2018

8. حوار: قصّة عشق وتوبة، طوني خوري - أجرت الحوار لولو صيبعة – العدد السابع سنة 2018

 

قصّة عشق وتوبة

طوني خوري

أجرت الحوار لولو صيبعة

 

أرثوذكسيّ حـركــيّ من  قلب بيروت، تعرّف إلى الكنيسة الأرثوذكسيّة وإلى الحركة في سنّ المراهقة، فتعلّق قلبه بهما ولم يعشق سواهما. تخلّق بالأخلاق الأرثوذكسيّة السامية، وسعى إلى تطبيق مبادئ حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة والتزم قضاياها، فعاش ناسكًا في العالم.

صاحب قلب محبّ وأخلاق راقية تراه في كلّ اجتماع، في كلّ لقاء، في كلّ مؤتمر، همّه أن يكون الكلّ مرتاحًا، وإذا كان المشاركون من سورية تراه يتّصل بذويهم ليطمئنهم. تراه يفرح مع الفرحين ويلملم جراح المتألّمين والحزانى.

تقلّب في مناصب عدّة من رئاسة مركز بيروت إلى الأمانة العامّة. مسيرة مباركة طويلة لا يمكن أن نختصرها في صفحات قليلة، إلاّ أنّنا نودّ أن نشارك قرّاءنا في قصّة عشق أنطوان خوري أو كما يعرفه الجميع الأخ طوني.

هل يمكنك أن تخبرنا

عن نشأتك؟

تربّيت في بيت أرثوذكسيّ حسب تقليد الزمن الماضي، أي ليس له علاقة متينة بالممارسات الكنسيّة. والدتي كانت مصلّية ومتأثّرة بالتربية اللاتينيّة. والدي مؤمن لكن لم يكن ملتزمًا ربّما لأسباب عدّة أهمّها انعدام الرعاية الكنسيّة الكافية.

درست في مدرسة الفرير في الجمّيزة لقربها من بيتنا. في عمر سبع سنوات شجّعنا الفرير على المناولة الأولى وكنت متحمّسًا وكنت أشارك مرّتين في الأسبوع في القدّاس الإلهيّ في المدرسة. وعندما فاتحت والديّ قالوا لي أنت أرثوذكسيّ، وعندما يصبح عمرك 18 سنة تختار ما تريد ولكن أنت أرثوذكسيّ. تصادمت معهما لأنّي كنت مصرًّا على المناولة الأولى أسوة برفاقي، ولكن من دون فائدة. كنّا نذهب جميعًا إلى كاتدرائية القدّيس جاورجيوس في بيروت مرّتين أو ثلاث مرّات في الأعياد للمناولة. كنّا نذهب صباحًا عند الساعة السابعة نقف نحو خمسين أو ستّين شخصًا يصلّي الكاهن على رأسنا ونتناول، كان هذا يوم الخميس العظيم. وفي عيد الميلاد يتكّرر المشهد ذاته. جدّتي لأمّي كانت يونانيّة وكنّا نصوم معها صوم والدة الإله ونتناول القربان المقدّس. وأتذكّر في ذلك الوقت كان الكهنة يتناوبون على الكنائس.

وأكملت دراستي في مدرسة الفرير، وعملت لمدّة زمنيّة قصيرة مساعدًا في التعليم الدينيّ الغربيّ يوم كنت في آخر سنتين من المرحلة التكميليّة في الفرير وفي مدرسة الروم الكاثوليك في أتشيناك. ولم أكن أذهب إلى القدّاس الإلهيّ في الكنيسة الأرثوذكسيّة.

كيف تعرّفت إلى حركة

الشبيبة الأرثوذكسيّة؟

في السنة الأولى من المرحلة الثانويّة كان رفيقي على مقعد الدراسة نهاد عطيّة يسكن بالقرب من منزلنا، فدعاني في أحد الأيّام لنذهب ونشارك في اجتماع تعقده حركة الشبية الأرثوذكسيّة. لم أكن قد سمعت من قبل باسم الحركة، رغم أنّ المرحوم الدكتور ميشال خوري من أقاربي إلاّ أنّه لم يكلّمني قطّ عنها. وذهبنا مجموعة من الشباب إلى بيت الحركة وكان قائمًا في ذلك الزمن قرب مدرسة زهرة الإحسان. وفي العام 1964 كان هناك لقاء عامّ وكانت هذه المرّة الأولى التي أحضر فيها صلاة غروب في حياتي وكنت عندها في السادسة عشرة من عمري ولفت نظري نديم طرزي لأنّ أصدقائي دلّوني عليه وقالوا إنّه كان يدرس في الفرير وترك المدرسة في آخر سنة دراسيّة لأنّه تواجه مع أحد الفريرات حول هرطقة الأرثوذكس، وفي نصف العام الدراسيّ طُرد من المدرسة ولم يقبل أن يعتذر.

المهمّ أنّنا كنا شبابًا وصبايا في جو عائليّ يغمره الفرح والنعمة الإلهيّة، وطُلب منّا في ذلك اليوم أن نبقى على تواصل. وعندما عدت إلى البيت وافق أهلي على مواصلة نشاطي في الحركة. أوّل شخص اهتمّ بالفرقة هو سليم إسعيد وهو تلميذ فرير سابقًا ومهندس. وفي الحركة شعرنا أيضًا بجوّ عائليّ خلال الاجتماع. وبعد أوّل اجتماع قال لي سليم لماذا لا نذهب إلى الكنيسة الأحد فوافقت وذهبنا إلى كنيسة سيّدة البشارة في حيّ الفرنيني. وأصبحنا كلّ أحد نتوجّه إلى سيّدة البشارة، ولكن كنت أنزعج بسبب اللغة العربيّة وأنا ضليع بالفرنسيّة والرياضيّات، وكان سليم يوضح لي ويشرح. وعندما كان سليم يقترب من المناولة كان الخوري يمتنع عن مناولته قائلاً له إنّه لا يحقّ له أن يتناول بشكل دائم. للوهلة الأولى استغربت الأمر ففي المدرسة كان الجميع يتناول.

كان الحركيّون يأتون إلى سيدّة البشارة لأنّ معظمهم كان من طلاّب الجامعة اليسوعيّة، وكانوا في العام 1942 يجتمعون في البيوت، وأقرب بيت كان منزل أهل ميشال خوري، فضلاً عن أنّ البشارة كانت وسط البلد، وأكبر كنيسة بعد كاتدرائيّة القدّيس جاورجيوس. كما كانت جوقة الحركة ترتّل في البشارة وكانت كبيرة وأذكر منها إيلي خوري وغابي فوّاز وسيمون خوري وفؤاد قربان وغيرهم.

وشيئًا فشيئًا صرت أتعرّف أكثر فأكثر إلى الليتورجيا الأرثوذكسيّة وكنّا نجتمع كلّ سبت ونشارك في صلاة الغروب فتأثّرت كثيرًا. سيمون خوري كان في كلّ مرّة يطلب من فرقة تحضير الصلاة وكان سامي نحّاس يساعدنا وكذلك نهاد طرزي ونديم طرزي ومود نحّاس. سليم كان يزور الكلّ في منازلهم وهكذا تعرّف إليه أهلي.

في رأس بيروت والمصيطبة كان هناك بيتان للحركة نشيطان جدًّا. وثاني اجتماع عامّ عُقد في كنيسة النبيّ إلياس المصيطبة، وفي ذلك اليوم قال لي سليم إذا أردت أن تعترف فالأب جورج خوري (برمّانا) هنا. وكان ذلك أوّل اعتراف بحياتي. وعلمت بعد ذلك أنّه في كلّ لقاء عامّ كان هناك كاهن يستمع إلى الاعترافات وكان الجميع يعترفون. أذكر جيّدًا أنّني دخلت غرفة منعزلة فيها شمعة مضاءة وأيقونة وركعت يومها أمام الكاهن وبحت له بمكنونات نفسي.

بالنسبة إليّ كان مطران بيروت للموارنة إغناطيوس زيادة هو الوحيد الذي أعرفه، وعندما شاهدت المطران إيليّا الصليبيّ أوّل مرّة في عيد بشارة والدة الإله اجتاحني فرح كبير.

في شهر شباط جاء ليڤ جيلله إلى لبنان وحضرنا اجتماعًا شبه عامّ حوله لأنّه كان يأتي في الصوم الكبير. التقينا في بيت الحركة ولا أنسى ما قاله حول المدخل إلى الصوم، وأثّر ذلك فيّ كثيرًا وكان سهلاً عليّ لأنّه كان باللغة الفرنسيّة، وكنت أفهم أفضل وكان واضحًا جدًّا يشرح ويجيب عن الأسئلة. وقتها فهمت منه معنى الصوم وقرّرت أن أصوم، إذ من قبل لم أكن أصوم إلاّ صوم السيّدة. واضطرّ أهلي إلى أن يحضّروا لي طعامًا خاصًّا بالصوم، وكانت المربّية تعدّ الطعام لي ولها. خلال الصوم قرّرنا أن نقوم بخلوة في دير القدّيس جاورجيوس في دير الحرف لأوّل مرة وكان ذلك في ربيع العام 1965. دخلنا أوّلاً الكنيسة وصلّينا ثمّ نمنا على الأرض في القاعة. في اليوم التالي شاهدت رجلاً ينظّف الحمّام وعرفت أنّه رئيس الدير أبونا إلياس. وكان عمّي أخبرني قبل أيّام أنّه يعرف رئيس الدير لأنّ الإدارات اللبنانيّة والسوريّة كانت مشتركة وكان أبونا إلياس شخصًا مميّزًا ومهمًّا في الإدراة السوريّة. كنت أنتظر أن أرى شخصًا «غير شكل» وصُدمت. ولهذا شمّرت عن ساعديّ مع رفاقي ونظّفنا الدير وعملنا في المطبخ وخدمنا على المائدة. أمّا الصلوات والاعتراف عند أبونا إلياس وقدّاس البروجيازميني فكانت محطّات مهمّة جدًّا في حياتي.

في تلك الفترة قرّرت أن أترك التعليم الدينيّ الغربيّ في أتشيناك. وقتها تعرّفت إلى الأب جورج (خضر) في عيد الحركة العام 1965 في طرابلس وترك في نفسي أثرًا كبيرًا نظرًا إلى جدّيّته. ولكن لم أفهم حديثه إلاّ بعد أربع سنوات واكتشفت المحبّة الكبيرة عند المطران جورج. والشخص الثاني الذي أثّر فيّ أيضًا كان الطبيب مارسيل بندلي.

بيت الحركة كان مزوّدًا بمكتبة وبدأت أقرأ وكان الجميع يحضر معه أخوته وأخواته وكانت هناك طاولة بينغبونغ. ولكن عندما قرّرت الفرقة أن تقيم حفلة راقصة كانت أوّل مواجهة مع ريمون رزق وكنت حينها في السنة الثانويّة الثانية. فقد أردنا أن تكون الحفلة في بيت الحركة لأنّ البيوت كانت صغيرة. لم نحظ بموافقة سليم وعرض علينا أن نسأل ريمون رزق رئيس المركز الذي رفض رفضًا قاطعًا. بعد هذه المواجهة فهمت من ريمون رزق معنى الحركة والتكريس والالتزام وكان هذا درسًا لي. ولا أخفي أنّ طباعي في ذلك الوقت كانت حادّة وقرّرت أن أترك الحركة وجاوبت ريمون جوابًا قاسيًا. وعندما هدأت، أدركت أنّ ريمون كان على حقّ.

في تلك المرحلة ماذا كان يعني لك الالتزام الحزبيّ؟ وهل انتميت إلى حزب ما؟

عندما انخرطت في الحركة كنت ميّالًا إلى التحزّبات المسيحيّة من دون أن أكون منتميًا إلى أيّ حزب، عصبيًّا حادّ المزاج، أخشى الإسلام والمسلمين. وبسبب المطران جورج والأب إلياس )مرقص( فهمت ما معنى التوبة وكيف يجب على المسيحيّ أن يعترف بوجود الآخر ويقبل به ويحاوره ويسيطر على أعصابه.

ما هو تأثير الحركة عليك؟

خلال جلساتي مع أبونا إلياس غدوت أحبّ التعرّف إلى النتاج الفنّيّ والفكريّ الشرقيّ والعربيّ. قبل المطران جورج لم أهتمّ بالفنّ قطّ، لكنّي أصبحت أتذوّق الفنّ، بخاصّة عندما كان المطران جورج وريمون رزق يشرحان عن جمال الأيقونة. لم تقتصر الاجتماعات على التعليم بل كانت تسعى إلى تغيير الإنسان بالعمق، وتفتح لنا آفاقًا كثيرة بخاصّة مع سامي نحّاس مسؤول المكتبة الذي أمضى معنا أوقاتًا كثيرة يشرح لنا عن أهمّيّة الكتاب والمطالعة في حياتنا. كنت ما أزال في المرحلة الثانويّة حين انخرطت في فوج مار متر. صرت أزور أهل الأولاد في منازلهم وكم كانت الصدمة كبيرة لأنّ الأطفال كانوا يعيشون في حوش مار متر الذي كان يقع مكان الأوتستراد اليوم، وكانوا يعيشون فقرًا ما عرفته من قبل، حتّى إنّهم كانوا يلعبون ويلهون بين المقابر. وبعض المنازل كانت تتألّف من غرفة صغيرة يعيش فيها سبعة وحتّى ثمانية أشخاص. قرّرت الاهتمام بهؤلاء الأطفال، وكانت تساعدني سميرة خوري وأمل غرزوزي، وكان عدد الأولاد يصل إلى 250. وكنّا بعد الطفولة نذهب إلى كنيسة القدّيس ديمتريوس أو إلى سيّدة البشارة للاحتفال بالقدّاس الإلهيّ. كثر النقاش حول المناولة المتواترة، وبعد أن قبل المطران أن يتناول المؤمنون كلّ أحد، صرنا نأخذ الأطفال إلى سيّدة البشارة ولم نكن نسمح لهم بتناول الفطور، للكبار منهم، قبل المناولة. المخيّمات كانت في أرض دير الحرف، وكنّا نتناول كلّ أحد ونعترف عندما نلتقي الآباء والكهنة الحركيّين.

كيف تعرّفت إلى ألبير لحّام؟ وكيف توطّدت علاقتك به؟

كنّا في لقاء عامّ نحتفل بعيد الحركة الخامس والعشرين، وأخبرنا سليم عن أهمّيّة ألبير لحّام، وعن عمله مع البطريرك ثيوذوسيوس أبو رجيلي مطران طرابلس خلال انتخاب مطران حمص. ألبير تعرّفت إليه بين 1971 و1972 حين احتدم الخلاف على انتخاب رئيس مركز بيروت بين جورج ناصيف ونديم طرزي. والأمانة العامّة هي التي فضّت الإشكال وعيّنت ألبير لحّام رئيسًا، فأدخلني إلى مجلس المركز مسؤولاً عن الطفولة والطلاّب وكنت أتنقّل مع ميشال كرياكوس، الذي كان وقتها أستاذي في الجامعة ومرشدي في الحركة، من برج حمّود إلى القصيبة.

كان مركز بيروت يضمّ بيروت وفروع الجبل، وكنت أقود ألبير لحّام إلى بتغرين وعين دارة والقرى الجبليّة وتعلّمت منه الكثير الكثير. على الطريق كان يفسّر لي الكتاب المقدّس. وعندما كان يجتمع ألبير لحّام ونديم طرزي في إحدى كنائس الجبل، كانت تغصّ هذه بالمؤمنين بسبب أسلوبهم التعليميّ وحوارهم المنفتح مع الحاضرين. ونحن من أدرجنا أحاديث الصوم بخاصّة في كنيسة سيّدة البشارة.

فـي العـام 1967 دخـلت فـرع الهندسة في جامعة القدّيس يوسف في بيروت، والتقيت فيها بفرقة حركيّة من أعضائها ميشال كرياكوس (أستاذي آنذاك)، المطران أفرام لاحقًا، ورضا منصور وميشال عقل. في تلك الفترة توجّه إلى رومانيا لدراسة اللاهوت كلّ من نديم طرزي وجورج عطيّة وسمير غلام. وكان همّ الأعضاء دعمهم لإكمال دراستهم. غسّان معلوف كان نشيطًا جدًّا في الجامعة وهذا ساعدني على الانفتاح، وصرنا ننظّم محاضرات في المنتديات الفكريّة والجامعات حول القضيّة الفلسطينيّة وحول العنف والفقر. ففي العام 1969 تحدّث الإمام موسى الصدر عن التعايش الإسلاميّ المسيحيّ في الندوة اللبنانيّة، وموريس الجميّل ألقى محاضرة حول الإنماء على ضوء إيمانيّ ومكسيم رودنسون، الفيلسوف الفرنسيّ اليهوديّ الأصل، حول القضيّة الفلسطينيّة. وكانت هذه من المحطّات الحاسمة في حياتي.

ماذا تخبرنا عن المحاضرات والمؤتمرات التي دعت إليها الحركة؟

كلّ سنة كنّا ننظّم حلقة للثانويّين والجامعيّين، وكانت هذه مناسبة للقاء بين اللبنانيّين والسوريّين. في هذه المؤتمرات دور المطران جورج كان الأساس. يعود الفضل إلى غسّان معلوف في إقامة علاقات مع حركات شبابيّة أوروبّيّة كانوا يأتون إلى لبنان ونقيم معهم مخيّمات عمل حول السلام والعنف، ومن النشاطات التي أقمناها تنظيف دير القدّيس ديمتريوس في كوسبا. وفي مطلع السبعينات أصبح ألبير لحّام رئيس سندسموس أي الرابطة العالميّة لحركات الشبيبة الأرثوذكسيّة وخلفه الأخ جورج نحّاس وتقوّت العلاقة مع الحركات الأرثوذكسيّة العالميّة.

ما هو دور الحركة خلال الحرب اللبنانيّة؟

في مرحلة الحرب اختلفت نوعيّة النشاطات، إذ ترك العديد من الناس بيروت خوفًا من القصف. وتحوّل عملنا نحو الخدمة الاجتماعيّة، والمستوصف في الأشرفيّة أدّى دورًا كبيرًا ومن أبرز الوجوه في تلك الحقبة أورور قهوجي وسميرة طبّال وسامية يازجي وأوديت المرّ.

على الأرض كان العمل مع الأب إلياس )ناصيف( ومود نحّاس وعدد من الشباب والصبايا لتأسيس فرق في الجبل. واجهنا مشاكل كثيرة لكنّ اللَّه كان معنا. كنّا نجمع الطفولة بالمئات وكانت الأحزاب تمنعنا لكنّنا لم نتوقّف. ومع مطلع الثمانينات بدأت فكرة التكريس تتأصّل عند هؤلاء الأخوة.

أصبحت رئيس مركز بيروت في العام 1984 وكان العمل في الجبل ينمو بسرعة. أمّا انفصال الجبل عن بيروت فتمّ في العام 1991 حين كنت أمينًا عامًّا.

هل فكّرت في يوم من الأيّام أن تتابع خدمتك عبر التكريس؟

لم أستطع أن أتصوّر الطاعة بالمعنى الذي يعرفه المطارنة، كما أنّ صوتي غير مقبول ولغتي العربيّة كانت تعيسة.

من هم الأشخاص الذين تأثّرت بهم أكثر من غيرهم؟

-    أبونا إلياس )مرقص( هو الذي علّمني التوبة ومعناها وكيف أنّ الإنسان يتغيّر جذريًّا، من ناحية الأمور الأساسيّة في الحياة الروحيّة الشخصيّة. وتعلّمت أيضًا أنّ المسؤوليّة هي في الخدمة وليس في الرئاسة.

-    الأب ليڤ )جيلله( أثّر فيّ بالجدّيّة بالأسلوب وكيف يعيش الإنسان بالمسيح.

-    مع ألبير لحّام أدركت أنّ الشاب هو الوحيد الذي يستطيع أن يتواصل مع الشباب، والدور الأساس هو للشباب في الحركة. وأنّ المشاكل يجب أن تتابع حتّى يسمح لنا الربّ بحلّها، ويجب أن نفتّش دائمًا عن الحلول.

-    من المطران بولس )بندلي( تعلّمت التفاني الكبير والفقر الطوعيّ.

-    من المطران جورج تعلّمت العطاء غير المحدود، والمحبّة الكبيرة. أودّ أن أذكر هذه الحادثة المعبّرة. كان المطران جورج في عرس في كنيسة القدّيس نيقولاوس في الأشرفيّة في أوّل سنة من أسقفيّته ومعه الشمّاس بطرس )ميدروس(. وبعد الانتهاء من الإكليل توجّهنا نحو بيت الحركة، فرآنا رجل فقير وأتى يستجدي من المطران بعد أن أخبره قصّته فأعطاه سيّدنا المغلّف الذي استلمه من العريس وفيه 500 ليرة في تلك الأيّام.

وكان المطران جورج يوصينا على الدوام بأن نحبّ يسوع، فهو الذي قال من «أحبّني حفظ كلامي» وهذا أهمّ شيء في حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة.

وتعلّمت الكثير من الذين هم أكبر منّي سنًّا ومن هم أصغر منّي، ولا يسعني أن أذكرهم جميعا هنا.

أحبّ أن أختم قصّتي بالقول إنّ ربّنا سمح لنا بأن نعيش مع قدّيسين لم يعملوا حسابًا إلاّ لمحبّتهم للربّ ولكنيسته ولأخوة يسوع الصغار. n

 

© حقوق الطبع والنشر 2025 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search