الكنيسة ونظام الصوم
الأب يونس يونس
وجّه إلى مجلّة النور السؤال التالي:
هل يجب أن نتمسّك بنظام الصوم القديم؟ أليس من الأفضل أن تتبنى الكنيسة نظام صوم أسهل؟
حوّل السؤال إلى الأب يونس (يونس) فأجاب بما يلي:
نلاحظ، في زماننا الحاضر، أنّ الصوم فقد الكثير من معانيه الأساسيّة، وأنّ العديد من الأعراف والممارسات دخلته فأبعدته عن معناه الحقيقيّ. فأصبح الصوم، على سبيل المثال، بالنسبة إلى العديد مجرّد حمية، وأخذ الكثيرون ينظرون إليه كأمر سلبيّ غايته »الإماتة« أو إذلال الجسد... ما جعل قسمًا كبيرًا من المؤمنين لا يمارسونه، أو يبتعدون بممارستهم إيّاه عن الهدف الذي وُضع من أجله. ولا يخفى أنّ ثمّة من يطالب بتعديل قوانين الصوم (مدّته وما يسمح أكله) بما يتلاءم مع مقتضيات الحياة المعاصرة، انطلاقا من نظرة تعتبر الصوم أمرًا سلبيًّا.
لا بدّ، إذًا، من إيضاح المعنى الحقيقيّ للصوم والغاية منه. فغاية الحياة المسيحيّة عمومًا، أو »الحياة في المسيح« حسب تعبير بولس الرسول، هي تحقيق قول المزمور »أنا قلت إنكم آلهة وبنو العليّ كلّكم« (مزمور ٨٢: ٦). فالمسيحيّة ليست مجموعة قواعد وقوانين ينبغي الالتزام بها، ليست أيضًا مجرّد اتّباع لعقائد معيّنة، أو حتى مجرّد تشبّه خلقيّ بالمسيح يسوع. المسيحيّة اتحاد بالإله الحيّ الذي يجعل الانسان ممجّدًا بالنعمة الإلهيّة، أو متألّهًا بحسب تعبير آباء الكنيسة.
في ظلّ هذا المفهوم، نشأت العبادة التي تشمل كلّ جوانب الحياة. العبادة »هي أفعال مقدّسة تقيمها الكنيسة بقوّة الروح القدس وتجعل بها المؤمنين أبناء حقيقيّين للَّه بعبادة فريدة، بحيث يضمّهم هو إلى ذاته وإلى الكنيسة جسده، فينمون هم في النعمة والقامة صائرين أشخاصًا كاملين على »قياس قامة ملء المسيح، كنيسةً مجيدةً لا عيب فيها ولا دنس ولا شيء مثل ذلك« (أفسس ٤: ١٣و٥: ٢٧)«(1). في هذا »المناخ« اللاهوتيّ العميق، أتى الصوم كأحد أهمّ أركان العبادة المسيحيّة، وكوسيلة فعّالة لتحقيق غاية اللَّه من خلق الإنسان. عاشت الكنيسة الصوم إطارًا للروح القدس. فنحن، بعد ارتفاع العريس عنّا، لا نصوم حزنًا على فقدانه، لكن استدعاءً له، ساعيًا إلى النمو في النعمة، لنصل إلى »قياس قامة ملء المسيح«.
الصوم، إذًا، وسيلة محدّدة (التمرّس بضبط النفس والأهواء) تواجه ضعفات وأهواء محدّدة لدى الانسان، وتصبو إلى غاية محدّدة (التألّه). من هذا المنطلق نقاربه ولا ننظر إليه من زاوية قِدمه أو جدّته، ولا حتّى من زاوية تغيّر أساليب الحياة ومتطلّبات الحياة المعاصرة.
هل تغيّرت أنانيّة الإنسان، تكبّره، تسلّطه أو شهوته للملذّات؟ هل تغيّر وضع الفقراء في العالم؟ هل أصبحنا كلّنا قدّيسين؟ الجواب واضح، وتاليًا نحن بحاجة إلى الأصوام وإلى الصلوات وربّما إلى تشديدها مع التأكيد أن نلتزم الأصوام بكلّ أوجهها، وأن نختبر حقيقة ما قاله فيلبس لنثنائيل: »تعال وانظر«.l