جورج مسّوح قامة من نور
الأب نعيم (حدّاد)[1]
جورج مسّوح قصّة فريدة لا تشبه غيرها من القصص، تبدأ ولا تنتهي. كلماتها خطّت بحروف لامعة مسبوكة من ذهبِ سمات أهل وادي النصارى وسمات أاهل لبنان من أصالة وعنفوان وطيبة وثقافة وانفتاح. وقع اسمه تجاوز لبنان فصداه تردّد في مشرقنا العربيّ. يكفي فخامة الاسم "جورج مسّوح". هذا الرجل كان يمجّ المديح، لكن اليوم بمقدورنا أن نطلق عليه هذا الكلام، بعد أن أصبح قائمًا في المجد الإلهيّ.
جورج مسّوح كان كمعلّمه الربّ يسوع جذّابًا. فجذب كثيرين بشباكه إلى الملكوت. كلماته كانت مجبولة بالكلمة الإلهيّة، هذا الرجل كان من طينة القدّيسين والآباء الكبار، فكره كان عصارة الكلمة الإلهية والتراث الآبائيّ، فهو سليل إغناطيوس الأنطاكيّ، والآباء الكبادوكيّين، ويوحنّا الذهبيّ الفم، ويوحنّا السلّميّ، ويوحنّا الدمشقيّ، قلما تقرأ مقالة له لا توجد فيها استشهادات من الكتاب المقدّس ومن هؤلاء الآباء وغيرهم. الكلمات كانت تنساب من فمه انسيابًا، وكان يتكلّم كمعلّمه "كمن له سلطان" (متّى 7 :29).
جورج مسّوح كان جذّابًا بجرأته، لم يهادن، لم يتنازل عن قول الحقّ، كان حرًّا في قول الحقّ، "تعرفون الحقّ والحقّ يحرّركم" (يوحنّا 8 :32). هذه الجرأة أزعجت الكثيرين، لم يكن يهمّه، لأنّه يريد أن يقوّم، أن يبني، كلمة الله يجب أن تُبلغ، وكلمة الله حيّة وفعّالة وأمضى من كلّ سيف ذي حدّين (عبرانيّين 4:12). فهم أنّه مكلَّف. وكان أمينًا لتكليف الربّ له. "انظر قد وكّلتك هذا اليوم على الشعوب وعلى الممالك لتقلع وتهدم وتهلك وتنقض وتبني وتغرس" (إرميا1: 10)
جورج مسّوح كان جذابًا بتواضعه، وهذا كان لافتًا، فوراء جبروته الظاهر كان يخبّئ لطفًا ووداعةً، وطهارة. قلبه قلب طفل. كثيرون لم يعرفوه حقيقة فلم يفهموه، فظلموه.
جورج مسّوح تعمّق في دراسة الإسلام لهدف واحد لأنّه أراد أن يبني جسور المحبّة والتلاقي مع شريكنا المسلم في الوطن، فلكي تتحاور مع الآخر يجب أن تفهم عقيدته وأن تعرف بماذا يؤمن. وشدّد جورج مسّوح على أهمّيّة معرفة الآخر عندما قال: "المعرفة الحقيقيّة هي ما يحتاج إليها كلّ لبنانيّ، معرفة يقدّم فيها كلّ مذهب نفسه كما هو، وكلّ كنيسة نفسها كما هي. هكذا يتمّ إقصاء كلّ الأحكام المسبقة والمشوّهة التي كوّنها الخيال الجماعيّ لدى كلّ طرف عن الطرف الآخر(من مقالة "نتجاور ولا نتعارف"، كتاب الآن وهنا، ص 228)
فأبرز من الإسلام ما هو ثمين وما يلتقي مع المسيحيّة من قيم وفضائل. كان رائدًا في الحوار المسيحيّ الإسلاميّ ومن دعاته. السؤال هو كيف أنّ هذا الكاهن المستقيم الرأي اكتسب احترام المسلمين قبل المسيحيّين؟ لأنّه قدّم شهادة ناصعة عن المسيحيّة الحقّ. كان واضحًا، غير موارب عن قول الحقّ. إذ يقول "من شروط الحوار الحقيقيّ أن تسوده الصراحة والشفافيّة والثقة المتبادلة والانفتاح، وأن تطرح فيه القضايا الخلافيّة بموضوعيّة وبمنهجيّة بعيدة عن روح التكاذب والتلفيق واللياقات" (حوار أم طبخة بحص؟ كتاب الآن وهنا ص 219).
جورج مسّوح برقاده فتح فصلاً جديدًا من قصّته، التي لا خاتمة لها. فقصّة الحبّ لا تتنتهي بل تستمرّ أبدًا. شانها شأن النور. سنبقى ننهل منها ما حيينا، سنبقى نتمتّع بوهجها. كنت في حياتك انعكاسًا لنور المسيح، اليوم أصبحت مندمجًا في النور الذي لا يغرب. تشفّع فينا أمام الحمل. لقاؤنا قائم ومستمرّ وعساه قريب.
[1] - خادم رعيّة النبيّ إلياس الغيور في المنصوريّة – عين المرج.