حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة - الأمانة العامّة
المؤتمر الرابع والأربعون
لولو صيبعة
احتضن دير سيّدة النوريّة، حامات، التابع لأبرشيّة جبيل والبترون وتوابعهما جبل لبنان، الإخوة أعضاء الأمانة العامّة في حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة ووفود المراكز الحركيّة في لبنان وسورية، بين ١٤ و١٦ تشرين الأوّل ٢٠١٣، في أعمال المؤتمر الرابع والأربعين الذي حمل عنوان »دور الكنيسة الواحدة في مواجهة الأزمات«، وذلك على ضوء مآسي الأزمة السوريّة.
بعد ظهر اليوم الأوّل بدأ المشاركون بالتوافد إلى دير النوريّة من المراكز كافّة، من جبل لبنان والبترون وبيروت والجنوب وطرابلس وعكّار، ومن طرطوس واللاذقيّة وحمص وحماه وحلب ودمشق، وقد فاق عدد الأخوة ثمانين شخصًا.
وفي كنيسة الدير، المكرّسة على بشارة والدة الإله، أقام المؤتمرون صلاة الغروب. ثمّ كانت الجلسة الافتتاحيّة التي تحدّث فيها سيادة المطران جورج (خضر) والأمين العامّ الأخ إبراهيم رزق.
وممّا جاء في كلمة سيادة المطران جورج: »ما يريده اللَّه من كلّ واحد منّا هو أن يصبح تعبيرًا عن اللَّه، فلا نكتفي بترداد ما سمعناه، ولكن نتوق إلى تذوّق الربّ. نحن نريد أن ننقل الربّ إلى الناس في كلّ بهائه وجلاله. الغاية أن ننقل اللَّه وإلاّ لا نكون قمنا بشيء. الكلام على اللَّه وحده لا ينقل اللَّه، ولكنّ الكلام الإلهيّ يجب أن يندمج في شخصيّتنا ويصير منّا. نحن إطلالة اللَّه أو لسنا بشيء. لهذا، عندما نجتمع في مثل هذا اليوم، نطلب وجه يسوع المسيح المدمّى والحيّ القائم من بين الأموات«. وتابع سيادته فتساءل ماذا نبتغي في حياتنا الحركيّة؟ ماذا أتينا نطلب؟ وأجاب »الذي لا يجاوب تلقائيًّا ومن دون جهد أنا جئت لأطلب المسيح، يكون قد أضاع العنوان. ومن هنا مراقبة النفس هي الأساس الذي يطلبه المعلّم. أين نحن من المسيح؟ ماذا عاهدنا الربّ عندما انخرطنا في هذا الجهاد العظيم والصعب؟«.
وأضاف: »التراث الحركيّ جيّد، ولكن على كلّ جيل أن يخلق تراثه حتّى لا نقع في خطر الترداد والتكرار. التراث ليس استظهارًا، بل إحياء لما سلّم مرّة واحدة. ليس المطلوب اختراع مسيحيّة جديدة، بل الإخلاص للتراث. المطلوب تجديد الروح حتّى لا تعتق، حتّى لا تركد. على الجيل الصاعد أن يشعر أنّكم شربتم من الينابيع وأتيتم منها وفاضت فيكم أنهار مياه جديدة. وإذا أحسّ الناس أنّ حقيقة المسيح القديمة تفيض منكم بحياة مـحيية، تكونون قد أكملتم السعي وحفظتم الإيمان«.
وردّ الأمين العامّ الأستاذ إبراهيم رزق على سيادة المطران جورج بشكره لاستضافته أعمال المؤتمر في أبرشيّته.
وبعد استراحة دامت نصف ساعة، ناقش الحاضرون ورقة بعنوان »الأزمة السوريّة: رؤية وشهادة« أعدّها الأخ طارق بشّور. وهذا بعض ما جاء في هذه المداخلة: »لا يستطيع المرء أن يتجاهل أهمّيّة التغيّرات المجتمعيّة والفكريّة والسياسيّة التي يعيشها العالم العربيّ منذ نحو ثلاث سنوات، وأن يتوقّف أمام ما خلّفته من مظاهر العنف والحرب وعدم الاستقرار، وما رافقها، وما زال، من شعور متزايد بأهمّيّة إحقاق العدالة الاجتماعيّة والاقتصاديّة والمشاركة في إدارة المجتمعات وإعلاء شأن الكرامة الإنسانيّة على قاعدة الحرّيّة الإنسانيّة. هذا ما يشير إلى أنّ ثمّة وعيًا اجتماعيًّا جديدًا بدأ ينشأ في العالم العربيّ، وإن من رحم الحروب والاضطرابات والقلاقل.
قد يختلف المسيحيّون عمومًا وأبناء الحركة ضمنًا حول رؤيتهم للأزمة السوريّة، لكنّنا نتّفق، جميعًا، على ما ينبع من إنجيلنا وفكرنا الحركيّ. من هذا المنبع نحن نرفض العنف وفي وجوهه كافّة وكائنة ما كانت أسبابه. أضف أنّ كلّ سعي اجتماعيّ وسياسيّ يكتسب مشروعيّته انطلاقًا من كونه يهدف إلى إعلاء شأن الإنسان الفرد، والنهوض بوجوه حياته المجتمعيّة والاقتصاديّة والفكريّة وإضفاء مزيد من الحرّيّة والعدالة على ما يحوط بهذه الحياة من ظروف. هذا ما يبطل كلّ الأساليب العنيفة التي تستبيح الإنسان كما كلّ تبرير لها ببعض الغايات، مثل حماية الدين أو الطائفة أو الجماعة الإثنيّة، وينزع عن هذا السعي أيّ مشروعيّة إيمانيّة أو اجتماعيّة أو سياسيّة. هذا مع ضرورة الإشارة، أيضًا، إلى نبذ العنف الذي كثيرًا ما يحتجب وراء حالات نفسيّة لا تفصح عن ذاتها بالضرورة عبر أعمال عنفيّة واضحة المعالم. ونذكر، على سبيل المثال، الحقد والكراهيّة وتجنّب مـخالطة الآخرين والرغبة المكنونة في أن يختفوا من الوجود.
شهادتنا المرجوّة هذه لا تتعارض مع مشروعيّة القلق على وجود المسيحيّين في عالم العربيّ عمومًا، وفي سورية خصوصًا، وعلى حرّيّتهم الإيمانيّة والشهادة الذي له مبرّراته وأسبابه. غير أنّ التعامل مع هذا القلق لا يكون أبدًا بالاستسلام لمنطق الخوف والتصرّف بما يمليه من هجرة أو تقوقع وانطواء على الذات، بل يواجَه بمزيد من الانفتاح على الشركاء في المواطنة، كائنًا ما كان انتماؤهم الدينيّ والإثنيّ والفكريّ، والسعي إلى لقائهم في حركيّة حياة حواريّة أصيلة هادفة إلى إيجاد قواسم مشتركة تذيب الحواجز النفسيّة والمجتمعيّة وتعترف بالاختلاف الدينيّ والفكريّ والسياسيّ مصدر غنًى وآليّة تلاقح لمكوّنات المجتمع كلّها. فلا بدّ من أن يتخطّى المسيحيّون في العالم العربيّ، ونحن منهم، ذهنيّة الأقليّة التي يتعرّضون للسقوط كلّما وعوا ذاتهم جماعة طائفيّة معزولة قائمة في ذاتها، لا جماعة مواطنين، إنجيليّي الرؤية والهوى، منفتحة على الآخرين لها ما لشركائها في المواطنة وعليها ما على هؤلاء«.
وأطلقت الورقة في الختام سلسلة خطوات منها السعي إلى حراك إعلاميّ وتفاعليّ شهاديّ في سبيل: إبراز بشاعة الجرائم المرتكبة أثناء الحرب، وحجم الآلام الناتجة منها، كتخليد لذكرى ضحايا عبر أفلام وثائقيّة ومطلاّت أدبيّة وثقافيّة وغيرها.
إبراز ما يتوفّر من أفعال وشهادات لا عنفيّة ولا طائفيّة في هذه الحرب.
إطلاق منتدى حواريّ، في لبنان، يضمّ مشاركين من الأديان كافّة (سوريّين ولبنانيّين) بهدف استخلاص العبر من الحرب اللبنانيّة وبناء رؤية عميقة ورافضة للعنف، إزاء الأزمة السوريّة استنادًا إلى العبر المستخلصة من الحرب اللبنانيّة، وبحث ما يقتضي المبادرة إليه من خطوات لمخاطبة الحكومات المعنيّة بضرورة وقف هجرة الشباب وخصوصًا المسيحيّين منه.
وبعد العشاء كانت جلسة مناقشة حول »العمل الاجتماعيّ في ظلّ الأزمة السوريّة« مع الأخ طارق بشّور أيضًا. عرضت الورقة هاجس العمل الاجتماعيّ في حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة الذي هو أحد مبادئ تأسيسها، وأبرزت الدور الحركيّ في مواكبة الأزمة السوريّة، ودعت إلى تعميم خبرة مركز جبل لبنان في هذا الإطار. وجاء في الورقة: »إنّ أصوات الجراح والآلام المدويّة من قلوب أحبّة يسوع في سورية ألحّت على ضمير الحركيّين وأنتجت تأسيس هيئة الطوارئ الاجتماعيّة التي قامت على دعم الأصدقاء ومساهمات الحركيّين أنفسهم وتعبيرهم عن مـحبّتهم للإنسان لأيّ دين انتمى.
لكنّ حجم الدمار والحاجة في سورية هائلان ما يتطلّب منّا جهدًا استثنائيًّا يتجاوب وإلحاح ضمائرنا وصوت يسوع فينا. من هنا لا بدّ من أن نقرّ بأنّ الحاجة تستدعي مزيدًا من الإمكانات والعمل على أصعدة مـختلفة. وهذا ما يدعونا إلى التجاوب الفعّال مع مشاريع هيئة الطوارى الهادفة إلى تطوير إمكانتها المادّيّة ومنها مشروع الاشتراك الشهريّ، وترجمة شهادتنا للمسيح فعل مـحبّة، عبر العمل الاجتماعيّ، تجاه الآخر المختلف عنّا رغم منحى الحرب الطائفيّ، واستكشاف سبل التعاون مع الجمعيّات الكنسيّة والمدنيّة الأخرى لما في تضافر الجهود وتنسيقها من منفعة للعمل.
نتّفق جميعًا أنّ التداعيات والآلام والحاجات الناتجة من الأزمة السوريّة واسعة ومتعدّدة. فإضافة إلى ما نلحظ في داخل سورية منها تبرز، أيضًا، قضيّة النازحين من إخوتنا وغيرهم. هذه القضيّة المطروحة، دائمًا، على ضمائر مراكزنا الحركيّة لما هي مدعوّة إليه من مبادرة ورعاية واحتضان. لقد سعى مركز جبل لبنان قدر إمكاناته، وبشكل فعّال، إلى هذه المبادرة احتضانًا ودعمًا ومساهمة في إيجاد الحلول الاجتماعيّة كالمساعدة على تأمين المسكن والعمل والتواصل واللقاء المستمرّ والرعاية الصحّيّة وتلبية الحاجات الآنيّة. وهذا ما يلفت إلى ضرورة تعميم هذه الخبرة على سائر المراكز والتنسيق بينها جميعًا خصوصًا وأنّ بعضها يجاور حجمًا لا يستهان به من النازحين، وإن كانت غالبيّتهم من أبناء الأديان الأخرى«.
واختتم اليوم الأوّل بصلاة النوم الصغرى. وبعد صلاة السحر في اليوم التالي، كان عرض لمشاريع بعض الجمعيّات الدينيّة والمدنيّة والكنسيّة وأنشطتها لتخفيف وطأة تداعيات الأزمة السوريّة. فتحدّث كلّ من الأب فادي (ضو) من جمعيّة أديان، والأخ إيلي الحلبيّ عن مجلس كنائس الشرق الأوسط، والأخت إلسي وكيل عن اتّحاد الشبيبة المسيحيّة العالميّ.
قال الأب فادي (ضو) إنّ مشاركته في هذه الحلقة هي للتعبير عن تضامنه مع الشباب السوريّ، وعرض واقع الأطفال السوريّين النازحين. أمّا الأخ إيلي الحلبيّ، فشرح برنامج الإغاثة الذي يقوم به مجلس كنائس الشرق الأوسط بالتعاون مع البطريركيّة الأرثوذكسيّة في دمشق. تبلغ قيمة المشروع خمسة ملايين دولار، وتشمل المساعدات الغذائيّة والصحّيّة في المناطق السوريّة كافّة، وحتّى اليوم ٤٣٢ ألف شخص استفادوا من هذه التقدمات. أمّا في لبنان، فتتمّ المساعدة عبر الجمعيّة الأرثوذكسيّة الدوليّة. الأخت إلسي وكيل تحدّثت عن إطلاق لجنة مسكونيّة في سورية وابتدأ العمل عليها في دمشق، وهناك أيضًا برامج مشتركة بين الكنائس. كما قدّم الأخ رينه أنطون عرضًا مفصّلاً عن عمل هيئة الطوارئ التي أنشأتها الحركة.
وعلى هامش أعمال المؤتمر كان للمشاركين لقاء مع سيادة متروبوليت بصرى حوران وجبل العرب المطران سابا (إسبر)، الذي تمنّى للمؤتمر النجاح في كلمة مرتجلة ونابعة من القلب حول واقع الحركة اليوم.
وعن الأوضاع في المراكز الحركيّة السوريّة في ظلّ الأزمة كانت مداخلات لرؤساء الوفود أطلعت المشاركين على وضع كلّ مركز وعلى معاناة المسيحيّين في مناطقهم وما أصابهم من قصف وجوع وقتل وتخريب ودمار وتهجير.
استراحة قصيرة استعاد فيها الحاضرون أنفاسهم بعد العرض المروّع عن الوضع السوريّ. ثمّ جال الأخ أسعد قطّان في تاريخ المسيحيّين ودورهم في المنطقة في حديث عن »المسيحيّون في النهضة العربيّة، قراءة واستشراق«. وتوقّف عند نماذج ثلاثة هي المدارس والفكر التنويريّ والنهضة كمشروع سياسيّ. وعن المدارس قال: »النصف الثاني من القرن التاسع عشر هو، في الكنيسة الأرثوذكسيّة، زمن المدارس. هدف تأسيس هذه المدارس كان مواجهة الخطر الكاثوليكيّ، ومن بعده البروتستنتيّ، المتمثّل بنشاط المرسلين. والمعروف أنّ تأسيس معظم هذه المدارس كان سيكون متعذّرًا لولا الدعم القويّ الذي تلقّته الكنيسة الأرثوذكسيّة آنذاك من روسيا القيصريّة، حتّى إنّ هذه المدارس بات يُطلق عليها لقب »الموسكوبيّة«، نسبة إلى موسكو. اللافت، في اللجوء إلى تأسيس المدارس، هو ظاهرة المحاكاة أي تقليد الآخر ومواجهته بالسلاح ذاته الذي يستخدمه. لقد أدرك الأرثوذكس أنّ الآخر، الكاثوليكيّ أو البروتستانتيّ لا يواجَه بالارتداد والتقوقع في قوالب تعليميّة تقليديّة، بل بتبنّي النموذج العلميّ الحداثيّ بامتياز، الذي راح يفرض ذاته منذ أواخر القرن الثامن عشر، أي المدرسة طبعًا، المدارس كانت مساهمة كنسيّة صرف«.
وعن روّاد الفكر التنويريّ تحدّث د. قطّان عن فرح أنطون وجرجي زيدان معتبرًا أنّ مشروع النهضة العربيّة لم يكن مجرّد مشروع لغويّ وأدبيّ، بل كان مشروعًا عقليًّا تنويريًّا من الطراز الأوّل. فمفكّرو عصر النهضة لم ينحصروا في تحديث اللغة العربيّة وآدابها، بل كانت لهم مساهمات في المجتمع والسياسة والدين وعلاقته بالعقل، كما في دور العقل في تحرير الإنسان وتحسين نظم حياته.
في ما يتعلّق بالنموذج الثالث أي النهضة كمشروع سياسيّ قال د. قطّان:
»ليست النهضة مشروعًا تثقيفيًّا وتنويريًّا فحسب، بل هي مشروع سياسيّ لا بالمعنى الضيّق، بل بالمعنى الواسع. المشاريع السياسيّة بالمعنى الضيّق، مثل القوميّة العربيّة والقوميّة السوريّة، أتت في ما بعد. أمّا النهضويّون، والمسيحيّون في طليعتهم، فآمنوا بأنّ العقل يحمل بذور تأسيس مجتمع أفضل وممارسة سياسيّة أكثر عدالة. هذا أخذوه، طبعًا، عن فلاسفة التنوير في الغرب. بيت القصيد هنا، أنّ العقل يمثّل العامّ والمشترك بين البشر. والدول لا تبنى على الخاصّ، كالدين والعرق ولون البشرة والطبقة الاجتماعيّة، بل على العامّ. هذا، حتّى اليوم، أساس الدولة الديمقراطيّة الحديثة. والديمقراطيّة المقصودة هنا ليست مجرّد عمليّة عدديّة، كما جرى تشويه مفهومها في كثير من مجتمعاتنا العربيّة، بل هي، بالدرجة الأولى، تربية على الأخلاق، لأنّ حماية الضعيف مسؤوليّة المجتمع ككلّ، وتربية على العقل، بحيث يستطيع الإنسان الفرد اختيار الحاكم الأفضل والشكل السياسيّ الأمثل«.
وانهى الدكتور أسعد قطّان كلمته بثلاث خلاصات، أوّلها أنّ بعض المسيحيّىن مارس دورًا طليعيًّا في الحراك النهضويّ في القرنين التاسع عشر والعشرين. والخلاصة الثانية هي عن إشكاليّة الهويّة، وأخيرًا رأى أنّ المشروع النهضويّ يؤدّي بحكم طبيعته إلى نبذ الطائفيّة.
بعد ظهر اليوم الثاني خصّص لتقرير الأمين العامّ الأخ إبراهيم رزق الذي استهلّ كلمته بالترحيب بالمشاركين وبالدعاء إلى اللَّه ليحفظ العالم ويرحمه ويمنحه السلام. وتوجّه إلى كلّ إخوتنا في سورية الجريحة، الذين أصيبوا أو فقدوا عزيزًا، أو تضرّروا، قائلاً: »نقدّم مـحبّتنا وعزاءنا وتمنّياتنا بغد أفضل. وإلى جميع المخطوفين، والمبعدين قسرًا، نقدّم دعاءنا ورجاءنا أن يحفظهم اللَّه ويفكّ أسرهم، ونخصّ بالذكر منهم صاحبَي السيادة، المطران بولس (يازجيّ) والمطران يوحنّا (إبراهيم)«.
وفي عرض مستفيض أطلع الأمين العامّ الأخوة على مجريات الأوضاع الخارجيّة والداخليّة خلال السنتين المنصرمتين، متوقّفًا عند بعض المحطّات المهمّة وهي:
١- إنشاء هيئة الطوارى الأرثوذكسيّة.
بسبب الوضع الاقتصاديّ المأساويّ، الذي حلّ بسورية، وما نتج وينتج منه من قتل وتجريح وإعاقة وتشريد وتهجير ونزوح، أطلقت الأمانة العامّة، مشروع هيئة الطوارئ، لتقديم المساعدة والعون لمن تيسّر مساعدتهم من أبناء الرعايا الرازحين تحت القصف أو المهجّرين من مدنهم وقراهم، وقد تمّ عبر هذه الهيئة تقديم مساعدات نقديّة تجاوزت الـ١٢٠،٠٠٠ دولار خلال سنة ونصف سنة تقريبًا، شكّلت الأمانة العامّة والمراكز اللبنانيّة الانطلاقة الأولى لها.
وبهدف تحقيق استمراريّة هذه الهيئة، وللتعبير الحقيقيّ عن مـحبّتنا ومشاركتنا المتألّمين، فعلاً لا قولاً، أطلقت الأمانة العامّة مشروع الالتزام الشهريّ باقتطاع ٢٪ من المدخول الشهريّ أو السنويّ للإخوة الحركيّين.
٢- موضوع الهيئة المدنيّة: عن هذا البند قال الأخ إبراهيم: »بعد دراسة المشروع في الأمانة العامّة، وجدنا أنّه يتعارض بشكل صارخ مع الأسس الكنسيّة، وهو يمسّ بوحدة الجماعة الكنسيّة، فدعت الحركة مع اللقاء الرعائيّ الأرثوذكسيّ إلى لقاء شعبيّ في جبيل، تمّت الدعوة إليه على عجل، ليتحوّل لقاءً حاشدًا أعلنت فيه، بوضوح وتفصيل، المآخذ على مشروع الهيئة المقترحة، وأسباب رفض الحركة لها، وقد أثمر اللقاء، سحب المشروع من جدول الأعمال ولاحقًا تمّ سحبه من التداول نهائيًّا«.
٣- وفاة البطريرك إغناطيوس الرابع وانتخاب غبطة البطريرك يوحنّا العاشر. وبهذا الشأن قال الأخ إبراهيم: »ما أعلنه غبطة البطريرك في رسالته الرعائيّة التي أصدرها عقب انتخابه وما حملته من عناوين ومضامين، يبعث على الرجاء بمشروع طموح للكنيسة الأنطاكيّة، يعبّر إلى حدّ كبير عن الكثير من الطموحات والمشاريع التي أصدرتها حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة منذ انطلاقتها.
تأكيد غبطته سواء أمام وسائل الإعلام، أو أمام الوفود التي زارته، رفضه استخدام مصطلح توسيع دور العلمانيّين في الكنيسة، لأنّ في ذلك فصلاً بين العلمانىّين والكنيسة، وإنّما المطلوب هو تعزيز دور المؤمنين جميعًا سواء كانوا كهنة أم علمانىّين يبشّر بأمل الخروج من حالة إقصاء العلمانيّين التي نعيشها اليوم، ويؤشّر لوضع قانون المجالس موضوع التطبيق.
إنّ إقرار المجمع المقدّس في دورته الماضية، إنشاء الدوائر التي تعمل بإشراف من السيّد البطريرك، كان بحدّ ذاته مشروعًا مزمنًا، طالما نادت به الحركة، وتقدّمت بالعديد من الاقتراحات بشأنه، كخطوة أولى لا بدّ منها في سبيل تحقيق خدمة فضلى وحضور أعمق لكنيستنا الأنطاكيّة«.
وعن المسؤوليّات والمؤسّّسات الحركيّة أكّد استمرار العمل في هذه المؤسّّسات التي تشمل المراكز الصحّيّة والاجتماعيّة في بيروت وطرابلس، ومجلّة النور وتعاونيّة النور والإعلام الإلكترونيّ والتبنّي المدرسيّ. كما أعلن عن إطلاق المركز الأرثوذكسيّ للبحوث والإنماء.
كما تحدّث عن لقاء الشباب بصاحب الغبطة الذي شكّل مؤشّرًا جيّدًا للتواصل وتقريب المسافة بين القيادة الكنسيّة والقاعدة الشبابيّة.
على مستوى العلاقات العامّة: تستمرّ الحركة بالتواصل مع القيادة الكنسيّة ومع الأديار ورؤسائها، ومع كلّ القوى النهضويّة في الكنيسة. وعلى مستوى الشرق الأوسط، الحضور الحركيّ دائم في نشاطات الجمعيّات الشبابيّة في المنطقة. كما سعت الحركة إلى ترميم العلاقة مع سندسموس.
وبخصوص الوضع الداخليّ في الحركة، استعاد الأمين العامّ المشاكل التي تعانيها الحركة والتي تستدعي وقفة جدّيّة ومعالجة في العمق، ومّما قاله في هذا السياق: »نحن أمام مسلّمة عنوانها، مأزق الوضع الداخليّ في الحركة، والتي تستدعي منّا التوقّف عنده مليًّا، والتفرّغ لمعرفة أسبابه ومعالجتها، وإيجاد الأطر والوسائل الناجعة للتعافي منها، مع ما يتطلّب ذلك من جرأة وصدق ونقد للذات، وتوبة مستمرّة، وإعطاء الموضوع ما يستحقّ من الأولويّة والجهد والوقت.
قبل الشروع في تفصيل الوضع الداخليّ، لا بدّ من الإشارة والتأكيد، أنّ وصف الضعفات التي تعترينا وتسليط الضوء على وهننا، وبشريّتنا، لا يعني أبدًا أنّ الجماعة الحركيّة لا تختزن طاقات كبرى ووجوهًا محبّة، مكرّسة للخدمة والعمل على درب الربّ ومن أجل تمجيد اسمه القدّوس.
إخوة كثيرون، من مختلف الأجيال والشرائح العمريّة يلبّون نداء الربّ في الليل وفي النهار متسلّحين بالاندفاع والغيرة الرسوليّة. لذا أستطيع القول، وبثقة وأمانة أمام الربّ، إنّه ورغم كلّ شيء، فالربّ ما زال يعمل في الجماعة الحركيّة وعبرها، والعديد من إخوة يسوع الصغار فيها يشكّلون لنا مثالاً وقدوة«.
وبعد تفصيل بعض هذه المشاكل، قدّم الأمين العام جملة اقتراحات هي:
١- تكليف الأمين العامّ، تشكيل لجنة طوارئ لمتابعة الوضع الداخليّ، تتعاون مع هيئة مشكّلة من كلّ مركز، وتعمل هذه اللجنة على:
أ- الشروع بوضع توصيات المؤتمرات المتعاقبة موضع التنفيذ.
ب- إعداد ورقة تتناول وتعرض بشكل خاصّ الهويّة الحركيّة، والأبعاد النهضويّة ومناقشتها في مؤتمرات داخليّة في كلّ مركز مع أكبر شريحة ممكنة من الأخوة الحركيّين.
ج- إعادة البحث بتقويم تجربة الفروع داخل كلّ مركز.
د- على ضوء النقاش والتواصل مع الإخوة كافّة تعدّ اللجنة خطّة عمل تفصيليّة متكاملة، لإقرارها في الأمانة العامّة، والدعوة إلى مؤتمر عامّ استثنائيّ يخصّص لمناقشة الوضع الداخليّ، وإقرار الخطط والمقرّرات الرامية إلى معالجتها.
٢- بشكل مؤقّت ولحين إنجاز الخلاصة في موضوع تجربة الفروع، تتولّى اللجنة أيضًا، التنسيق مع المراكز كافّة، لتقدير فعاليّة كلّ فرع، ومدى قدرته على الاحتفاظ بصفة فرع ثابت أو إعادته فرعًا ناشئًا.
٣- إضافة إلى المراكز الناشئة، تتولّى الأمانة العامّة الإشراف على المدّ الحركيّ للفروع الناشئة في كلّ مركز بحيث يصدر القرار باعتبار الفرع قائمًا في الأمانة العامّة سندًا لتقرير مفصّل صادر عن المركز المعنيّ ومسؤول المدّ الحركيّ في الأمانة العامّة.
٤- تتولّى اللجنة، إضافة إلى تنفيذ مقرّرات المؤتمرات السابقة المتعلّقة بالإرشاد، متابعة موضوع المرشدين في الفرق على امتداد الفروع، ولها أن تستعين بهذا الأمر بمن تشاء مع ما يستتبع ذلك من خطط إرشاديّة والشروع بتنفيذها بعد إقرارها في الأمانة العامّة.
وفي ختام هذا الملخّص عن تقرير الأخ إبراهيم رزق، نذكّر بما قاله عن الهويّة الحركيّة وعن الفرقة الحركيّة: »تُختصر الهويّة الحركيّة بالحياة في المسيح والشهادة لاسمه في العالم وخدمة كنيسته، ولهذا فإنّ الحركيّ هو مكرّس للربّ أوّلاً وآخرًا، ساعيًا إلى القداسة، مواظبًا على الصلاة والصوم، مشاركًا المتألّمين، ومفتقدًا المحتاجين، مناضلاً، على مثال سيّده المصلوب برفض كلّ أشكال الظلم والتسلّط والاستعباد والاستغلال وانتهاك صورة اللَّه، مختبرًا قيم الإنجيل، هاجسه خلاص الآخر، عبر التبشير بيسوع المسيح، لأنّ »من آمن به يخلص«.
وفي الوقت عينه، هو منتمٍ إلى جماعة، عملت بكلّ جدّ على بلورة رؤاها وأهدافها وتطلّعاتها ومشاريعها من أجل ممارسة خدمتها لكنيسة المسيح، وعبّرت عن همومها وأهدافها وهواجسها الشهاديّة في مؤتمراتها العديدة والأوراق التي أقرّتها والوثائق التي اعتمدتها.
فأعضاء الحركة إذًا، هم من يحيون للربّ، ويسعون بصدق للأمانة له والأمانة بعضهم لبعض، تعبيرًا عن محبّتهم، ونبذًا لفرديّتهم واحترامًا للوحدة في التعدّد التي تعكس طبيعة اللَّه الثالوثيّة. فالالتزام الحركيّ يتحقّق بارتباط العضو عضويًّا وكيانيًّا بالكنيسة وبالجماعة الحركيّة بفكرها وتراثها، ولا يتحقّق، ولا يمكن أن يتحقّق بمجرّد الانضواء تحت أيّ أطر أو نظم أو هيكليّات موجودة في الحركة.
الفرقة الحركيّة هي »نواة الحياة الحركيّة، وهي جماعة متشاركة في الصلاة والدراسة وتأمّل الكلمة والشهادة والخدمة الاجتماعيّة، علمًا أنّ هذه كلّها لا تأخذ بُعدها الحقيقيّ إلاّ في سرّ الشكر«.
بعد هذا العرض، انتقل الإخوة إلى كنيسة سيّدة البشارة حيث أقاموا صلاة الغروب والتريصاجيون لذكرى الأخ ألبير لحّام الذي انتقل إلي جوار ربّه، وكان أحد مؤسّّسي هذا التيّار النهضويّ. وبين السابعة والنصف والثامنة والنصف كانت جلسة انتخب فيها أمين عامّ جديد هو الأخ رينه أنطون من مركز طرابلس. كما خصّصت السهرة لعرض وثائقيّ سمعيّ-بصريّ حول الأخ الراحل، تبعته صلاة النوم الصغرى.
في اليوم الأخير، احتفل المؤتمرون بالذبيحة الإلهيّة وتبعتها جلسة متابعة لتقرير الأمين العامّ. وعرض أيضًا التقرير الماليّ قبل جلسة الختام وإقرار التوصيات.
أقرّ المؤتمر التوصيات التالية:
١- توجيه رسالة إلى صاحب الغبطة البطريرك يوحنّا العاشر لإعلامه بانتخاب الأخ رينه أنطون أمينًا عامًّا للحركة للسنتين المقبلتين وطلب بركته وأدعيته وصلواته.
٢- تبنّي تقرير الأمين العامّ، وتكليف الأمانة العامّـة دراسة التوصيات الواردة فيه والعمل على تنفيذهـا بعد إقرارها.
٣- إبراء ذمّة الأمانة العامّة عن السنتين الماليّتين لغايـة 30 أيلول 2013.
٤- يوصي المؤتمر الأمانة العامّة الجديدة بــ:
أ- عقد حلقات وإصدار أفلام سمعيّة بصريّة خاصّة بالإضاءة على حياة وفكـر كبار في كنيستنا وحركتنا بهدف تعريف الأجيال الحركيـّة بهم ومساعدتهم على اكتساب فكر الحركـة وتراثها.
ب- أن يتابع الأخ ريمون رزق المهمّة المكلّف بها من الأمانة العامّة السابقة، مع ما يتطلّبه ذلك من خطوات ومهامّ تنفيذيّة وسعي إلى توضيح الرؤية الحركيّة حيث تدعو الحاجة.
ج- عقد مؤتمر خاصّ حول العمل الاجتماعيّ في الحركـة بهدف توضيح رؤيتنا له ومحوريّته في إيماننا وشهادتنا.
د- تفعيل تربية الأجيال الحركيّة على الأسس والرؤى التي حملتها ورقة »الأزمة السوريّة: رؤية وشهادة«، كالتربية على رفض العنف والطائفيّة والتشبّث بما يخدم الحرّيّة الإنسانيّة والعدالة الاجتماعيّة.
هـ - تنسيق عمل هيئة الطوارئ الاجتماعيّة في سورية عبر تأسيس لجنة تضمّ ممثّلين عن المراكز والأمانة العامّة، بغاية تحديد وجهة مساعدات الهيئة ونسبها على ضوء الأولويّات، والعمل على انخراط أعضاء المراكز السوريّة في الآليّات التي أطلقتها الهيئة لدعم ماليّتها.
د- تعميم خبرة مركز جبل لبنان في التعامل مع النازحين السوريّين على سائر مراكز الحركـة.l