2018

11. خاطرة: «الميلاد» نور ومعرفة وفرح - شفيق حيدر – العدد الثامن سنة 2018

الميلاد نور ومعرفة وفرح

شفيق حيدر

 

الكنيسة والأعياد

تعيّد الكنيسة المقدّسة في كلّ يوم لقدّيس أو أكثر، أو لحدث من الأحداث الخلاصيّة (كالبشارة والميلاد والفصح...). وتدعونا إلى التشبّه بالقدّيسين وعيش الحدث الخلاصيّ اليوم. العيد غير الذكرى.

الطروباريّة

ولكلٍّ من الأعياد ترنيمة خاصّة ترتّل في نهاية خدمة المساء وبدء خدمة السحر. وتسمّى هذه الترنيمة طروباريّة اليوم. والطروباريّة مقطع أدبيّ قصير تُذكر فيه المحاور الأساسيّة التي تركّز عليها الكنيسة فيما تقيم العيد. كما يتضمّن أيضًا التعليم اللاهوتيّ الكامن في مضامين العيد. والغاية من ذلك أن يفهم المصلّون معاني العيد ليترجموه، في راهن حياتهم، تصرّفًا وحياة. وتقول طروباريّة الميلاد موضوع تأمّلنا: «ميلادك أيّها المسيح إلهنا قد أطلع نور المعرفة في العالم، لأنّ الساجدين للكواكب به تعلّموا من الكوكب السجود لك يا شمس العدل، وأن يعرفوا أنّك من مشارق العلوّ أتيت، يا ربّ المجد لك».

النورالمعرفة - الفرح

وإذا تعمّقنا في قراءة هذه الطروباريّة نلاحظ أنّ نورًا قويًّا يسطع من كلماتها وتعابيرها. ويشعّ منها النور غير المخلوق ويغمرنا الضياء. بميلاد المسيح تناهى الليل وبيدت العتمة، دُحر الظلام، وولّت الأحزان والأوجاع، وعمّ الفرح. المسيح ولد في الجسد ولبس بشرتنا، وهكذا ألّهنا ورفعنا إلى عتبات النور، إلى باب السماء. المسيح بتنازله ردم الهوّة بينه وبين الإنسان.

ميلاد المسيح أطلع نور المعرفة في العالم، هذا ما تقوله الطروباريّة، وتقول أيضًا إنّ الطفل القابع في مذود البهائم هو شمس العدل الآتي من مشارق العلوّ، من أعلى السماوات. ألا ننشد في صلاة سحر العيد قائلين: «لقد افتقدنا مخلّصنا من العلى، من مشرق المشارق، فنحن الذين في الظلمة وظلال الموت، قد وجدنا الحقّ لأنّ الربّ قد وضعته البتول».  

حلّ عيد ميلاد المسيح محلّ عيد وثنيّ، عيد ميلاد الشمس، فدُعي وليد المغارة «شمس العدل».

وإذ يعمّدنا الميلاد بالنور الإلهيّ يفتح كياننا، لنعرف حقيقة ابن الله المتجسّد ونعي أنّنا معشر الآدميّين صار بمقدورنا، بالاستنارة والمحبّة والتوبة، أن ندنو من طبيعة الإله، أن نلبس الإله، “صار ابن الله إنسانًا ليصير الإنسان إلهًا” هكذا  يعلّمنا الآباء القدّيسون الملهمون.

إنّ الإله خالق العوالم يسود على كلّ شيء. هو بذاته، ووحده، غير مخلوق. إليه ترنو كلّ مادّة مخلوقة، وتاليًا هو، بالطبيعة، مختلف بجوهره عن الخليقة التي أبدعها.

ويحلّ بيننا اليوم المسيح شمس العدل آتيًا ليزورنا من ملكوت اللَّه، من السماء. يأتينا ليصبح أرضيًّا مع الأرضيّين، ليتّحد، بشخصه بطبيعتنا الإنسانيّة. بالميلاد التقت إذًا السماء بالأرض فها الرعاة والمجوس يشاركون الكائنات العلويّة، الملائكة، في الفرح والمسرّة. تبتهج اليوم الأرض وتفرح مع السماء. أيذوق الناس الفرح الإلهيّ إذا تعاملوا معنا؟ أيلاحظون أنّنا قوم مخلّصون محرّرون؟ أيشعرون بدفقٍ من نور الإله أم يلمسون فينا ظلمة الكآبة والتعاسة والحزن؟

كيف نعيّد للميلاد؟ نعيّد إذا فتحنا قلوبنا، بالتوبة والحبّ، لتقبّل النور النازل علينا من فوق، فنعرف بواسطته أنّ المولود ربّ وإله ومخلّص. والمخلّصون يفرحون ويذوقون المسرّة ويذيعونها. وكما أشرق علينا اللَّه نورًا، هكذا نسأله تعالى أن يمنح الاستنارة لعالمنا، وقد تلبّدت فيه الغيوم الآن، ويرشده إلى سواء السبيل ليهنأ الناس وينعموا بالطمأنينة والسلام، سلام مع الله، وسلام داخليّ في أعماق النفس، وسلام في ما بينهم...                                                   

أنهي على رجاء أن يعرف المعيّدون ميلادًا جديدًا، وأن يضيء نور المسيح للجميع فيعمّ الفرح المسكونة كلّها.n

 

© حقوق الطبع والنشر 2025 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search