الأب جورج نبراس العدالة
وليد عكر[1]
في طريقي إلى عاليه للمشاركة في مأتمك، لم أكن أصدّق أنّك لن تستقبلني في منزلك وحولك ماغي وبناتك الحبيبات. لم أكن أصدّق أنّك لن تعود أبدًا وأنّ صوتك لن يصدح في الكنيسة كلّ أحد وفي الأعياد، وبخاصّة يوم الشعانين والفصح المجيد. لقد أبكيت قلوبنا قبل عيوننا.
منذ لقائنا الأوّل في البلمند حيث كانت مكاتب عملنا متجاورة، نشأت بيننا علاقة وطيدة، ومنذ اللحظات الأولى دارت بيننا النقاشات والحوارات في مواضيع الإنسان والمجتمع. كان ذلك أواخر العام 1999. ولم يتغيّر الكثير في لقائنا الأخير خلال فترة الأمل بتعافيك من مرضك، عندما قمت بزيارتك في منزلك أواخر العام 2017.
لقد كنت يا أبونا جورج مثالاً للصبر والجلد والإرادة النادرة، كيف لا وأنت الرجل المؤمن والمتسامح، رجل الدين الرافض طغيان الخرافات الوثنيّة والأوهام المتحجّرة.
لن تكون البلمند كما نعرفها من دونك، يا رمز البلمند المضيء ومنارة المناقب والقدوة الصالحة.
قد يختلف أحدنا مع أبونا مسّوح، إنّما يتّفق الجميع على أنّه كان مترفّعًا في كلّ تعاطيه عن الأنانيّة البغيضة، مؤمنًا بصدق، لا يعرف الزيف، ويقف سدًّا منيعًا في مواجهة الكذب والنفاق والانتهازيّة والوصوليّة.
كنت أشعر معه بارتياح كبير وبثقة كبرى. كيف لا وهو يحاورك ولا يجادلك، يبدي لك الرأي ولا يحاول أن يفرض أمرًا من قناعته.
برحيلك يا أبونا جورج أشعر أنّ قسمًا من تاريخي رحل معك، لكن أعود محدّثًا نفسي أنّ أمثالك لا يرحلون.
لا أعتقد أنّ مرض الجسد وحده هو الذي أنهك أبونا جورج. لا شكّ في أنّ أمراض مجتمعنا المتجسّدة بالطائفيّة والعشائريّة فعلت فعلها، وأنت الناقد المحبّ الذي رفض التعميم والأحكام الغوغائيّة، والساعي دومًا إلى مساعدة الجيل الجديد على الخروج من التخلّف الفكريّ والاجتماعيّ، والانتقال من تسلّط الجهل إلى سلطة العقل، روحًا وفكرًا وقلمًا ونفسًا.
ستبقى مقالاتك وكتاباتك وحواراتك التلفزيونيّة والإذاعيّة منارة للأجيال ولأولادك وأولادي وأولاد مجتمعنا، كما ستبقى في ذاكرتنا نبراسًا للعدالة والإنسانيّة.
[1] - أستاذ محاضر في الجامعة الأميركيّة للعلوم والتكنولوجيا (AUST) بيروت.