قراءة في المبدأ الثاني لحركة الشبيبة الأرثوذكسيّة
ربيع نصّور
تعتقد الحركة أنّ النهضة الدينيّة والثقافيّـة تقوم باتّباع الفروض الدينيّة ومعرفة تعاليم الكنيسة، لذلك تسعى لنشر تلك التعاليم وتقوية الإيمان المسيحيّ في الشعب.
لم تكن الحركة منذ نشأتها في فكر مؤسّّسيها رؤية نظريّة تنظيريّة، بل على العكس تمامًا كانت عملاً إلهيًّا بأيدٍ بشريّة، عملاً يُنهض الموتى من رقاد الكسل والجهل، عملاً يترك للروح القدس أن يحمله أين يشاء، لذلك أتى المبدأ الثاني ليوضح أنّ النهضة التي تحمل لواءها الحركة هي نهضة عملانيّة تبدأ وتستمرّ فقط بالممارسة الحقيقيّة لحياة الكنيسة بجوانبها كافّة لتصل في نهاية المطاف إلى عيش الإيمان على مستوى الشعب المسيحيّ بشرائحه كافّة، لأنّ الإيمان حركة وجوديّة والحركة إيمان وجوديّ.
هذا بالضبط ما جعل الحركة في تأسيسها تشبه إلى حدّ كبير الثورات العالميّة وذلك أقلّه في النهج الذي اتّبعته، حيث انطلقت من الشعب، من طاقاته المدفونة وراء موروثات عديدة قيّدت الروح الكنسيّة من أن تدخل أعماق النفوس في ذلك الوقت، نعم من الشعب، أي شبّانه وشابّاته، صغاره وكهوله، من كوادره التوّاقة إلى الشركة الإلهيّة والتعليم الكنسي، التي رفضت أن ترتوي إلاّ من النبع الحقيقيّ، فانتظرت طويلاً بزوغ فجر يلج بها حياة الكنيسة في حركة مستمرّة مبتعدة عن الكلام من دون الفعل.
لقد دأب الحركيّون الأوائل على التعليم المقترن بالعمل، هذا التعليم الذي استمدّوه من الآباء وقرنوه بحياتهم الحاليّة لينتج تعليمًا معاشًا في عصرهم، فعملوا في الجانبين التاليين:
الجانب الإيمانـيّ:
هذا الجانب الذي يحمل في طيّاته بعدًا ثقافيًّا إلاّ أنّه في جوهره حركة أسراريّة معاشة بشكلها الصحيح، ترفض الشكل وتدخل إلى المضمون، تفهم الليتورجيا وتعيش التقليد. تحضّ على الممارسة القلبيّة والفعليّة وترفض الشكليّة. تنشر الإيمان بالمثل الحيّ وتبتعد عن الفرّيسيّة.
لقد فهّمتنا الحركة دورها في استقامة المجتمع، فعملت على الإصلاح المستمرّ لذاتها لتعكس نور ربّها على الجميع فيرون أعمالها ويمجّدون أباها الذي في السماوات.
الجانب الثقافـيّ:
يُتمّم هذا الجانب في أحد أهمّ أبعاده، الجانب الإيمانيّ، حيث يكمّل صورة الحقيقة وجمالها عبر إدراك الثقافة الكنسيّة الروحيّة ووعيها من جهة والإلمام بالثقافة العالميّة على مختلف أشكالها من جهة أخرى، فنتلمّس جماليّة خبرة الكنيسة في مجتمعاتها التي تعيش فيها، وعمقها في تاريخٍ يحمل من الإشرافات، والعثرات، ما يمكّننا من رؤية حقيقة الإيمان من حيث هو خبرة معاشة في الربّ يسوع مهما كانت الظروف، ومهما تنوّعت البيئات.
ما دفعني إلى الحديث عن المبدأ الثاني لحركة الشبيبة الأرثوذكسيّة في هذه الأيّام، هو ما يحويه هذا المبدأ، كما ذكرت آنفًا، من توجّه عملانيّ يتخطّى الكلام والشعارات، ليدخل عمق الحركة في جوهرها ووجدانها، وهذا بالضبط ما يجب ألاّ يغيب عن أذهاننا أبدًا، لأنّ غاية الجهد الحركيّ تكمن في إتّباع وجدانيّ لحركة القلب نحو اللَّه، هذا الاتّباع المتجلّي بممارسة كنسيّة أسراريّة صادقة.l