2019

3. دراسة لاهوتيّة - أثر يسوع الناصريّ في التاريخ ٢/٣ - أسعد إلياس قطّان – العدد الثاني سنة 2019

أثر يسوع الناصريّ في التاريخ

أسعد قطّان

 

الأثر الثقافيّ

لئن اتّصل المعطى المسيحيّ اتّصالاً وثيقًا بحضارات الجماعات التي اعتنقت المسيحيّة منذ انطلاقتها وحتّى أواخر القرون الوسطى، إلاّ أنّ حضور الناصريّ في الأدب والفنّ بعامّة لم ينقطع حتّى بعد الدهرنة المتعاظمة التي طبعت مسيرة كثير من الشعوب المحسوبة على المسيحيّة، بعد النهضة الأوروبيّة وعصر التنوير. ولا نخالنا نجانب الصواب بالقول إنّ الثقافة الإنسانيّة قديمها وحديثها، ولا سيّما في نطاق الأدب والفنّ عمومًا، ربّما تكون النطاق الأرحب لحضور يسوع الناصريّ، وذلك إذا اعتبرنا أنّ حضوره في النصوص الدينيّة بمعناها الصرف، مثل الكتاب المقدّس ومؤلّفات آباء الكنيسة، هو الأكثر كثافة.

عرفت المسيحيّة إثر انطلاقتها تيّاراتٍ تشدّد على اختلافها الجذريّ عن الوثنيّة داعيةً إلى النأي بالمعطى المسيحيّ عن كلّ ما ينتمي إلى الحضارة الرومانيّة المتأثّرة بالثقافة الإغريقيّة. ولكنّ هذه النزعة لم تقوَ على فرض ذاتها. فاختلاف المسيحيّين الإيمانيّ والفكريّ عن معظم التيّارات المهيمنة على المشهد الدينيّ في الأمبراطوريّة الرومانيّة لم يقلّل من تأصّلهم في النسيج الثقافيّ الرومانيّ، ما حملهم طبيعيًّا إلى الاستنجاد بعناصر هذا النسيج بغية التعبير عن إيمانهم بالناصريّ. ولعلّ أحد أبرز الشواهد الفنّيّة على هذا الاستنجاد هو البيت المسيحيّ الذي اكتشف في منطقة دورا أوروبوس على الفرات. وينطوي هذا البيت، الذي يرجَّح أنّه تمّ تحويله إلى كنيسة في مطلع القرن الثالث، على جدرانيّات تمثّل مشاهد من العهدين القديم والجديد، وتعكس استعانة المسيحيّين بعناصر فنّيّة من العالمين الرومانيّ والفارسيّ. بالانتقال إلى الجزء الغربيّ من الأمبراطوريّة، لنا في كنيسة القدّيسة بودنسيانا (La Pudenciana) في روما مثال آخر على مدى لجوء المسيحيّين إلى الثقافة اليونانيّة للإفصاح عن إيمانهم بالناصريّ، إذ نجد هناك إحدى أقدم لوحات الفسيفساء في كنيسة (القرن الرابع). وتمثّل هذه اللوحة يسوع في هيئة فيلسوف إغريقيّ يحوط به تلاميذه. أمّا من حيث العمارة، فتشكّل كنيسة «الحكمة المقدّسة» (آجيّا صوفيّا) في اسطنبول، التي يعود بناؤها الحاليّ إلى عهد القيصر جوستينيان، مثالاً رفيعًا على ترسّب العبقريّة المعماريّة القديمة في أثر مسيحيّ، يرى كُثُر أنّه لم يفقد إلى اليوم شيئًا من فرادته ورونقه.

لا ريب في أنّ التناضح بين المسيحيّة والفنّ القديم بلغ واحدةً من أرفع ذراه في الأيقونة البيزنطيّة، التي يشير الدارسون إلى استقائها بعض عناصرها من الفنّ المصريّ والسوريّ كما تمثّلته الحضارة الرومانيّة وصهرته في بوتقتها. وفيما نجد الحضور المصريّ قويًّا في فكرة تصوير وجوه ملوّنة على مادّة خشبيّة، ما يذكّر بتوابيت المومياءات المصريّة، تحيلنا الوجوه ذات العينين الواسعتين والأنف الطويل والفم الدقيق إلى المنحوتات الجنائزيّة السوريّة. تضاف إلى ذلك مجموعة من العناصر التي استمدّتها الأيقونة البيزنطيّة من الفنّ اليونانيّ القديم مثل تشخيص الأفكار المجرّدة. ولنا مثال على هذا في أيقونة العنصرة، التي تشخّص فكرة الكون (Kosmos)، وفي أيقونة الميلاد، التي ترمز إلى أفكار يوسف الخطيب الشكّاكة في بتوليّة مريم عبر رجل في ثياب راعٍ.

اعتبر فنّانو عصر النهضة أنّهم باكتشافهم التعبير التصويريّ عن البعد الثالث، أي العمق، وسعيهم إلى نقل هيئة الإنسان في كثافة جسده يلجون بالفنّ إلى مستوى جديد كان غائبًا عن الفنّ «الساذج»، الذي طغى على القرون الوسطى شرقًا وغربًا. مهما يكن من أمر هذا الرأي، فإنّ فهم فنّ النهضة الأوروبيّة لا يستقيم من دون الرجوع لا إلى الميثولوجيا اليونانيّة فحسب، بل أيضًا إلى الكتاب المقدّس وسير القدّيسين. سبب هذا هو سعي أحبار الكنيسة الكاثوليكيّة، الحاضرة بقوّة في إيطاليا، مهد النهضة الأوروبّيّة، إلى الاستعانة بالمنحى الفنّيّ الجديد للتعبير عن المعطى المسيحيّ، ما يفسّر أنّ أبرز معلّمي عصر النهضة نفّذوا عددًا من روائعهم لحساب أهل الكنيسة. ولعلّ من أبرز الأمثلة على ذلك كنيسة سكستين (capella Sixtina)، التي رسم ميكالانجلو (1475-1564) جدرانيّاتها، وهي اليوم جزء من المتحف الفاتيكانيّ وتحتضن انتخاب باباوات روما، فضلاً عن جدرانيّات رافاييلو (1483-1520) في المتحف ذاته.

لم يخفت هذا الإقبال الكنسيّ على الفنّ في القرن السابع عشر. وقد شهد هذا القرن سعي الكنيسة الكاثوليكيّة إلى التعبير عن «انتصارها» على حركة الإصلاح البروتستانتيّ، عبر مئات الأعمال الفنّيّة التصويريّة والتشكيليّة التي تزخر بها كنائس إيطاليا وفرنسا. ولكنّ هذا القرن اتّصف أيضًا بنشوء طبقة بورجوازيّة في معظم المدن الأوروبّيّة سعت إلى الفنّ لا من باب الدين، بل طمعًا في إبراز الغنى الشخصيّ والعائليّ وتخليد الذات، وإن لم يخلُ هذا التوجّه الإنسانيّ العامّ من قيم دينيّة مسيحيّة نرصد حضورها هنا وهناك. وممّا لا يرقى إليه الشكّ أنّ القرن السابع عشر ينطوي على بذور انفصال مسيرة الفنّ عن الدين، هذا الانفصال الذي سيتكرّس بفعل عصر التنوير والثورة الصناعيّة وتراجع سيطرة التفسير الدينيّ لظواهر الكون والحياة. هذا الانفصال لا يعني طبعًا أنّ المؤسّسة الكنسيّة عزفت عن تسخير العبقريّة الإنسانيّة في سبيل إنتاج أعمال فنّيّة تعبّر عن الإيمان المسيحيّ، بل يشير بالدرجة الأولى إلى نشوء وعي مجتمعيّ جديد يؤكّد حرّيّة الفنّان في عمليّته الإبداعيّة وعدم خضوعه لمتطلّبات المؤسّسة الدينيّة أو أمزجة أهل السياسة.

من الطبيعيّ أن يُقبل هذا الفنّ المتفلّت من قبضة الدين على نطق الحياة جميعها يستلّ منها مادّته. فهو يمجّد الحياة المدينيّة على قدر ما يفضح عوراتها ومآزقها. ويتغنّى بالوجود الإنسانيّ وما يطفح به من طاقة حياة وحبّ على قدر ما يكشف معطوبيّته حيال الزمن والموت. في خضمّ هذا الفنّ، لا يتوقّع أحد أن يكون يسوع الناصريّ وصحبه الموضوع الرئيس، وذلك بخلاف فنّ القرون الوسطى في بيزنطية وأوروبّا عمومًا. ولكنّ اللافت أنّ وجه يسوع حاضر فيه بقوّة رغم أنّ أحدًا لم يوعز إلى أصحابه أن يستلهموا هذا الوجه. فنجده يطلّ في بعض لوحات فنسنت فان غوخ (1853-1890) المفعمة بالضوء، ولا سيّما تلك التي نفّذها قبيل موته، وفي عدد من منحوتات إرنست بارلاخ (1879-1934)، وفي رسوم اليهوديّ مارك شاغال (1887-1985) المتأثّر بالأيقونات البيزنطيّة الروسيّة. قد يقول قائل إنّ هذا مردّه إلى أنّ فنّاني أوروبّا يأتون من ثقافتهم المطبوعة بالمسيحيّة منذ مئات السنين. إنّ في هذا القول، ولا ريب، بعضًا من صواب لا يقلّل منه أنّ الحضارة الأوروبّيّة الحديثة، في وجهيها الرأسماليّ والشيوعيّ، شهدت خلال القرن العشرين نأيًا عن المسيحيّة لعلّ أقوى تعبير فلسفيّ عنه هو قول فريدريش نيتشه (1844-1900) بموت الله. فالإله الذي أعلن نيتشه موته ليس إله المسلمين، بل هو إله البورجوازيّة المسيحيّة الأوروبّيّة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، الذي ظهرت الشيوعيّة كي تملأ فراغ غيابه. غير أنّ الجواب المحتكم إلى الثقافة لا يستنفد السؤال. كيف يموت إله البورجوازيّين المسيحيّ في الحياة اليوميّة، فيما يطلّ وجه يسوع في أعمال فنّانين رصدوا بحسّهم الثاقب أزمة عالم يتّجه إلى حربين عالميّتين، رغم تفاؤله بنظام رأسماليّ يمحو الفقر وثورة صناعيّة تنتصر على الطبيعة واكتشافات علميّة تتغلّب على الموت؟ أليس ما يجعل الناصريّ محجّةً للفنّ هو أيضًا جذريّة الصدق في حياته ومأساويّة صليبه، اللتان تفضحان هذا العالم «المسيحيّ» المرتاح إلى إنجازاته؟

ما ينطبق على حضور يسوع في الفنّ التشكيليّ الحديث ينسحب أيضًا على حضوره في الأدب على مدى القرنين الأخيرين. ونستلّ من الأمثلة الكثيرة التي تبيّن هذا الحضور رواية «البؤساء» للأديب الفرنسيّ فيكتور هيجو (1802-1885). وهي تنطوي على شهادة كثيفة على قدرة المحبّة الإنجيليّة، في شخص الأسقف السيّد مورييل، على قلب المعادلة الخلقيّة لدى بطل الرواية جان فالجان وحمله على تغيير مسار حياته. ويبلغ تأثّر الأدب العالميّ بشخصيّة يسوع واحدةً من أبرز محطّاته في الأدب الروسيّ الذي سبق الثورة البولشڤيّة. فنجد، مثلاً، فيودور دوستويسڤكي (1821-1881) يستلهم شخصيّة يسوع في فضح المآزق التي يقود إليها لا الفكر الإلحاديّ فحسب، بل أيضًا جنوح كثر من مثقّفي زمنه إلى تمجيد الانتماء إلى الأمّة الروسيّة، بوصفها نقيضًا للحضارة الأوروبّيّة الغربيّة. وينتقد دوستويسڤكي، إلى ذلك، في روايته «الجريمة والعقاب» التمسّك المتزمّت بمنظومة خلقيّة ضيّقة متحجّرة، وذلك استنادًا إلى حسٍّ مستمدٍّ من إنجيل يسوع بضرورة التمييز بين الإنسان الفرد والخطايا التي يرتكبها. كما يؤكّد الدارسون أنّ دوستويسڤكي استلهم في تركيبه شخصيّة الراهب زوسيما في رائعته «الإخوة كارامازوڤ» سيرة المتوحّد أمبروسيوس من دير أوبتينا بوستين، الذي كان يمثّل بالنسبة إلى كثر من معاصريه قامةً روحيّةً رفيعة.

في ما يختصّ بالأدب العربيّ الحديث، لا نجد حضورًا كثيفًا للمعطى الدينيّ المسيحيّ في أدب عصر النهضة. ولعلّ هذا مردّه إلى أنّ هذا الأدب لا يمكن فصله عن حالة العرب الثقافيّة والسياسيّة آنذاك، وما شهدته من نزعة إلى تغليب الثقافيّ على الدينيّ وجعل الأخير شأنًا فرديًّا، فلا يقف الاختلاف الدينيّ عائقًا في وجه الاتّحاد بين أبناء الأمّة الواحدة. ولكن يشذّ عن هذه القاعدة المهجريّان الكبيران جبران خليل جبران (1883-1931) وميخائيل نعيمة (1889-1988). فرغم أنّ الأوّل ينتقد المؤسّسة الكنسيّة ويتّهمها بالتخلّف والتحالف مع الإقطاع، مشيرًا إلى ما اختبره في بيئته من تحجّر المطارنة والرهبان، نجده معجبًا بثوريّة الناصريّ، حتّى إنّه يلجأ إلى صورة المسيح مرارًا في كتابه «العواصف»، ويُفرد له مؤلّفًا بالإنكليزيّة هو «يسوع ابن الإنسان»، يحمّله رؤيته الخاصّة لشخصيّة الناصريّ على نحو شعريٍّ لافت. أمّا نعيمة، الذي درس اللاهوت الأرثوذكسيّ في روسيا قبل انتقاله إلى الولايات المتّحدة، فيدعو إلى العودة إلى روحانيّة الشرق، كما جسّدها بوذا ولاوتسو ويسوع، وإلى التمسّك بجوهر الأديان الواحد والنأي عن ممارستها ممارسةً صنميّة. ويعتبر نعيمةُ المسيحَ جزءًا من تراث دينيٍّ شرقيٍّ أوسع من المسيحيّة مع ميل إلى تفسير ظاهرة يسوع تفسيرًا حلوليًّا.

طبعًا، لا يمكن فصل حضور الناصريّ في أدب جبران ونعيمة عن بيئتهما المسيحيّة، وذلك رغم أنّ صورة المسيح لديهما تشذّ عن المنظومة العقيديّة التقليديّة. وتنسحب هذه الملاحظة على عدد من الأدباء المسيحيّين العرب في النصف الثاني من القرن العشرين. فالشاعر اللبنانيّ يوسف الخال (1917-1978) عمد، انطلاقًا من موقفه الإيمانيّ الملتزم، إلى تأليف شعر يستوحي العقيدة المسيحيّة مباشرةً. كما استخدم الخال سيرة المسيح كي يعبّر رمزيًّا عن حال الشاعر في العالم، واستنجد بصورة الموت والقيامة للإشارة إلى انحطاط الثقافة العربيّة ونهوضها. أمّا الشاعر اللبنانيّ أنسي الحاجّ (1937-2014)، وهو من روّاد قصيدة النثر في العالم العربيّ، فتعكس مادّته الأدبيّة بكثافة أثر تربيته المسيحيّة. وهو رغم ميله إلى الوجوديّة المتطرّفة في الفكر، يتصارع مرارًا مع شخصيّة الناصريّ مترجّحًا بين الإيمان والشكّ على نحو يعبّر عن خبرة دينيّة أصيلة. أمّا الروائيّون المسيحيّون المحدثون، فنلمح لديهم ميلاً واضحًا إلى استدخال عناصر من التراث المسيحيّ في وجهيه الليتورجيّ والمجتمعيّ. فالسوريّ حنّا مينة (1924-2018) يلقّح نصوصه بمقاطع كاملة من الليتورجيا الأرثوذكسيّة. والمصريّ إدوار الخرّاط (1926-2011) ينقل لنا في «ترابها زعفران» مشاهد لافتة من طفولته ومراهقته في البيئة القبطيّة التي ترعرع فيها. هذه النزعة إلى توثيق المعطى المجتمعيّ «المسيحيّ» تبلغ ذروتها لدى الروائيّ اللبنانيّ الياس خوري (1948-)، الذي يسرد في روايته «يالو»، مثلاً، مشاهد كاملة من حياة عائلة سريانيّة في بيروت ينخرط بكرها بقوّة في الحرب الأهليّة. ولكنّ خوري يتجاوز المعطى المجتمعيّ الصرف إلى التعامل مع شخصيّة يسوع الناصريّ على نحو رمزيّ، وذلك خصوصًا في روايته «مملكة الغرباء»، التي تستلهم أنشودةً بيزنطيّةً تُرتَّل في الكنيسة الأرثوذكسيّة يوم الجمعة العظيمة. ويظهر المسيح في هذه الرواية بوصفه الغريب الأكبر ومؤسّس مملكة من الغرباء تُسَردُ قصصهم بأسلوب فيه الكثير من التشابك والتداخل.

اللجوء إلى الناصريّ كرمز أدبيٍّ في الأدب العربيّ المعاصر لم يقتصر على المسيحيّين. إذ عمد كثر من الشعراء العرب، بقطع النظر عن انتمائهم الدينيّ، إلى استبطان صورة الموت والقيامة، المستمدّة من الأساطير التمّوزيّة القديمة ومن التراث المسيحيّ، في عمليّة الإبداع الشعريّ. هكذا يصبح الناصريّ لدى الشاعر العراقيّ بدر شاكر السيّاب (1926-1964)، في قصيدته «المسيح بعد الصلب»، رمزًا للشاعر المصلوب على آلام شعبه، والقادر على تخطّي المسافة بين الإنسان والله عبر سكب ذاته على مذبح الفقراء والمجرَّحين: «حين فصّلتُ جيبي قماطًا وكمّي دثار/حين دفّأتُ يومًا بلحمي عظام الصغار/حين عرّيتُ جرحي وضمّدتُ جرحًا سواه/حُطِّم السور بيني وبين الإله». ولعلّ أكثر الشعراء العرب المحدثين استنجادًا بصورة الناصريّ هو الشاعر الفلسطينيّ محمود درويش (1942-2008). لئن كان هذا الاستنجاد يقوم، في غير موضع، على رؤية شعريّة تجد في مأساويّة صلب المسيح وفدائيّة موته رمز الوطن المسلوب عمومًا والإنسان الفلسطينيّ بخاصّة، إلاّ أنّ شعر درويش يتّسم بتنوّع السياقات والمضامين التي يجري فيها توظيف المسيح بوصفه رمزًا شعريًّا. ففي «الجداريّة»، مثلاً، يصبح المسيح صنو الشاعر ونقيضه في آن معًا، لأنّ الشاعر، في سيره الرؤيويّ، يشبه المسيح، ولكنّه يختلف عنه بسبب خوفه من الأمكنة العالية وخلوّ خطابه من القيامة: «مثلما سار المسيحُ على البحيرة/سرتُ في رؤياي. لكنّي نزلتُ عن/الصليب لأنّني أخشى العُلوَّ، ولا/أبشِّر بالقيامة”. أمّا في «مأساة النرجس ملهاة الفضّة»، فتضحي عودة المسيح إلى العشاء مشهدًا رؤيويًّا يفضح جنوح البشر إلى العنف ويعبّر عن الشوق الإنسانيّ إلى تخطّي الموت: «عاد المسيحُ إلى العشاء، كما نشاء، ومريم عادت إليهِ/على جديلتها الطويلة كي تغطّي مسرحَ الرومان فينا/هل كان في الزيتون ما يكفي من المعنى .. لنملأ راحتيهِ/سكينةً، وجروحه حبقًا، وندلق روحنا ألقًا عليه؟».n

 

© حقوق الطبع والنشر 2025 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search