خطاب المطران إيليا الصليبي في عيد الحركة
١٩-٤-١٩٥٣ الجامعة الأميريكية قس بيروت
ان من أعظم دواعي البهجة لقلبي الأبويّ، أن أشاطركم يا أبنائي الأحبّاء مسرّاتكم في كلّ فرصة مناسبة، لأنّ الصلة الروحيّة الكائنة بين الأب وأبنائه، والراعي ورعيّته، هي التي تجمع بيني وبينكم، فتوحّد وتوفّق بين غايتي وغايتكم وهدفي وهدفكم، وتجعل من بواعث الغبطة والسرور أن نشترك جميعًا في هذا اليوم البهج بالعيد السنويّ لحركة الشبيبة الأرثوذكسيّة. تلك الحركة المباركة التي نشأت في ساعة يمن وغايتها الخير العامّ للشباب الأرثوذكسيّ ورفع معنويّاته روحيًّّا وأدبيًّا.
نعم إنّ الهدف السامي والغاية النبيلة التي تعمل لها حركتكم المنزّهة عن كلّ قصد وكلّ مغنم، هي تقوية الروح الأرثوذكسيّة في الشباب اليافع وإذكاء حرارة الإيمان في قلوبهم الفتيّة، وحثّهم على إتمام واجبات الدين من صوم وصلاة وحرصهم على تأدية فروض العبادة والاقتراب من منابر الاعتراف وتناول الأسرار المقدّسة مرارًا في السنة. وبهذا يتحصّنون ضدّ هجمات الدنيا ويكتسبون مناعة لمقاومة آفات الملاذّ المحرّمة فيربحون دينهم ودنياهم ومكانتهم وسمعتهم.
وإنّي وأنا على افتخاري بحركة الشبيبة الأرثوذكسيّة، أعبّر عن تقديري لعموم أعضائها على ما يبذلونه من جهد في سبيل المطمح الشريف الذي يهدفون إليه، وعن شكري العميق على خطوتهم الفعّالة للوصول إلى الهدف المنشود بتشويق النشء الجديد على حضور تلك الاجتماعات المعروفة بمدارس الأحد حيث يستمعون إلى الدروس الدينيّة والمحاضرات الأدبيّة التي تشدّهم إلى دينهم وتهذّب أدبيّاتهم وتحول بينهم وبين ضياع أوقاتهم في ما لا فائدة منه. وإنّي لأحثّكم أيّها الأبناء الأحبّاء على التوغّل في هذه الطريق الممهّدة التي تنتهي بالنشء الجديد إلى إحراز تلك المؤهّلات والمواهب، التي تجعل منهم في المستقبل رجالاً مفيدين لملّتهم وبلادهم.
إنّ التعاليم الدينيّة أيّها الأعزّاء التي تلقى على النشء الجديد في اجتماعاتهم الأحديّة لهي أسمى التعاليم وأجداها. لأنّه متى تغلغل الإيمان الصحيح في نفوسهم ومَلَك عليهم مشاعرهم جدّد في أوردتهم دمًا نقيًّا طاهرًا يرفع معنويّاتهم ويقوّي كفاحهم في سبيل حياة شريفة مطمئنّة وفي سبيل كلّ ما يعود على طائفتهم بالخير والنجاح. وإنّهم إذ يعملون عندئذٍ لطائفتهم فإنّما يعملون بباعث من ضميرهم ووازع من نفسهم لأنّ الطائفيّة الصادقة هي التي تؤدّي واجباتها عن يقين وإخلاص.
إنّ حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة التي يسيّرها روح الشباب وحماس الشباب وعزم الشباب، هي حركة مباركة لا شكّ في حسن نتائجها. وطالما أنّ عمّالها قد تكاتفوا وتساندوا، وهم لا يقولون ويعملون ارتجالاً، وإنّما يستوعبون ثمّ يفكّرون ثمّ يعملون، فليس ما يمكن أن يحول بعدئذ دون تقدّمهم وهم يمشون إلى الهدف السامي بخطوات متتابعة واثقة. وإنّ في خدماتهم للشبيبة المعرّضة للأهواء والأنواء فضلاً يُذكر لهم فيُشكر، فهم يقوّمون عودها وهو بعد غضّ رطيب فيكبر وينمو عودًا مستقيمًا لا تقوى عليه الزوابع والأرياح.
إنّ هذه الحركة التي أوليتها منذ نشأتها ثقتي ومنحتها البركة والرضى، وشجّعتها دائمًا على المضيّ في الطريق السويّ، الذي ما شككت يومًا أنّه سينتهي بالشبيبة إلى حضن الدين والأخلاق المكين، هي هي الحركة التي سأبذل كلّ اهتمامي لأجعل الملّة تستفيد في مختلف لجانها ومؤسّساتها من غيرة أعضائها ونشاطهم ومن نتاج أعمالهم المرضيّة للَّه والمحرزة البركة الكنسيّة.
وإنّنا أيّها الأبناء الأحبّاء، إذ ننظر والملّة العزيزة إلى حركتكم بارتياح وتقدير، لا نرضى بأن تقفوا حيث وصلتم ولا أن تكتفوا بما فعلتم. بل نريد منكم أن تشقّوا طرقًا جديدة وأن يتخطّى نشاطكم الأماكن التي بلغها حتّى الآن، لتعمّ حركتكم كلّ مكان وركن فيه نشء أرثوذكسيّ، فيتذوّق الأرثوذكسيّون في كلّ ناحية من نواحي لبنان وسورية وفي الخارج أيضًا حلاوة عملكم الطيّب، وهكذا تكون حركتكم قد بلغت المحجّة التي تصبو إليها.
فسيروا بحركتكم المباركة إلى الأمام، وإلى الأمام دائمًا يا أولادي، متّكلين على اللَّه وعلى روح الشباب وحماس الشباب المثقّف الواعي. وها إنّي كأب روحيّ محبّ أمدّ يدي الضعيفة إلى أيدي أبنائي المخلصين القويّة لنعمل معًا في كلّ ما يعود على الملّة الكريمة بالعزّ والنجاح وعلى حركة الشبيبة بالتقدّم والفلاح.
وإنّي لهذه المناسبة أتوجّه بعاطفة الشكر والتقدير إلى عمدة الجامعة الأميركيّة التي أفسحت لنا المجال للاجتماع وإيّاكم في قاعتها هذه الرحبة. وإنّي إذ أعمل جاهدًا لكي أهيّئ لكم في المستقبل القريب إن شاء اللَّه ناديًا خاصًّا يضمّ جموعكم في كلّ مناسبة. فلن ننسى رغم ذلك للعمدة الجديدة فضلها في تسهيل اجتماعاتنا حتّى اليوم. وإنّنا نسأل اللَّه أن يديم عليكم نعمة الصحّة والنشاط، وأن يمنحكم عونه ويشملكم دومًا بنعمه.n