نِعَم الله في يوم واحد
نسيم جوزف شلهوب
مع الفجر، تنزاح العـتمة، وقـبـل أن تؤهّل لاسـتـقبال الـنور يغمـرك الـنـور، وما عليك إلاّ أن تفتح عينيك. بهذه الحركة الصغيرة، يأتيك العالم، يلفّك الوجود، ببلاغة الصمت والصوت يقول: أنت منّي، أنا امتدادك، أحتويك، أحميك، ترتاح، في اتساعي تتبدّد عزلتـك، تـتحقّق ذاتك، تجد لنفسك مكانًا تـنـتـمي إليه، يحدب عـلـيـك، يوفّر لك إمكان العيش والاستمرار.
وقبل أن تتململ في فراشك، تـدرك أنّك في نعمة قد لا يعيرها الكثير من الناس ما تستحقّ من اهتمام، فأنت لست على الأرض تـفـتـرش الأديـم بقـسوته وعدم ملاءمته، ولا تـلـتحـف السّماءَ عرضة لكلِّ طارئ، بل احتواك منزل، احـتـضنك فراش، حماك غطاء، تضافرت جميعها، بكلّ ما لديها، تصون إنسانك، تؤكّد رفاهك، تحمي فرادتك، تحجبك في أوقاتك الحميمة من عيون فضوليّة ومن نفوسٍ قد يضمر بعضها لك شرًّا.
تستوي في مكانك، تبحث عن نـعاسٍ عنيد اعتراك ساعة إيوائك إلى فراشك، انتصر على أجفانك، أودعته سريرك، هرب إلى المجهول.
تتساءل عن سرِّ ترتيب الحياة: نهار ناشط يتلوه ليل هادئ، تعاقبهما ثابت منذ الأزل وهو من أروع ثوابت الأرض وأكثرها ملاءمة لتدفّق الحياة في عروق كلّ حيّ وهو تاليًا من أعظم نعم اللَّه لمخلوقاته، تـسائل النفس كيف بالنوم يتجدّد النشاط الكافي ليوم آخر! تجفوك الإجابة، تكتفي بالنتائج، تشغلك الدنيا بما فيها، يصبح الذي تسأل عنه عادة تألـفـها، تعـيشه تكرارًا حدثًا يوميًّا لا يدعو إلى الانـتـباه. هكذا يموت السؤال، تـخـتـفـي الدهـشة، تـدمن النـعـمة لحـدّ نسيان حـدوثهـا.
تستمرّ الأرض في دورانها، يستمرّ النـور في معركته ضدّ الظـلام، ولا يكتب النصر لأحدهما، إلاّ مؤقّتًا، ويبقى الحال على هذا المنوال إلى أن يشاء اللَّه خلاف ذلك.
تـغادر سريرك، تقفز على قدميك وكأنّ العافية في جسدك حشرت، وهي على أطرافه تفيض، ومعها، يفيض ما تبقّى من نعم اللَّه الكثيرة التي يغدقها علينا من غير حساب، لكنّنا غالبًا لا نـعطي الأمور حقّ قدرها فنحسبها أمرًا عاديًّا كمن يغفل قدر الماء لأنّه فـوق نهـر يعـوم، يبـدو النقـيض واضحًا في حالة ظمآن في صحراء، حيث الحياة في قطرة ماء. يطالعك يوم جديد، وراء الرزق تسعى، عن الطلب لا تتوقّف ولا يوقـف اللَّه الـعـطاء، تطلب الغذاء، تطلب الهواء والماء، تطلب كلّ ما تحت السماء، تـعطى ولا تـسأل بديلاً من عطاء.
وقفة وجدان تـريك: نعمة النـورفي عـينيك، نعـمة الصوت في أذنيك، نعمة القوت بين يديك، نعمة الهواء تملأ رئتيك، أترابك حولك والكلّ منخرط في دائرة الحياة، يتضافرون معك، بطريقة مباشرة أو من طريق التضامن الاجتماعيّ، لقهر مصاعب الدنيا ودرء نوائب الدهر، ثمار الحضارة في سِلال أيّامك، كلّ ما توصّل إليه الفكر البشريّ وما حـقّـقه عباقرة الزّمان من إبداع واختراع وتطوّر هو طوع بنانك، العلوم والمواصلات، الكهـرباء والإلكترونيّات، التّواصل بالصوت والصورة، أحدث فـنـون البناء، أطيب المآكل وأشهى الشراب، شهوة قلبك معطاة لك، كلّ المخلوقات تـخـدمك طوعًا أو كرهًا، تسهر على تلبية حاجاتك وتأمين رفاهك، قائمة نعمه تطول، تـدرك بعضها اليسير وغاب عنـك جلّـها الوفير، وما عليك في كلّ ذلـك إلاّ أن تـعـتـرف بـنعـمة اللَّه عـلـيـك، لـتـدوم الـنعـمة بـيـن يـديـك.l