يسوع: نسيج من الأب ليف جيلله
كتاب ميلاد يسوع المسيح. هكذا يبدأ الإنجيل. في لائحة النسب هذه عدد من القتلة والخطأة. ولادة يسوع في نفسي تتمّ رغم خطاياي المتراكمة أو هو يولد عبرها. يولد من وثنيّتي أيضًا وعبرها. يشقّ يسوع طريقه عبر أخطائي ويتجاوزها واحدة واحدة. هذا نسبه فيّ. في هذه الولادة تشعّ رحمته وقوّته ويظهر تنازله.
لا يولد يسوع في أورشليم ولا في أثينا بل في فقر بيت لحم. هكذا سرّ ميلاده فينا: أن نسير إلى بيت لحم، أن نصبح مواطني بيت لحم، أن نكتسب وداعة بيت لحم وروحها. أن أجهّز مكانًا ليولد المسيح فيّ لأنّ الفنادق ممتلئة. ولد يسوع عطيّة خاصّة لكلّ راعٍ من الرعيان إذ قال لهم الملاك: ولد لكم مخلّص. يبقى ميلاد يسوع حدثًا خاصًّا وشخصيًّا لكلّ نفس. يسوع هبة لكلّ إنسان بشكل شخصيّ. بعد هذا يمكن للمرء أن يعود إلى منزله أو بلده أو مكانه كما عاد المجوس، ولكن من طريق آخر كما ألهمهم الملاك ليتجنّبوا هيرودس. من يقوده اللَّه إلى مذود بيت لحم تتغيّر طريق حياته وأساليبه ومنطقه. يعود عبر طريق آخر وقد طرأ عليه تحوّل جذريّ.
يأمر الملاك يوسف بأن يهرب بالصبيّ ومريم إلى مصر. أحيانًا لا بدّ من الهروب من الخطر، لا بدّ من أن نتّخذ مكانًا مقصيًّا لأنّنا ما زلنا في الضعف. ولكن ينبغي أن نأخذ معنا الأثمن: يسوع، أن نأخذ الطفل في صغره وضعفه الذي يقوّي ضعفنا. ومعه نأخذ مريم كما اتّخذها التلميذ الحبيب. فسرّ مريم غير منفصل عن سرّ يسوع: سرّ الرحمة والحنان.
لقد كُشف لسمعان الشيخ أنّه لا يرى الموت قبل أن يرى المسيح. كم أريد أن يكون لي هذا اليقين! ألّا أرى الموت قبل أن أرى يسوع، ليس بعيون الجسد بل بعين الإيمان. ربّما بعد الموت سأراه بطريقة أخرى.
نريد أن نرى يسوع، ألحّ البعض على فيليبّس. هذه أيضًا صلاتي إلى الروح القدس: أيّها الروح أعطني أن أعاين السيّد. طوبى لأنقياء القلوب لأنّهم سيعاينون اللَّه. يسوع لا ينكشف إلاّ لأنقياء القلوب. هؤلاء قد انتقلوا توًّا إلى قلب الإنجيل. هذا يسيرٌ عليهم. ولكنّه عسير على من اضطرب بصرهم بانفعالات كثيرة ومعارف بشريّة ينقصها الانتظام. يعوزهم أن يتعلّموا من جديد كيف ينظرون مباشرة ومن دون وسائط إلى يسوع. القلب النقيّ كما النبيذ النقيّ، غير المختلط بشراب آخر. القلب غير المنقسم أو الذي استعاد وحدته. «اسمي لجيئون» يقول المجنون الذي فقد وحدته؛ ولكنّه يعود شخصًا مكتملاً لابسًا عاقلاً عند قدمي يسوع. «يا بنيّ أعطني قلبك». وحده القلب المعطَى يرى يسوع.
أتعلّم أن أنظر الى يسوع بمقدار ما أتعلم أن أكون مرئيًّا منه. أن أخضع نفسي إلى نظر يسوع. قبل أن يتوجّه إلى سمعان في دعوته الأولى ينظر يسوع إليه. يمعن النظر كما يقول الأصل اليونانيّ. النظرة الخارقة ذاتها عند خروج يسوع من بيت قيافا. نظرة تملأ سمعان فرحًا وأخرى تدعوه إلى التحوّل بعد بكاء مرّ.
مناخ الرؤية، هو ذاته الذي يغلّف التلاميذ على جبل التجلّي. «يأخذهم» يسوع معه، «يقودهم». أصعدهم إلى «جبل عال» حيث كانوا «وحدهم» بعيدين عن كلّ شيء. الوحدة مع يسوع. أن نتركه يقودنا. صعود أليم هذا فوق كلّ ما هو سيّئ في حياتنا. كلّ هذه الظروف ضروريّة عادة لرؤية يسوع. ولكن أحيانًا يكشف يسوع نفسه بأشكال استثنائيّة كما فعل مع شاول على طريق دمشق.
عندما أنظر إليك ربّي يسوع لا أعود أحتاج إلى أن أسألك، أن أطلب إجابات عن أسئلة محدّدة. شخصك، وجهك هو الجواب الكافي والكامل. إن ركّزت نظري عليك، فيك يتجلّى كلّ شيء. ربّما بشكل مبهم ولكن بقوّة. هذه الظلمة منيرة بشكل ساطع. كلّ شيء يصبح واضحًا بسبب هذه الرؤية.
كلامك ربّي ليس شرحًا للعلاقة بينك وبيني. كلمتك تولّد هذه العلاقة. تنشئ هذا الاحتكاك الحيّ فيك. هي تفجّر الاسم الإلهيّ في حياتي. كلّ كلمة من يسوع كشف لنعمته. ظلّ الصليب يقع على كلّ شيء. كلاّ: نور الصليب. الكلمات المعتادة اليوميّة تظهر أيضًا كلمات من يسوع.
يسوع هو الحقّ. فيه كلّ الحقّ. كلّ حقيقة تتكشّف بمقدار ما يتجلّى لي يسوع الحقّ. وهذا ينطبق على العلوم والفنون وحضارات البشر. أن نرى العالم بعيني يسوع.
لتلاميذ يوحنّا الذين يسألون عن حقيقة يسوع، لا يعطيهم الربّ جوابًا مباشرًا. يقول لهم: أخبروا يوحنّا ما رأيتموه. لبطرس الذي اعترف بحقيقة يسوع، يطلب منه الربّ ألاّ يعلن هذا في الخارج. على كلّ إنسان أن يكتشف بنفسه سرّ يسوع. وإن تعلّمنا من آخرين من هو يسوع، لن نعرف من هو يسوع إلاّ باختبار يكون شخصيًّا بشكل كثيف.
إنّ مجموعة من المعارف المكتسبة (والحقيقيّة) عن يسوع قد تحلّ مكان معرفتنا الشخصيّة والعميقة للمخلّص، وقد تقف عائقًا أمام هذه المعرفة. عن كثير من المؤمنين الذين آمنوا بما يجب أن يؤمنوا به وسلكوا حياة البرّ والتقوى، ينبغي لنا أن نسأل: هل عرفوا يسوع حقًّا؟ هل عرفوه بشكل حميم كمعرفة الأصدقاء، ومعرفة الزوجة والزوج، وكما يمكن أن يُعرف من هو أقرب لنفسي من نفسي؟ ربّي هل أعرفك حقًّا؟ أو أعرف فقط ما قرأته عنك وما سمعته عنك؟
لا يريد يسوع أن نقف عند رؤية قصيرة ومحدودة. نثنائيل رأى يسوع وآمن. غير أنّ يسوع قال له: سترى أعظم من هذا. فرح الرؤية لا يوقف قوّة الانطلاق بل يدفع إلى تحريرها.
أن نكمل من دون توقّف البحث عن يسوع. أطلبوا تجدوا. ولكن أيضًا: لأنّكم قد وجدتم ستبحثون أكثر. وكلّما وجدتم ستبحثون. لن نوقف البحث عن يسوع حتّى انقضاء الأزمنة. n
Mاقتباسات من كتاب:
Jésus. Simples regards sur Le Sauveur. Un moine de l’église d’Orient. Chevetogne.