مملكة الزمن
وسيم وهبة
لنا قصّتنا مع الوقت مذ بدأت الأيّام وسرى روح اللَّه فيها، لأنّ الكون بدأ في الأيّام.
وكأنّ اللَّه أراد أن يكون الوقت أساسًا في كلّ شيء وأن يصير همّنا الدائم.
سرّ الوقت عجيبٌ. في فرحنا يغدو مهرولاً وفي لحظاتنا البشعة يبطئ السير، أو هكذا نخاله. نحن نريده خادمًا لنا، كلّ واحد حسب رضاه. لكنّه ليس كذلك فالوقت نحن نخدمه.
في سعينا نحو حياتنا المرجوّة يتسلّط علينا الوقت فنعيش في الساعة متأمّلين تكّاتها التي ترعبنا. ولأنّ دائرة العمر تتلخّص بدائرة الساعة، يصيران واحدًا. العمر ساعة زمنيّة ممتدّة من أوّل أيّامنا إلى آخرها.
للوقت أبعاده الزمنيّة، يجول فيها المرء حائرًا يتخبّط بين الحنين والحقيقة والخوف... الماضي وذكرياته يثمران الخبرة وشيئًا من الحكمة تزيد مع كلّ يوم يمضي وينطوي. الحاضر مشغّل للحواسّ فيه ندرك ذاتنا، نعيش ونعمل. أمّا المستقبل فهو الارتقاب والتمنّي. وهذه الأبعاد الثلاثة تتساوى أهمّيّةً، لكنّها متعبة إن غرقنا في واحدة ونسينا ما عداها. نصبح بذلك أسرى الماضي، أو فارغين في الحاضر، أو قلقين في المستقبل!
حاول الإنسان مستخدمًا فلسفته أن يكبّل الوقت ويجعله أسير الثواني والدقائق، أن يحدّد سيره ويحبسه في أبعادٍ مرسومة. لكنّ الوقت بفلسفته غير المدركة سخر من الإنسان وآلته وما انفكّ يسري حرًّا غير مكبّل بالقيود.
هذا والوقت هو نبض الحياة الذي يتفرّد بميزة عدم الاستكانة فهو لا يتوقّف. أوراقه لا تمتلئ، حبره لا يجفّ. الوقت لا يتغيّر عبر الزمن. الوقت لا يخطئ. نحن الذين نخطئ فيه وعبره.
الوقت عند البشر مختلف الملامح عن الوقت عند اللَّه. وقتنا سخيف، آنيةٌ من الخزف للأحزان والوجع، حقل من الشوك والتعب، زوايا من الحرب والضجيج.
أمّا وقت اللَّه فلقاء عيونٍ تحبّ، مواعيد راحةٍ وفرحٍ كامل، وساحات سلامٍ وسكينة.
همومنا في الزمن تزيد لأنّ وقتنا البشريّ يهزم وقتنا الإلهيّ. هذا صراعٌ قائم في النفوس التي تلتهي في البشريّة، لكنّنا لا ندري به، وإن أحسسنا به في يقظة آنيّة، نعبر عنه ونمضي في هوادة.. الوقت عندنا يتسلّط علينا، يجرّدنا من الإنسان الذي فينا، ونحن فيه غارقون.
أمّا اللَّه فيظلّ ينادينا لندخل وقته، لنصير في زمانه الإلهيّ، ليجري فينا. يصرخ في صراع نفوسنا ليدعونا إلى موائده الطيّبة كي نذوق السماء في مملكته، مملكة الزمن التي هو أبدًا ملكها.n