2018

7. إسبيرو (جبّور) عاشق أنطاكية - إعداد مجلّة النور – العدد الثالث سنة 2018

 

الشمّاس إسبيرو جبور

عاشق أنطاكية

إعداد مجلة النور

 

 

رقد على رجاء القيامة الشّماس إسبيرو (جبّور) في المستشفى يوم الثلاثاء الواقع فيه 26/3/2018.

أقيمت مراسم الجنّاز في الثامن والعشرين من شهر آذار، في دير القدّيس جاورجيوس، دير الحرف، برئاسة سيادة المعتمد البطريركيّ المتروبوليت أفرام (كرياكوس)، وعاونه السادة المطران أنطونيوس (الصوريّ)، والأسقف أثناسيوس (فهد) والأسقف ثيوذور (الغندور)، بحضور عدد من الكهنة والشمامسة والرهبان والأصدقاء.

وألقى سيادة المتروبوليت أفرام عظة أشاد فيها بمزايا الراحل وممّا جاء فيها: «الشمّاس إسبيرو آية فريدة من نوعها، لاهوتيّ كبير، يعرف الكتاب المقدّس، وتاريخ العقائد باليوم والشهر والسنة والاسم، بالمكان والزمان. عشق كنيسة أنطاكية،  وارتاح إلى هذا الدير العريق وإلى صلوات الرهبان وركعاتهم. هذا أعطاه تواضعًا سحيقًا وفقرًا وبساطة عيش. موسوعة نقّالة، وفي الوقت عينه عاش غريبًا على الأرض على مثال سيّده ولم يعرف طعم الرفاهيّة... ما يعزّي قلوبنا أنّ الشمّاس إسبيرو وغيره من القامات الروحيّة، يتركون كنوزًا وافرة من كتاباتهم ومواعظهم وفكرهم...».

فمن هو الشمّاس إسبيرو (جبور) هذا الفقير إلى المسيح وهذا المعلّم الواعظ الذي يتغذّى من الكلمة الإلهيّة؟ 

 ولد إسبيرو جرجي (جبّور) في المزيرعة ـ اللاذقيّة صباح الثلاثاء 12 كانون الثاني 1923، أسمته والدته عزيزة الخوري إسبيرو لوقوع ولادته يوم عيد القدّيس إسبيريدون العجائبيّ. درس في مدرسة المزيرعة الرسميّة حتّى العام 1935.

 استوطن اللاذقيّة في 27 أيلول 1935، ودخل مدرسة الفرير. حصل على البكالوريا السوريّة الأولى العام 1942. انتقل إلى طرطوس والتحق بالمدرسة الفرنسيّة وحصل على البكالوريا القسم الثاني. أتى دمشق وانتمى إلى كلّيّة الحقوق 1943،كما انتسب إلى حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة العام 1942. تصدّى للحركات البروتستانتيّة واللاتينيّة بين 1944 و1946 في اللاذقيّة. مارس المحاماة لأوّل مرّة في 2/ 10/1947. سافر إلى باريس لدراسة اللاهوت العام 1956، فلم يجد ضالّته في معهد القدّيس سرجيوس اللاهوتيّ، وتوغّل بمفرده في الدراسات الكتابيّة والآبائيّة، وترك باريس العام 1961.

 رُسم شمّاسًا في دير القدّيس جاورجيوس ـ الحميراء في 3 ـ 11 ـ 1972، على يد المثلّثي الرحمة المطران إلياس (قربان) والمطران إلياس (يوسف) وبحضور المطران أليكسي (عبد الكريم). التحق كشمّاس في البطريركيّة حتّى شباط 1973، وكان كاتبًا في المحكمة الروحيّة. التحق بالبلمند أيّام المطران يوحنّا (منصور). ثمّ عمل في مطرانيّة جبل لبنان في محكمتها الروحيّة مدّة سنتين.

 ذهب إلى دير الحرف وكان آنذاك برئاسة المغبوط الأرشمندريت جورج (شلهوب)، وبقي فيه من خريف 1974 وحتّى 16 تشرين الثاني 1975. رافق البطريرك ثيوذسيوس السادس (أبو رجيلي) وجاهد باذلاً نفسه في خدمة الكنيسة الأنطاكيّة المقدّسة... نُفي أكثر من عشرين مرّة من سورية وسجن أكثر من سبع مرّات. وهذا كلّه لم يثنه عن قول الحقّ والدفاع عن كنيسته... برز في أيّام بطريركيّة المثلّث الرحمة البطريرك إلياس (معوّض)، وخاض معه الانتخابات لملء الكراسي الشاغرة.

ذهب إلى حمص وبقي فيها فترة طويلة في كنف المثلّث الرحمة المطران أليكسي (عبد الكريم) وبقي حتّى 1995 تقريبًا وله فيها تلاميذ كثر، وفيها أنتج معظم نتاجه اللاهوتيّ والكنسيّ. ثمّ عاد إلى دير الحرف ونسك مع رفيق دربه الأرشمندريت المغبوط إلياس (مرقص)(١). ثمّ لظرف خاصّ انتقل إلى دير بكفتين مدّة سنتين العام ٢٠٠٥ برعاية المثلّث الرحمة المطران إلياس (قربان). ثمّ عاد إلى دير القدّيس جاورجيوس دير الحرف إلى يوم رقاده.

ترك مؤلّفات عديدة منها ومن أهمّها: الاعتراف والتحليل النفسيّ، وستعرفون الحقّ والحقّ يحرّركم، يوحنّا 8: 32، سرّ التدبير الإلهيّ: التجسّد، يهوه أم يسوع، سيرة القدّيس إسبيريدون العجائبيّ، أسقف تريميثوس وخدمته، الإنجيل بحسب يوحنّا، الدعاء باسم يسوع، نصف إنسان: قصّة، يا يسوعاه، الاعتراف الرهبانيّ، المزيّفون، قرد أم إنسان، قدّيسون من حمص، طريق النسّاك، قلق وجودي، التجلّيات في دستور الإيمان، اللَّه في اللاهوت المسيحيّ، المرأة في نظر الكنيسة، دمشق ولاهوت الأيقونة، فادي وذيسبينا، هرطقات معاصرة، ضلالات شهود يهوه والسبتيّين، المغالطات اللاهوتيّة لدى شهود يهوه، في التوبة، أنطاكية صنعت اللاهوت الأرثوذكسيّ والكاثوليكيّ، الشعب ينتخب أساقفته، كنائس الشرق الأوسط، شرح صلاة الأبانا، شهود يهوه معلّمون كذبة، سمعان العموديّ والقدّيسيون العموديّون، سيرة القدّيس جاورجيوس، الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز ويوحنّا الدمشقيّ، القدّيس مارون الناسك.

وغيرها الكثير من المقالات والدراسات والكرّاسات والأبحاث بعضها منشور وبعضها مسجّل.

يتقن العربيّة والفرنسيّة والإنكليزيّة واليونانيّة القديمة ونقل منها إنجيل متّى ويوحنّا. ولكنّ ضعف نظره أثناه عن تكملة العمل على بقيّة العهد الجديد. وبرقاده اليوم تطوي الكنيسة الأنطاكيّة صفحة بيضاء ناصعة أغنت الفكر اللاهوتيّ الأكاديميّ، على مدى نصف قرن من التعب والجهاد وبذل الذات والفقر الاختياريّ، والعفّة والتواضع والمحبّة والصلاة المستمرّة بشخص الشمّاس إسبيرو (جبّور).

في ما يلي حوار أجراه الشمّاس نكتاريوس (إبراهيم) والأخ طوني عبده العام 2006، بطلب من الأرشمندريت أنطونيوس (الصوريّ) المتروبوليت حاليًّا. لم يُنشر من قبل، وتنفرد مجلّة النور بنقله إلى القرّاء ليتعّرفوا إلى هذه القامة الروحيّة والعلميّة في آن.

س 1: كيف كان وضع الكنيسة في الكرسيّ الأنطاكيّ قبيل نشوء حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة؟

حطّم العهد العثمانيّ الكنيسة الأرثوذكسيّة أيّما تحطيم. في تركيّا أَسْلَم بعض الأرثوذكس جورًا وبسبب الاضطهاد. أمّا الكرسيّ الأنطاكيّ الأشمّ، فبقي صامدًا. إلاّ أنّ المرسَلين الغربيّين شقّوا الكرسيّ الأنطاكيّ بسبب ظروف الأمبراطوريّة العثمانيّة «المريضة» وبداعي الفقر. فاشتروا من اشتروا. وحلّ الانتداب الفرنسيّ محلّ العثمانيّين، فهجّر هو والانتداب الإنكليزيّ الأرثوذكس والسريان والأرمن وسواهم. الانتداب الفرنسيّ صنع دويلةً على الساحل السوريّ فجعلها دائرة انتخابيّة واحدة، فانشقّ الأرثوذكس آنذاك، بينما كانوا يؤلِّفون أكثريّة بين المسيحيّين في سورية ولبنان. ثمّ أخضعت فرنسا مطران اللاذقيّة أرسانيوس، فوعدته بتأييده إنْ رشَّح نفسه للبطريركيّة. ولكنّها دعمت ألكسندروس مطران طرابلس الذي لم يحصل إلاّ على ثلاثة أصوات مقابل ثمانية أصوات. تقول القوانين المسكونيّة إنّ الأكثريّة المجمعيّة هي التي تنتخب البطريرك. فانشقّ الكرسيّ الأنطاكيّ إلى فئتين. ثمّ كانت أزمة حمص المعقّدة، فحلّ أرسانيوس في اللاذقيّة مطرانًا لفئة ضدّ الفئة التي تمالس المطران تريفون غريِّب.

زادت فرنسا على الانقسام السياسيّ انقسامًا دينيًّا وخَلَتِ الساحة من الكهنة. وفي اللاذقيّة انقلب حماس الأرثوذكس إلى حماس فئويّ. وهكذا تراجعت أحوال الأرثوذكس كثيرًا.

س 2: كيف انتسبت إلى حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة، وما كان دورك في مسيرتها؟

في الخامس عشر من تمّوز ١٩٤١، كتب مارسيل مرقص، الأرشمندريت إلياس (مرقص) لاحقًا، رئيس دير الحرف، رسالة إلى صديقه المرحوم جبرائيل سعادة يعرض فيها عليه مشروع نهضة أرثوذكسيّة.

لمّا تأسَّست الحركة في بيروت، كان جبرائيل سعادة أحد المؤسّسين. وحين أتى إلى اللاذقيّة لحضور الفصح، أعلم مارسيل بالأمر. فاجتمع خمسة هم: مارسيل مرقص، جبرائيل سعادة، جبّور عطاللَّه، جورج صالح وتوفيق زائد، ثمّ أخذوا يدعون الناس إلى الانضمام إلى حركة النهضة.

كان جورج صالح زميلي في مدرسة الفرير، وكانوا في صفّ البكالوريا الأولى. ولمـّا دعاني، لبَّيْتُ الدعوة فورًا.

كانت الجلسة الثانية في ١٠ أيّار ١٩٤٤، فجَمَعَتْ نخبة من الطلاب.

انقسمنا إلى فرق حركيّة. فصار يوجد مركز يترأّسه إلياس (مرقص)، وكنَّا نعقد اجتماعات عامّة شهريّة. كنّا، أيضًا، نلقي الخطابات ونقيم العيد السنويّ لتأسيس الحركة. منذ البدء كنت عضوًا نشيطًا في الحركة لأنَّني كنت متضلِّعًا بالعهد الجديد والصلوات. بصراحة مطلقة، إن صرت شمَّاسًا لدى البطريرك إلياس الرابع (معوّض) في ٣-١١-١٩٧٢، فلأنَّ نضالي الحركيّ أدّى بي إلى ذلك. فمَيْلِي الأساس، منذ البدء، هو ميل رهبانيّ. لذلك سرنا في التيّار الرهبانيّ منذ مطلع العام ١٩٤٦. إلاّ أنّ التطوّرات في الكرسيّ الأنطاكيّ كانت لا تشجِّع لا على الرهبنة ولا على الإكليريكيَّة. لهذا، صرت محاميًا في ٢-١٠-١٩٤٧، ومارست المحاماة باستقامة وصدقٍ في بلد صغير جدًّا. هذا يعني أنَّ الكسب المادِّيّ كان محدودًا، لأنّ مهنة المحاماة مهنة (زعبرة). صبرتُ صبر أيّوب في العمل. مع الوقت، ترسَّخَت الحركة ترسُّخًا كبيرًا في اللاذقيّة، فدرَّبنا الشباب على مطالعة الكتاب المقدّس والصلوات والخشوع والتقوى.

س3: ما كان دور الحركة خلال الأزمات التي مرّ بها الكرسيّ الأنطاكيّ في القرن المنصرم؟

في العام ١٩٦٢، تعرّض الكرسيّ الأنطاكيّ لهزّة قويّة جدًّا. فانبرى للمعركة إلى جانب البطريرك ثيوذوسيوس (أبو رجيلي) أربعة رجال هم: المرحوم جورج نقولا خوري الدمشقيّ، والمرحوم موريس مخايل حدّاد اللاذقيّ، ألبير لحّام البيروتيّ، وإسبيرو جبّور اللاذقيّ. وأسلم البطريرك أمره إليهم.

وكان المطران إلياس (معوَّض) مرتبطًا بصداقة متينة بثلاثة منهم، ثمّ صار موريس نفسه صديقًا كبيرًا لهم جميعًا. كان الكرسيّ الأنطاكيّ آنذاك يمرُّ في مرحلة اختناق ولامبالاة، وكانت الكنيسة في اللاذقيّة مرهقة حركيًّا، سياسيًّا وطائفيًّا. إلاّ أنَّ اللَّه وفّقنا في استنفار أرثوذكس اللاذقيّة، فسارت نساء وبنات وراءنا كجيش. رُشِّح الأسقف إغناطيوس (هزيم) والأب جورج (خضر) والأب كوستا لمطرنة اللاذقيّة، وذلك في ٩-٥-١٩٦٠. كان هذا الأمر نصرًا لخطّ النهضة في الكنيسة، وكان لهذا النصر دويّ كبير في الكرسيّ الأنطاكيّ، فاستيقظ من الموت إلى النضال الكبير ضدّ محاولات السياسة الدوليّة في التدخّل في شأننا الأنطاكيّ. لكن، تعذّر الانتخاب، فانسحب البطريرك ثيوذوسيوس إلى دير النبيّ إلياس البطريركيّ شويّا في ضهور الشوير في لبنان، فدعمه الرئيس شارل حلو. أخيرًا نجحنا في انتخاب هزيم على اللاذقيّة.

ثمّ قضت مصلحة الكنيسة بمعارضة البطريرك ألكسندروس (طحّان) والمطران أبيفانيوس (زائد)، وقد عارضناهما بعد صداقة. وعارضنا انتخاب المطران باسيليوس (سماحة) لطرابلس وسواها رغم الأكثريّة المجمعيّة التي كان يتمتّع بها. وعندما اشتدّ الصراع بين البطريرك ثيوذوسيوس وباسيليوس (سماحة) في السنة ١٩٦٢، انبرى الأربعة الآنف ذكرهم إلى مساندة البطريرك والمطران إلياس (معوّض). وفي اللاذقيّة انتمى مطرانها جبرائيل (دميان) إلى فريق باسيليوس (سماحة) فعارضناه بقوّة معارضة جمعت تسعين بالمئة من الشعب إلى جانبنا. وفي انتخابات المطارنة في العام ١٩٦٩، كان للحركة دور قاطع في مساندة البطريرك والمطران معوّض. وكان لدلال حدّاد زوجة الدكتور جوزيف صايغ، وهي حركيّة قديمة، مع زوجها دور مهمّ بين ١٩٧1 إلى ١٩٧7، والتفاصيل قد تملأ مجلّدات.

س4: هل كان عملكم سهلاً أم لقيتم صعوبات؟

المسألة أكبر من صعوبات، فقد تعرّضنا للاضطهاد وخطر الموت، وهذه قصّة يطول شرحها. ولكن، هناك أمرٌ خطير جدًّا وهو استفحال استخدام الشتائم ضدّنا. كان خصومي يعلمون أنّني محامٍ طُهريّ لا تغرّه مليارات الأطنان من الذهب. ولو جمعت شتائمهم ضدّي لصارت أطنانًا من الورق. في شباط ١٩٦٨ بدأ التشرّد بالنسبة إليّ وما زال قائمًا حتّى اليوم وخلاله تعرضت لمحن لا تحصى.

س 5: ما رأيك بما نسمعه بين الفينة والأخرى حول عدم الحاجة إلى الحركة اليوم بعد أن عمّت النهضة الكرسيّ الأنطاكيّ؟ وما هو جوهر عمل الحركة؟

بعد عمر مديد جدًّا في الحركة وخارجها، لا أرى في إكليروس اليوم ما يبرِّر الاستغناء عن الحركة. نشأنا في الأربعينات كجماعة روحانيّة رهبانيّة، وقلت في ٧-١١-٢٠٠٨ لسيادة المطران جورج (خضر) وألبير لحّام: «نشأنا في الأربعينات روحانيّين لا علاقة لنا بالإكليريكيّة». فوافق على ذلك ألبير، وقال نحن جماعة روحانيّين رهبانيٍّين كما يشهد الصرح الذي نحن فيه (أي دير القدّيس جاورجيوس، دير الحرف). واتّفقنا على العودة إلى الأصول، فالحركة نهضة إلهيّة روحيّة، غير موجودة في الإكليريكيّة، فيها توثّب وانطلاق. بينما الإكليريكيّة تعرف، في الحياة الواقعيّة، التراتبيّة والخضوع للبطريرك والمطارنة.

لست ضدّ النشاط الاجتماعيّ للحركة، ولكن بشرط أن تبقى لَهَبَات الحركة روحيّة وألاّ يبعدنا العمل الاجتماعي أبدًا عن اللهيب الروحيّ. نحن جماعة روحانيّة نسبح في غمار العهد الجديد وآباء الكنيسة. الخروج من هذا المحيط سيميتنا كما تموت السمكة إن خرجت من البحر.

س 6: ما رأيك في الحركة اليوم؟

الحركة اليوم ليس فيها لهيب أربعينات القرن الماضي. عليها أن تعود إلى ذلك اللهيب، ولكن بنضوج الرجال، وبخاصّة بعد أن تجاوز الرعيل الأوّل الخامسة والثمانين من العمر.

الحركة اليوم تمرّ في مرحلة حسّاسة ودقيقة. إنّها تريد أن تساير الزمن والتطوّر المزعوم. هذا سيذهب بها مع الرياح. الحقّ لهيب روحيّ غير قابل لأن يدخل الأقنية والتعليب أبدًا. إن سقطنا من هذا البرج العالي صرنا جمعيّة كباقي الجمعيّات. نحن لسنا جمعيّة ولا مؤسّسة بل تيّار روحيّ نهضويّ آبائيّ لاهوتيّ رهبانيّ يتجاوز كلّ المفاهيم التي تجعل منّا أناسًا ضمن علب ونظام اجتماعيّ معيّن. فلا الفلسفات المعاصرة ولا التيّارات السياسيّة والاجتماعيّة المعاصرة صالحة لأن تأخذ بمجامع قلوبنا.

لست ضدّ التنظيم، ولكنّني ضدّه إن قتل روحنا الوثّابة. في الأساس نحن صواريخ روحيّة. الحركة اليوم تمرّ في شيء من الفتور الروحيّ. يخطئ من يظن أنّنا مدرسة للتعليم المسيحيّ. نحن تيّار جارف يخطف الروح إلى السماء، فالنظام جيّد إن احترم انطلاقتنا الصاروخيّة.

س 7: ما نصيحتك للحركيّين اليوم؟

من أجل استمرار الحركة بعد الرعيل الأوّل، يجب أن يغرف الحركيّون من العهد الجديد ومن الصلوات وآباء الكنيسة بحرارة لا تفتر أبدًا، وأن يسلكوا بروح الوداد التي كنّا نتمتّع بها وكانت تجمعنا. الرسميّات والشكليّات واللياقات وما إليها هي ضدّ الحركة. الحركة هي حركة وداد وصراحة وصون واستقامة ولهفة عميقة من دون أن تتحوّل الحركة إلى حزب أو جمعيّة. يجب أن نبقى روحانيّين وأن تبقى علاقاتنا روحانيّة، إذ لا يجوز أن تخضع هذه العلاقات للاعتبارات الاجتماعيّة إن كانت هذه الأخيرة ضدّ ثوابتنا الروحيّة. أكرّر، لست ضدّ النظام والأصول، ولكنّني أعرف أنّ الشكليّات تقتل الروحانيّات. استفدنا كثيرًا من الاعتبارات الاجتماعيّة والنظام، ولكنّنا تجاوزناهما وانطلقنا...n

 

© حقوق الطبع والنشر 2025 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search