بولندا
القدّاس الإلهيّ الأوّل في كاتدرائيّة آيا صوفيا
أقيمت الذبيحة الإلهيّة للمرّة الأولى في كاتدرائيّة آيا صوفيا الجديدة في وارسو عاصمة بولندا. وجاء هذا الحدث بعد أكثر من ثلاث سنوات على وضع حجر الأساس على يد قداسة البطريرك المسكونيّ برثلماوس الأوّل وسيادة المتروبوليت سابا رئيس الكنيسة الأرثوذكسيّة في بولندا، في الخامس من كانون الأوّل 2015. والجدير بالذكر أنّ هذه الكنيسة هي الأولى التي تبنى منذ أكثر من قرن.
ترأس القدّاس الإلهيّ المتروبوليت سابا وعاونه رئيس الأساقفة جوب (جيتشا) من البطريركيّة المسكونيّة، والمتروبوليت إيلاريون (ألفاييف) من بطريركيّة موسكو وكلّ الروسيا، والأسقف ذيوذورس من الكنيسة الأوكرانيّة، وأساقفة الكنيسة البولنديّة وحشد من الكهنة والشمامسة. وغصّت الكنيسة بالمؤمنين الذين جاؤوا من العاصمة ومن أرجاء بولندا ومن خارج البلاد، وخدمت القدّاس الإلهيّ أربع جوقات.
وبعد تلاوة الإنجيل ألقى المتروبوليت سابا كلمة أكّد فيها على «أنّ النعمة الإلهيّة هي التي رافقت بناء هذه الكاتدرائيّة وهي التي ترافق كلّ واحد منّا. ونحن سنحمل أفراحنا وأحزاننا إلى هذه الكنيسة حيث سنجد العزاء والفرح والملاذ الأمين». كما شكر سيادته كلّ من أسهم في بناء هذه الكنيسة أكان في تقديم المساعدة المادّيّة أم في عمل البناء.
وتليت رسالتا تهنئة من قداسة البطريرك المسكونيّ برثلماوس ومن غبطة البطريرك الروسيّ كيريل. وفي الختام تجمّع كلّ الإكليروس المشارك خارج الكنيسة لمباركة الصليب الذي رُفع على القبّة الأساسيّة.
روسيا ورومانيا
اليوم العالميّ لحماية الطفولة
يحتفل باليوم العالميّ لحماية الطفولة في الأوّل من حزيران. أنشأ هذا العيد الاتّحاد النسائيّ الديمقراطيّ العالميّ في تشرين الثاني 1949، واحتفل به أوّل مرّة في العام 1950. وللمناسبة تقام في معظم بلدان العالم نشاطات تهدف إلى حماية الأطفال ومنها أوّلاً حملة ضدّ الإجهاض. كما هناك حملات تبرّع يستفيد منها الأطفال المرضى والمعوزون.
الكنيسة الأرثوذكسيّة ليست بعيدة عن هذه القضيّة، فمنذ العام 2016 تحتفل الكنيسة الروسيّة بهذا العيد بالتزامن مع ذكرى الزوجين القدّيسين الأمير ديمتري دونسكوي والدوقة أفدوكيّة. هذان القدّيسان رزقا باثني عشر ولدًا وكانا مثال الوالدين في الإخلاص والمحبّة. وفي الرسالة التي وجّهها غبطة البطريرك كيريل قال: «من واجبنا أن نعتني بأولادنا ونحميهم، لأنّ المخلّص قال «من قبل طفلاً إكرامًا لاسمي فقد قبلني أنا» (متّى 18: 5). ولسوء الحظّ لا يسمح لعدد كبير من الأطفال بأن يولدوا اليوم وهذا نتيجة الإرادة البشريّة السيّئة. في بلادنا آلاف الأطفال يقتلون في أحشاء أمّهاتهم، وهذه كارثة وطنيّة، إن على صعيد الأخلاق أو على صعيد الديمغرافية. علينا أن نساعد الأمّ التي تعيش ظروفًا قاسية لتستمرّ في حملها وتبعد فكرة الإجهاض. وعلى الأمّ أن تشعر أنّ هناك من يقف إلى جانبها ويقدّم لها الدعم الاجتماعيّ والنفسيّ».
أمّا في رومانيا فقد خصّص المجمع المقدّس في الكنيسة الأرثوذكسيّة الأحد الذي يلي اليوم العالميّ للطفولة للعائلة كلّها. ووجّه غبطة البطريرك دانيال رسالة قال فيها إنّ وضع العائلة المسيحيّة من الأولوّيات في عالم اليوم بخاصّة من الناحية الروحيّة والأخلاقيّة والاجتماعيّة. وجاء في الرسالة: «العائلة هي قمّة الخلق والبيئة التي يتعلّم فيها الطفل سرّ الحبّ الإلهيّ الأبويّ الذي يكنّه اللَّه لكلّ البشريّة. والعائلة اليوم تعيش أزمة روحيّة عميقة بسبب معضلة العولمة، وهناك حاجة متفاقمة للتعليم المسيحيّ». ولهذا يهتمّ غبطته بالتعليم الدينيّ للأطفال بشكل خاصّ ويقدّم لهم فرص عمل في الرعايا. كما يحثّ الأهل على تمضية وقت أطول مع الأولاد لمساعدتهم على تنمية حبّ عمل الخير. وفي ختام الرسالة تمنّى غبطته الصحّة والسلام لكلّ الشعب الرومانيّ داخل البلاد وخارجها من أجل أن تعمّ البهجة العائلات كلّها وتاليًا الكنيسة.
روسيا
الكنيسة تستردّ بعض أملاكها
خلال الحكم الشيوعيّ الذي سيطر على روسيا في مطلع القرن العشرين، صادر الشيوعيّون معظم الكنائس والأديرة واستخدموها لأغراض مدنيّة وعسكريّة. ومنذ أن سقط هذا النظام الغاشم، تستردّ الكنيسة يومًا بعد يوم بعضًا من أملاكها. ومؤخّرًا استعادت الكنيسة من بلديّة موسكو تسعة أبنية تاريخيّة تابعة لدير حمل حنّة. يقع هذا الدير قرب كاتدرائيّة المخلّص وقد أسّسه القدّيس ألكسي العام 1360 تكريمًا لحمل القدّيسة حنّة والدة العذراء مريم.
سكنت هذا الدير راهبات عدّة وبينهنّ شقيقتا القدّيس ألكسي جوليانا وأوبراكسيا اللتان أعلنت قداستهما في العام 2001. أُغلق الدير العام 1918 وأُعيد فتحه العام 1995 وهو اليوم مزيّن بأجمل الكنائس الروسيّة ويضمّ مجموعة أيقونات مميّزة.
من بين الأبنية المستعادة كنيسة المخلّص الرحيم التي بنيت العام 1686 وخضعت للترميم مرّات كثيرة على مرّ العصور. أُغلقت هذه الكنيسة العام 1926 واستخدمت مركزًا لأكاديميّة العلوم. أعيدت إلى المؤمنين العام 1993 عندما عادت الحياة إلى الدير. في العام 2013 وضع أيقونسطاس جديد.
استعيد أيضًا مقرّ إقامة رئيسة الدير الذي بني في أواخر القرن السابع عشر، وثلاثة أبنية مخصّصة لإقامة الراهبات وهي تعود إلى القرن التاسع عشر، وغرفتا طعام من القرنين التاسع عشر والعشرين، وكنيسة الروح القدس التي أُغلقت العام 1920.
روسيا
36000 قدّيس جديد
أدرجت أسماء 36000 قدّيس جديد قضوا في زمن الاضطهاد الشيوعيّ في روسيا. جامعة القدّيس تيخن هي التي أدرجت هؤلاء القدّيسين بعد سنوات من البحث وأصدرت خمسة أجزاء تتضمّن سيرهم وهناك أجزاء ستصدر قريبًا. هذا ما أعلنه الأب ألكسندر (مازيرين) أستاذ التاريخ الكنسيّ ورئيس دائرة التاريخ في الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة. وقال الأب ألكسندر في هذا الصدد: «مأساة تاريخ الكنيسة الأرثوذكسيّة في مرحلة الاضطهاد قد أشبعت درسًا. أسماء كثيرة كانت منسيّة، والعمل مازال جاريًا لتقصّي كلّ الأخبار. المعلومات التي لدينا تشمل الأشخاص الذين ذاقوا الأمرّين في عهود لينين وستالين وغورباتشيڤ. لا تتضمّن اللائحة فقط الذين استشهدوا إنّما كلّ الذين عانوا في تلك الحقبة السوداء والملحدة. حاليًّا لدينا 36000 اسم، وهؤلاء يشكّلون ثلث الذين ماتوا».
أنشئ مركز التاريخ في الكنيسة الروسيّة العام 1992 ببركة من البطريركيّة لحصر العمل البحثيّ بجامعة القدّيس تيخن. ويتابع الأب ألكسندر فيقول: «نحن نجمع الروايات ونتحقّق من صحّتها وهذا يساعدنا على رسم صورة عن حياة الكنيسة في القرن العشرين. واستعنّا بأرشيف الحكومة وبأرشيف بعض الأشخاص. البطريرك تيخن هو على رأس اللائحة ويليه المتروبوليت بطرس مطران كروتيتسا، وكيرلّس أسقف قازان والأسقف لوقا في القرم والأسقف كوڤرور.
ساحل العاج
معموديّة ملك إفريقيّ
تقبّل تشيفي زاي جان جيرڤيه وهو أحد ملوك ساحل العاج ومن قبيلة كرو، سرّ المعموديّة في الكنيسة الأرثوذكسيّة، متّخذًا اسم داود. جرت المعموديّة في جبل آثوس على يد رهبان الجبل في اليونان. والملك تشيفي هو الأمين العامّ لتجمّع الملوك والأمراء والشيوخ والزعماء التقليديّين في إفريقيا الذي تأسّس في آب 2008 في بنغازي، ليبيا، ومقرّه في مدينة سرت الليبيّة. وهو أيضًا رئيس وزراء ممالك إفريقيا المتّحدة، وهي منظّمة غير سياسيّة، تعنى بالشؤون الإنمائيّة والاجتماعيّة في القارّة الإفريقيّة وتدعم المشاريع التنمويّة الوطنيّة.
سورية
دير سيّدة صيدنايا
بحسب وكالة أنباء بلاغوفست الروسيّة، زار وفد من القوّات الروسيّة العاملة في سورية دير سيّدة صيدنايا البطريركيّ وقدّم له مساعدة إنسانيّة، نظرًا إلى الوضع القائم في المنطقة. وأوضحت رئيسة الدير الأمّ فيفرونيّا نبهان أنّ هذه المساعدة ستغطّي دروسًا في اللغتين الفرنسيّة والإنكليزيّة لأيتام الدير. كما أنّ هؤلاء الأطفال يتابعون دروسًا في الكتاب المقدّس ويمارسون نشاطات عديدة. وطلاّب المرحلة الثانويّة يتحضّرون لتقديم الامتحانات العامّة. وأشارت رئيسة الدير إلى أنّه خلال الأعمال العسكريّة وصلت القذائف إلى محيط الدير لكنّ الدروس لم تتوقّف. وحظي الدير بمساندة سكّان القرية الذين قدّموا المساعدات الغذائيّة والمادّيّة.
الأرجنتين
مؤتمر حول الرقّ اليوم
برعاية قداسة البطريرك المسكونيّ برثلماوس الأوّل، عقد مؤتمر دوليّ حول العبوديّة وذلك في العاصمة الأرجنتينيّة بوينس آيرس. حمل المؤتمر عنوان «مشاكل قديمة في العالم الحديث». شاركت في تنظيم هذا اللقاء أبرشيّة بوينس آيرس وجنوب أميركا الأرثوذكسيّة اليونانيّة، وأكاديميّة البطريرك أثيناغوراس الأرثوذكسيّة في بيركلي كاليفورنيا.
هدف هذا المؤتمر إلى جمع عدد من العلماء وصنّاع القرار واللاهوتيّين من أميركا اللاتينيّة وسائر العالم للبحث في أبعاد هذه الكارثة التي يشهدها العالم المعاصر.
احتضنت وزارة الخارجيّة الأرجنتينيّة هذا اللقاء بترحيب من رئيس البلاد والشخصيّات الرسميّة والاجتماعيّة ورؤساء الطوائف والأديان. افتتح المؤتمر بكلمات أرسلها كلّ من قداسة البطريرك المسكونيّ وقداسة البابا فرنسيس وسيادة رئيس أساقفة كانتربيري جاستن ويلبي.
بدأ البرنامج بعرض شريط وثائقيّ حول العبوديّة الحديثة في العالم، تلته شهادة مؤثّرة عن وقع العبوديّة الحديثة على الشعوب الضعيفة وبخاصّة الأطفال والمجموعات المهمّشة. تمركز البرنامج حول ثلاثة محاور، بدءًا بالأسس اللاهوتيّة التي تفسّر المسؤوليّة المسيحيّة في إزالة كلّ أشكال الرقّ. أوضح المحور الثاني مظاهر العبوديّة ومنها الاتجار بالبشر غير المشروع والتهريب والاستغلال الجنسيّ والتداعيات الصحّيّة الناتجة من هذه الممارسات الشاذّة. وعرض المحور الثالث البرامج والمبادرات التي تقوم بها المؤسّسات والمنظّمات للتخفيف من وطأة هذه الكارثة.
صدر عن هذا الاجتماع بيان مشترك حثّ على توحيد الجهود ضدّ خطيئة الاتجار بالبشر والرقّ الحديث. والموقّعون على هذا البيان تعهّدوا بأن يبذلوا كلّ جهد ممكن لتضميد جراح كلّ من تعرّض لهذه الآفة ولاستعادة كرامة الإنسان التي منحها اللَّه للخليقة أجمع على اختلاف أعراقها وأجناسها.
وفي الختام شكّل قداسة البطريرك برثلماوس لجنة لمعالجة هذه المواضيع المعقّدة. تتضمّن الهيئة المتروبوليت نيكيتاس مطران الداردانيل، الشمّاس نيفون (تسيماليس)، الدكتورة إليزابيت برودرومو والسيّدة ماريّا دروسوس.
الفيليبّين
كنيسة جديدة في ثلاثة أسابيع
الفصح في الفيليبّين هذه السنة كان له طعم آخر ومميّز، فحماسة الأرثوذكس في جزيرة منيداناو دفعتهم إلى بناء كنيسة في غضون ثلاثة أسابيع، واحتفلوا فيها بقيامة الربّ يسوع من بين الأموات. رعيّة القدّيس فينيدكتوس في هذه الجزيرة أصبح عندها كنيسة جديدة وأقيم القدّاس الإلهيّ فيها ببركة الأسقف سرجيوس المسؤول في بطريركيّة موسكو عن الرعايا الموجودة في شرق آسيا وجنوب شرقها. وأمّ الصلاة الأب ستانيسلاڤ الذي زار الفيليبّين مرّات عدّة، عندما شارك في العام 2015 في معموديّة جماعيّة تقبّل فيها 186كاثوليكيًّا العماد المقدّس. وفي تمّوز الماضي أيضًا تقدّم إلى المعموديّة تسعة عشر شخصًا.
احتفل الأب ستانيسلاڤ بالذبيحة الإلهيّة بالسلاڤونيّة والإنكليزيّة وباللغة المحلّيّة. وبعد القدّاس الإلهيّ قدّم الأب ستانيسلاڤ هدايا العيد بالنيابة عن الأسقف سرجيوس. كما قدّمت جوقة من أوكرانيا أمسيّة مرتّلة.
متى نشأت هذه الرعيّة؟ مع مطلع القرن العشرين برزت رعيّة أرثوذكسيّة بفضل المبشّرين الروس وانتقلت إلى كنف بطريركيّة موسكو. ومنذ العام 2015 تجدّد العمل البشاريّ في الفيليبّين، وأقيمت الخدم في الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة، وشيّدت كنائس جديدة، وترجمت الكتب الطقسيّة إلى اللغة المحلّيّة. وفي 21 تشرين الأوّل 2016 عيّن الأسقف سرجيوس لرعاية شرق آسيا وجنوب شرقها. عمل الأسقف الجديد على إحياء البشارة وتنظيم الرعاية بين الروس المقيمين في البلاد والجماعات التي انضمّت إلى الكنيسة الأرثوذكسيّة. ولهذه الغاية أنشئ مركز رعائيّ للتنسيق بين الرعايا. والعمل جار على تأسيس معهد لاهوت في مدينة داڤاو على جزيرة مينداناو. بوركت جهود الكنيسة الروسيّة وعسى أن تنتقل العدوى إلى سائر الكنائس.
تنزانيا
إطلالات من تنزانيا
شارك الأخ سامر عوض من أبرشيّة اللاذقيّة في مؤتمر مسكونيّ في تنزانيا، إفريقيا، عُقد بين 8 و13 آذار 2018، شارك فيه أكثر من ألف شخص أتوا من تسعين دولة تقريبًا. وكانت له هذه الخاطرة التي أحبّ أن ينقلها إلى قرّاء النور.
«عندما وردتني بالبريد الإلكترونيّ وثيقة القبول الرسميّ، للمشاركة في مؤتمر مسكونيّ في تنزانيا، تلك الدولة الإفريقيّة، كنت أخال أنّ الامر يرتبط بثلة من الناس أختلف معهم في كلّ شيء. لكن ما صعقني أنّني شعرت على أرض الواقع أنّهم منسجمون مع قضايانا أكثر من انسجامنا مع نفسنا.
كما تفاجأت بزخم الشباب الأميركيّ المشارك والمندفع إلى الكهنوت. أجابني أحدهم عندما سألته عن السبب قائلاً: «لأنّني أحبّ الربّ والناس، وأسعى إلى أن تكون حياتي مساحة للتقريب بين الطرفين». لم يتحدّث لاهوتيًّا بل كلماته كانت نابعة من القلب، وشدّني في حديثه ذاك إلى جوانب مضيئة في حياتنا الكنسيّة وإلى وجوب مشاركة الشباب فيها.
المشاركون الذين تعرَّفت إليهم، مختلفون عنّا وعن بعضهم البعض، لكنّهم منسجمون مع أنفسهم وقضاياهم وقناعاتهم. يفكّرون بشؤونهم أكثر من شجونهم، ولا يفترضون شبه المستحيلات ليأخذوها هاجسًا في حياتهم.
لا يملكون من المعلومات الكثير عنّا، كأنطاكيّين أو كنيسة روم أرثوذكس. لديهم عطش ووله للوقوف على دقائق أوضاعنا ويبدون اهتمامًا بها.
تفاجأت بعمق جوّ المسيحيّة القائم بذاته في بعض الدول التي كنت أخالها في سياق مختلف، كإندونيسيا وباكستان. حيث يجاهدون ويعيشون حياةً متكاملة وكامنة في يسوع المسيح. لكنّ الهنود يعانون من الهندوسيّين، في حين أنّ لا مشكلة لهم مع البوذيّين. وحين جالست شابًّا صينيًّا سألته عن مدى تأثير الأديان السماويّة في بلاده، فأجاب بأنّ المعضلة الكبرى والجذريّة هي عدم قدرة شعوب منطقته على التمييز بين التقليد والدين، حيث يعـرّجون تارة على تلك الأديان من باب التقليد، وتارة أخرى من باب الدين. يشكّل هذا المنطق الصينيّ التحديّ الكنسيّ الأصعب. ذكَّرني هذا الكـلام ببعض الخرافات التي تتسلّل إلى بيئتنا المسيحيّة كالعادات الوثنيّة، لكنّ التحدّي هناك أكبر لأنّ اللبوس دينيّ صرف ظاهريًّا، وشعبيّ تقليديّ بنيويًّا.
ربّما الشعوب الأوروبّيّة هي الأكثر انسجامًا مع أصالة بلادها، وتعيش رقيًّا فكريًّا مميّزًا.
المفارقة الكبرى بالنسبة إليّ كانت تقصيرنا الأنطاكيّ، في نقل وجهات نظرنا الأنطاكيّة في بعض المواضيع ليس يتيمها مجمع كريت. ذكرت كلمة سيادة المطران سابا (إسبر)، حين شارك في حفل توقيع كتاب الأستاذ جورج غندور، حين قال: «أعتزّ بانتمائي إلى كنيسة أنطاكية، التي تقدّم شهادة واضحة ساطعة في عالم اليوم». قضايانا واضحة وأدلّتنا دامغة، لكن ربّما ينقصنا نقل وجهة نظرنا بشكل أوسع. أنطاكية لها وقع في قلوب المشرقيّين وتشكّل هاجسًا بالنسبة إلى الغربيّين. ذكّروني بالبطريرك إغناطيوس الرابع (هزيم) الذي قدَّم لترجمة الإيمان المسيحيّ للكاردينال جوزيف راتزينغر (البابا بيندكتوس السادس عشر) تحت عنوان «في الإيمان المسيحيّ»، حين قال إنّ أنطاكية كالمسيح لا هي من الشرق ولا الغرب، هي من العلى من فوق من الربّ انحدرنا. هم ينظرون بإكبار إلى جسامة الامتحانات التي نخضع إليها، ونكسرها بأناملنا الناعمة والخفيفة!
كنت جالسًا مع شخص وزوجته، فعندما تعرَّفت إليهما قالت لي المرأة: «زوجي أسقف في الكنيسة الأنغليكانيّة»، وتجاذبنا أطراف الحديث لا سيّما عن سورية. كان الامتحان الأكبر بالنسبة إليّ ما يتعلّق بالأساقفة المتزوّجين. لكن سرعان ما تذكّرت أنّه من المفترض بي أن أعالج القضيّة كما يراها صاحبها، لأنّ اختلافنا لا يفسد للودّ قضيّة. عندما تتّسع مساحة الاختلاف يبحث الساعي، عن نقاط التوافق. هذا ما وجدته في هذين الزوجين، اللذين يربطهما معنا المسيح والإنجيل. كلّنا أصحاب قضيّة واحدة، لكنّ المفارقة الحقيقيّة اليوم، تتجسّد في أنّه ما عاد ممكنًا لنا أن نجهل ما يختصّ بالآخر. قد لا نتّفق معه، ولكنّنا سنقول مع آرثر ميلر: «لا يهمّني تطابقك معي، بل مع نفسك!». هم متطابقون مع أنفسهم بنظري من الناحية الإنسانيّة، لأنّهم يسعون إلى تطبيق المنطق المسيحيّ حسب وجهة نظرهم ووعيهم وإنسانيّتهم وعقيدتهم.
لكنّني لم أوافق الجمع على إطلاق مصطلح «اللاهوت الإفريقيّ». تحدّثت كثيرًا معهم حوله، لكن لم يتمكّن أيّ منهم إقناعي. لست مع خلق معايير جغرافيّة تحدّد هويّة اللاهوت على أساسها. حدّثوني عن تأثّر المسيحيّة الإفريقيّة بتقاليد الشعوب هناك. ربّما أوافق على وجود روحانيّة إفريقيّة، كالروحانيّة المشرقيّة. لكن ما فاجأني إفريقيًّا دقّة تنظيم التفاصيل الإداريّة الكنسيّة: الإنجيليّة، والكاثوليكيّة، والأرثوذكسيّة. هم منهجيّون وطيّبون ويسعون إلى إظهار الصورة المسيحيّة الـواضحـة الجليّة. هـنـاك ثلاث أبرشيّات في تنزانيا تابعة لبطريركيّة الإسكندريّة وسائر إفريقيا. وكانت ممتعة المشاركة في القدّاس الإلهيّ عبر أقطاب كنيستنا الأرثوذكسيّة المنتشرة في أرجاء العالم.
أنهي لأقول إنّني ذهبت محمّلاً نفسي عبء التعرُّف إلى أخي في المسيح يسوع، أيّ تقليد اعتنق أو إلى كنيسة انتمى، لكنّي عدت أحمل رسالة كبرى وأكثر أهمّيّة. أن أجعل الغرب يدرك قدر الإمكان أنّني كمسيحيّ مشرقيّ لست كائنًا فضائيًّا، أو طارئًا. وقلت لهم: «إن كانت ولاية فلسطين مهد المسيح، فولاية سورية مهد المسيحيّة. نحن أرباب حضارة وإيمان وإن كنّا نعاني اليوم أزمة حادّة». لكنّني أثق كما قالت لي شاعرة من جبال اللاذقيّة: «أعرف أنّكم مكلومون وتشعرون بالضغينة والخيانة، وهذا حقّكم. لكنني أعلّم ابنتي دائمًا: «إنّ المسيحيّين كالمسيح: هو تعذّب وأذلّ مثلهم وأكثر، ثمّ صلب ومات على الصليب معلّقًا. لكنّه قام، وها هو اليوم يحكم العالم». هذه هي الرسالة الأجدى التي أسمح لنفسي بأن أنقلها إلى إخوتي الأنطاكيّين، من أجواء دولة تنزانيا الإفريقيّة».
الڤاتيكان
كلّ نشاط اقتصاديّ له بعد أخلاقيّ
صدرت وثيقة عن هيئة العقيدة والإيمان وعن دائرة تعزيز التنمية البشريّة المتكاملة في الڤاتيكان، بعنوان «توجيهات أخلاقيّة خاصّة ببعض جوانب النظام الاقتصادي-الماليّ الحالي». وافق قداسة البابا فرنسيس على هذه الوثيقة ونشرت في مؤتمر صحافيّ. وعبر هذه الوثيقة التي تشير إلى تعاليم البابا يوحنّا بولس الثاني وإلى البابا فرنسيس يلاحظ القارئ تشديدًا على البعد الأخلاقيّ في كلّ نشاط اقتصاديّ.
خلال المؤتمر أجاب رئيس الأساقفة لاداريا عن أسئلة الصحافيّين، ومنها أنّ الكنيسة الكاثوليكيّة على مدى العصور شجبت الربا الفاحش. والكنيسة تهتمّ بتنمية الفئات المهمّشة المتنامية، لكون الأقلّيّة الثريّة لا تبالي بهذه الشرائح وتحتكر لنفسها مصادر الثروة. قد يعتقد البعض أنّ الحلّ مستحيل ولا يمكن عمل أيّ شيء للتخفيف من العبء، لكن أيّ خيار يتّخذه الإنسان يحدث فرقًا. وعلى الشركات الكبرى أن تتخلّى عن سياستها الاحتكاريّة التي تسعى إلى منفعة مساهميها فقط. الأخلاقيّة هي أن تستثمر الأموال في مشاريع تعود بالنفع إلى المجتمع ككلّ.
وفي هذا الإطار قال رئيس الأساقفة لاداريا «إنّ سبب انتشار الجشع والممارسات الماليّة المخادعة يكمن في عدم فهم حقيقة الكائن البشريّ وسبب وجوده في هذا الكون. الخيرات التي أعطاها الله للبشر يجب أن تكون في متناول الجميع وليس في يد حفنة من الناس. والنظام الاقتصاديّ السليم ضرورة حيويّة لتنمية العلاقات الإنسانيّة. وللمساعدة على إنتاج هذا النظام السليم تذكّر هذا الوثيقة بأنّ الموارد الاقتصاديّة يجب أن تكون في خدمة الإنسان وأن تعود منفعتها إلى الجميع. كما أن هذه الوثيقة تمدح الأنظمة الاقتصاديّة والأسواق التي تحترم كرامة الإنسان وتدعو إلى حرّيّة الفرد والإبداع والمسؤوليّة والتعاضد. النظام السليم يشجّع على النموّ، فالأهمّيّة ليست في رصيد المصرف بل كم عائلة ساعدت لتعيش حياة فضلى. ولتمييز النظام السليم يجب أن تعرف كم فرصة عمل وجدت. يجب التخلّي عن الأنانيّة السائدة، ومن الضروريّ أيضًا أن نكوّن نظرة أخلاقيّة حول بعض المعاملات الماليّة التي تجري من دون أيّ أساس أخلاقيّ وهي مكبّلة بالطمع وبالظلم ونتيجتها أزمة اقتصاديّة عالميّة لم يسلم منها أحد، بدأت منذ العام 2007. وقيل إنّ هذه الأزمة فسحت المجال أمام مراجعة الأنظمة الاقتصاديّة والماليّة وكيفيّة عملها، لكن لم يتحقّق الكثير في هذا المجال. ولفتت الوثيقة إلى مشاكل أخلاقيّة كــثيــرة تــحـتـاج إلــى إعـادة الـنـظـر فيها وتصحيحها ومنها التهرّب الضريبيّ وشركات offshore التي بواسطتها تخرج ثروات طائلة من الدول النامية.
هذه الوثيقة وغيرها التي قد تصدر في المستقبل لا تكفي لتحدّ من الطمع البشريّ ولا من الاحتكار ولا من الأنانيّة، لأنّ الإنسان ابتعد عن اللَّه وسار في طريق الشرّ، فاللَّه في كتابه حذّرنا من عبادة المال ولكن من له أذنان للسمع فليسمع.n