتعيش الأمور الآتية مسبقًا، إذ إنّ ربّنا يسوع المسيح، الإله الإنسان، هو رأسها ومرجعها الأساس الذي يجسّد صورة ما يمكن وما يجب على الإنسان أن يصيره».

بعد ذلك توقّف عند «الهوّة المتزايدة بين التقوى المسيحيّة والنمط الإيديولوجيّ الذي يسيطر على نموّ إنسانيّة اليوم»، قائلاً إنّ الحرب ضدّ القيم المسيحيّة ما عادت بالاضطهاد بل “بتآكل مستمرّ للمحبّة وبذل الذات، واستبدالهما بمحبّة الرفاهيّة والاستهلاك... والارتخاء الروحيّ والأخلاقيّ... لتقويض تأثير الكنيسة في الإنسان والمجتمع،... واعتبارها «متحفًا إثنوغرافيًّا»، واعتبار المؤمنين فيها حرّاسًا لتقاليد لا تمتّ بصلة لحياة معاصريهم الحقيقيّة”. نأسف أنّ الإنسان المعاصر عاد لا يفقه “إنجيل المسيح ككلمة محيية، مع أنّ رسالته السارّة تخاطب مستقبل كلّ الإنسان والإنسانيّة بعامّة، وأنّه يمكن للإنسان أن يصبح حرًّا بالحقيقة في الكنيسة، ليس بحرّيّة «أفعل ما أشاء»، بل بحريّة صديق اللَّه، التي هي أساس المحبّة الحقّ والإبداع الحقيقيّ».

 يتابع البطريرك قائلاً: «قد ولّى “الإلحاد العلميّ» الذي ساد أيّام الشيوعيّين لتحلّ محلّه إيدولوجيّات العلمويّة الحديثة المرتكزة على الإيمان بقدرة العلم ودوره المطلق في تكوين الثقافة، والمؤكّدة إمكانيّاته حلّ كلّ المشاكل، متجاوزة بذلك حدود تدخّل العلم في حياة الإنسان، وجاعلة إيّاه يتعارض مع الدين بطريقة مصطنعة، بينما على الكاهن والعالِم والمعالج النفسيّ أن يهتمّوا معًا بالإنسان». ويلاحظ أنّ “أحد مخاطر العلمويّة يكمن في نشر فكرة «تعدّي الحدود الإنسانيّة»... وحدّ الإنسان بجسده، والعمل على تحسينه بتجاهل كلّ النواميس الأخلاقيّة، والقيام بأمور لا تُعقل ولا يتصوّرها الإنسان... إذ تسود الآن الفكرة أنّه يجب «إعادة صنع الإنسان وتقويم بنيته» وإخضاعه كما يقولون لـupgrade

أمام كلّ هذه التحدّيات، على «الكنيسة أن تفعل ما فعلته على الدوام، أي التبشير بإنجيل ملكوت اللَّه الذي أتى إلى العالم، إذ إنّها تحافظ سالمة على كلّ الحقائق الأساسيّة المتعلّقة بالإنسان، وخصوصيّات حياته الداخليّة ومشاكله الروحيّة والأخلاقيّة وكيفيّة معالجتها. لم نبتكر تلك الحقائق بل أُعلنت لنا من لدن اللَّه... علينا معالجة التحدّيات أوّلاً بالمحبّة المسيحيّة المترجمة تعاضدًا اجتماعيًّا وتوقًا نحو العدالة الاجتماعيّة والاهتمام الشخصيّ بالقريب ومشاركته الصعاب والشدائد... وثانيًا بتبنّي كلّ شيء إيجابيّ وبنّاء في تقاليد البلاد وثقافتها وأنظمتها التي نعيش فيها و«مسحنتها»... وثالثًا بوعينا مستوى الإفخارستيّا الأخرويّ والعيش بانتظار المجيء الثاني المجيد والقيامة العامّة، متذوّقين منذ الآن طعم ملكوت اللَّه وليس منتظرين برعبة «آخر العالم». تدخلنا إقامة سرّ الشكر المرتبط بأعمال الرحمة إلى الملكوت حيث تنتصر الحقيقة والمحبّة... لا بدّ لنا من الاعتراف بأنّ نموّ التكنولوجيّات تطوّل عمر الإنسان وتسهّله، وهذا أمر جيّد. لكنّ أيّة آليّة وأيّ برنامج رقميّ يمكنه أنّ يعلّم فنّ نكران الذات والرحمة واحترام الآخر وطيبة القلب والأمانة والاعتراف بالجميل والشفقة؟ بدون هذه الفضائل تبقى الحياة قاصرة مهما ارتفع مستوى العلم... فالكنيسة مدعوّة إذًا إلى ابتكار الأشكال والكلمات الملائمة في لغة مفهومة لجعل الرسالة السارّة بمتناول معاصريها... على الكهنة والعلمانيّين على حدّ سواء أن يبشّروا، إذ التبشير هو حالة المسيحيّ الطبيعيّة. المبشّر هو مَن يحمل الإنجيل إلى الذين لا يعرفون المسيح. على كلّ عضو في الكنيسة أن يشهد بطريقة حيّة وصادقة بواسطة سلوكه، بأنّ الحياة في المسيح ضمن الكنيسة هي الطريق الأقصر والأضمن نحو السعادة الشخصيّة».

كما نلاحظ، تخاطب هذه الكلمات، مع أنّها لا تخلو من شيء من الاكتفاء الذاتي من جهة إمكانيّات المسيحيّين وكنائسهم، حالة العالم الحديث وتصف بواقعيّة بعض التحدّيات التي يواجَه بها الإيمان المسيحيّ. تؤكّد أنّ الجواب عن مشاكل الإنسان المعاصر هو في «حوزتنا» وكأنّه في متناول اليد، لكن لا تتوسّع في كيفيّة هذا الجواب. صحيح أنّها تذكر المحبّة الفاعلة والهمّ البشاريّ لدى المسحيّين، كهنة كانوا أو علمانيّين، لكنّها لا تأتي على ذكر ما يجب فعله لتصبح «المؤسّسة» في الكنيسة أكثر شفافيّة وأكثر قربى من الناس، إذ إنّ بُعدها عن النمط الإنجيليّ وخلاف أعضائها والتنافس بينهم، يُقصي الناس عن وجه المسيح ويكون له حجابًا

الحفلة الموسيقيّة

أُقيمت عشيّة الخميس الواقع فيه 31 كانون الثاني، حفلة سمعيّة بصريّة وموسيقيّة في قاعة المؤتمرات في الكرملين، وألقيت أثناءها الكلمتان اللتان ذكرنا.

وكان قد سبق الكلمتين عرض سمعيّ بصريّ عن واقع الكنيسة الروسيّة وأبرز مكوّناتها وأعمالها ومنجزاتها (309 أبرشيّة وأسقف، 38649 رعيّة وكاهن، نحو 750 ديرًا، خمس أكاديميّات لاهوتيّة، نحو 100 مدرسة إكليريكيّة وجامعتين أرثوذكسيّتين أو أكثر). ولحقت هذا العرض والكلمتين حفلة عزف وغناء رفيعة المستوى الفنّيّ أدّتها أوركِسترا وجوقات تضمّ قرابة ثلاثماية شخص، وأسهم فيها مغنّون مميّزون من أفضل مغنّي الأوبرا في روسيا.

المطران نيفون

لن أختم هذه التأمّلات بدون ذكر رحابة الضيافة والمحبّة اللتين عبّر عنهما المتروبوليت (الشرف) نيفون (صيقلي)، رئيس الأنطش الأنطاكيّ في موسكو، «سفير السفراء»، كما يدعوه كثيرون لحسن علاقته مع الكنيسة الروسيّة وأعضاء السلك الديبلوماسيّ في موسكو.

تنمية العلاقة مع الشباب

الأرثوذكسيّ الروسيّ

فكّرت مرارًا خلال هذه الزيارة بضرورة إقامة علاقات وثيقة بين الشبيبة الأنطاكيّة والشباب الروسيّ، وفاتحت بالأمر بعض شبابنا الذين يدرسون اللاهوت في روسيا، داعيًا إيّاهم إلى إقناع بعض زملائهم الطلاّب الروس بقبول دعوة لزيارة ربوعنا كخطوة أولى لبدء التعاون معهم. أرجو أن يتجاوب البعض، إذ قد تكون مثل هذه اللقاءات بَحصة صغيرة في دعم وحدة العالم الأرثوذكسيّ وانفتاحنا على بعضنا البعض.n

 

© حقوق الطبع والنشر 2025 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search