الحركة حراك كنسيّ مستمرّ
جورج نحّاس
لكلّ ظاهرة في التاريخ أسبابٌ موضوعيّة تفسّر نشوءها واستمراريّتها، والعودة إلى هذه الجذور عمليّة صحّيّة من أجل تقويم الواقع وتحضير المستقبل. فبعد خمس وسبعين سنة على تأسيس حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة لا بدّ من الاعتراف بعدد كبير من التبدّلات الأساسيّة التي حصلت في كلّ من البيئة الكنسيّة، أو الاجتماعيّة، أو السياسيّة التي عرفتها الحركة عند تأسيسها. في الوقت عينه كانت للحركة طوال هذه السنوات حياتها وتاريخها وتجرباتها. هذه الأمور مجتمعة تسائلنا حول الحركة في أنطاكية اليوم، وحتّى في العالم الأرثوذكسيّ ككلّ.
نشرت الحركة عند نشأتها مبادئ ستّة شكّلت أساس العمل الحركيّ. توسّع المتروبوليت جورج (جبيل والبترون وتوابعهما - جبل لبنان) في شرح هذه المبادئ سنوات قليلة بعد إعلانها. ثمّ اعتمد مؤتمر حركيّ لاحق قراءة جديدة لهذه المبادئ سعت إلى موضعتها بعد أكثر من ثلاثين سنة على تأسيس الحركة. لكن وفي هاتين الحالتين، لم تتمّ »قراءة« الحركة كتيّار على ضوء المتغيّرات التي دخلت على العالم الذي تحيا الحركة في وسطه، أو على ضوء تقويم نقديّ للمسيرة الحركيّة.
طبعًا لن أقوم هنا بهذا المسعى لأنّ ذلك ليس هدف هذه المقالة. لكنّي أخطّ بعض الخواطر الناتجة من متابعتي هذه المسيرة لسنوات طويلة، والمستقاة من الواقع المستجدّ من ناحية، ومن الخبرات الحركيّة من ناحية ثانية. والخواطر ليست بالضرورة مثبتة علميًّا، لكنّها مطروحة على ضمير المؤمنين جميعًا انطلاقًا من مواكبة أمينة للحياة الأنطاكيّة، ولواقع الأرثوذكسيّة العالميّة.
في المبادئ
عبّرت المبادئ عن هواجس المؤسّسين ودلّت بوضوح على سعة تحسّسهم لضرورة حضور كنسيّ من نوع جديد ليس على صعيد الحياة الداخليّة في الكنيسة فحسب، بل أيضًا على الصعيدين الثقافيّ والاجتماعيّ. جاء استعمال تعبير »نهضة« في المبدأ الأوّل(١) للدلالة على ضرورة التغيير الذي دعت إليه الحركة، والذي تمّ تفصيله في المبادئ اللاحقة.
واللافت طبعًا أنّ هذه الدعوة ليست موجّهة إلى فئة معيّنة في الكنيسة، بل إلى المؤمنين كافّة من دون استثناء. لذلك جاء الكلام أحيانًا في نصّ المبدأ الأوّل على »تيّار«، لأنّ الحركة وعت حينها أنّها لن تختصر النهضة ولا النشاط الكنسيّ، بل هي مدعوّة لتكون الخميرة التي تعمل في العجين ككلّ. وتوسّعت الحركة أحيانًا في أبعاد هذه المبادئ، وتمّ ذلك في أوراق خصّت الهمّ الاجتماعيّ أو الهمّ الرعائيّ أو الهمّ التربويّ. لكنّ هذه التوجّهات لم تُقِم يومًا توازيًا بين الحركة والكنيسة. لم يرد في المبادئ، ولا في الأوراق الحركيّة اللاحقة، كلامٌ على التنظيم الكنسيّ (باستثناء ورقة واحدة حول »الكهنوت«)، بل احترمت الحركة دومًا وباستمرار، عبر مسؤوليها، القيادةَ الكنسيّة واعتبرت نفسها مُلْزمة باتّباع توجّهاتها، واعتبرت النقاش الداخليّ في الكنيسة أمرًا صحّيًّا يتماشى مع مصداقيّة الحركة مع نفسها كتيّار في الكنيسة(٢).
أورد هذا المثل من بين غيره في الحاشية، للدلالة على أنّ الحركة لا تريد نفسها جزءًا في الجسم الكنسيّ، بل هي فيه بقدر ما هناك حاجة إلى هذا الوجود، وطالما كان هذا الوجود أمينًا للنهضة التي دعا إليها. يبقى السؤال: ماذا تعني دعوة المبدأ الأوّل اليوم، وعمر هذا النداء خمس وسبعون سنة؟ نحن نعيش اليوم في زمن تبدّلت فيه البنى التربويّة، والتعليم متاح للسواد الأعظم من المواطنين. نحن نعيش في زمن فتحت فيه التقانة الأبواب للاطّلاع على كلّ جديد في العالم، وعلى كمّ لا يُحْصى من المعلومات. نحن نعيش في زمن تبدّلت فيه البنى الاجتماعيّة، ووسائل الدعم الاجتماعيّ والصحّيّ. نحن نعيش في زمن كثر فيه النشر الكنسيّ، على أنواعه، فمنه الجدّيّ والعميق، ومنه السطحيّ، ومنه التقويّ. نحن نعيش في زمن ألغت فيه سبل التواصل ضغط الزمان والمكان، وبات اللقاء الافتراضيّ متاحًا ومفتوحًا على مصراعيْه.
فما هو مفهوم النهضة التي يجب أن ندعو إليها اليوم؟ ما هي معاييرها؟ من يحملها وكيف؟ الجواب عن هذه الأسئلة سعي مشترك على صعيد الكنيسة ككلّ.
في التنظيم
طبعًا كان للحركة أن تؤطِّرَ عملها لأنّ الفعاليّة تقضي بأن تأتي الأمور دومًا »بلياقة وترتيب«. وكانت تجربة الحركة الكبرى هي التأرجح بين أن تكون »منظّمة« بمعنى أن تكون جمعيّة بالمعنى التقليديّ للكلمة، وأن تكون »تيّارًا« بما لهذا التعبير من مفهوم انفلاشيّ.
ذهبت الحركة، بخاصّة في أواخر السبعينيّات، إلى الخيار الأوّل من دون أن تستهين بأهمّيّة الخيار الثاني. ماذا كان تأثير هذا الخيار في علاقات الحركة بالإدارة الكنسيّة؟ بالرعايا؟ بجمعيّات أخرى؟ سؤال تتطلّب الإجابة عنه دراسة معمّقة. لكنّ الأكيد أنّه ليس من جواب واحد عن هذا السؤال، فالعلاقة مع الحركة اتّسمت هنا وهناك بكثير من الأبعاد الظرفيّة، منها الإيجابيّ ومنها السلبيّ. لكن، يبقى الأهمّ أن نتساءل عن المستقبل. انطلاقًا من تاريخها، ومن تجربتها، ومن الظروف المستجدّة على كلّ صعيد، هل من تصوّر لما يمكن أن يكون عليه هذا التنظيم، ليخدم سبب وجود الحركة اليوم؟
من يتابع بشكل مواز وضع الكنيسة الأنطاكيّة اليوم، يلاحظ خطر الشرذمة الذي يتهدّدها، وارتفاع وتيرة الكلام على الاستقلاليّة داخل الوحدة الإكليزيولوجيّة التي يشكّلها الكرسيّ الأنطاكيّ. ليس من المصادفة أن يكون الترتيب الكنسيّ أوجد الرعيّة، فالأبرشيّة، فالكرسيّ، منذ القرون الأولى للمسيحيّة. استند هذا الترتيب إلى الحاجات الرعائيّة من جهة، وذلك على صعيد الرعيّة والأبرشيّة بخاصّة، وإلى ضرورات الشهادة المجتمعيّة الأوسع من جهة أخرى، وذلك على صعيد الأبرشيّة والكرسيّ بخاصّة. فالخدمات الخاصّة المطلوبة من الكاهن والأسقف والبطريرك، خدمات متكاملة ولا يمكن أن ننظر إلى أيّ منها بالاستقلال عن الأخرى. لذلك فالنزعة الاستقلاليّة نزعة مرضيّة لا يبرّرها أيّ قانون كنسيّ، وما زَعْم البعض أنّ الأبرشيّة وحدة مستقلّة إلاّ سعيٌ إلى الاستغناء عن الإخوة، وهذا ما يضعف جسم الكنيسة وطاقته على التعاضد والشهادة بشكل فعّال.
أذكر هذا الأمر هنا لأنّ منطق الاستقلاليّة منطق يهدّد كلّ تنظيم، والسعي إلى الاستغناء عن الآخر أو الاستعلاء عليه تجربة مرتبطة بلحميّتنا، ولا نترفّع عنه إلاّ بكثير من التواضع والجهاد. أرادت الحركة لنفسها أن تعمل على الصعيد الأنطاكيّ ككلّ، واعترف لها بذلك المجمع الأنطاكيّ بطرْس رسميّ أعطيَ لها منذ السنة ١٩٤٣. فهي بذلك مدعوّة إلى أن تكون أداة فعّالة في مواجهة النمط الاستقلاليّ السائد لصالح وحدة أنطاكيّة متراصّة تخدم الشهادة الأنطاكيّة، وحضور الكنيسة على أكثر من ساحة في المدى الأنطاكيّ. فما لا تستطيع الحركة أن تسمح به لنفسها هو أن تساهم في هذا المنطق الاستقلاليّ، بل على العكس، ربّما كان وجودها في عدد كبير من الأبرشيّات دعوة لكي تكون أداة توحيد للجهود الأنطاكيّة.
فالحركة هي كالدم الذي يجري في جسم الإنسان. إن كانت نقيّة ساهمت في أن يكون الجسم الكنسيّ كلّه معافى. وإن اضطربت نقاوتها، ضعفت قدرة الجسم كلّه على المقاومة. هذه صورة رمزيّة طبعًا لأنّ الكنيسة هي جسد المسيح والذي يتحرّك بالنعمة التي تأتينا من الأسرار المقدّسة ومن حلول الروح بيننا. على الحركة أن تكتشف لنفسها دور الدم هذا. فالدم لا يحلّ محلّ أحد، ولا يستغني عن أحد، ويبقى ضروريًّا للجسد طالما كان نقيًّا وناقلاً للمقوّمات الحيويّة التي يحتاج إليها الجسد. متى فسد الدم يقوم الأطبّاء بتبديله وعن حقّ. مبادئ الحركة الستّة تقوم بجوهرها على أهمّيّة هذا الدور.
فكيف تجد الحركة لنفسها اليوم دور الدم؟ ماذا عليها أن تفعل لتكون في الجسد كلّه، ويشعر الجسد أنّها نافعة له؟ كيف تبتعد الحركة عن استقلاليّة قاتلة وتبشّر بأن كلّ نزف يضعف الجسد ككلّ؟ أسئلة مطروحة ليس فقط على ضمير الحركة، بل على ضمير التنظيم الكنسيّ بأسره.
في التربية
نصّت أربعة من المبادئ بوضوح على موضوع التعليم، والثقافة، ومعرفة »روح الكنيسة الأرثوذكسيّة«. لذلك اهتمّت الحركة بشكل مميّز بموضوع التعرّف إلى الأرثوذكسيّة بشكل فذّ يخرج على ما كان موروثًا، والذي كان يتبّع النمط الكلاسيكيّ في كتب تعليم دينيّ مستوحى من النمط الغربيّ الذي كان سائدًا في حينه. فمنذ مطلع الخمسينيّات وحتّى سبعينيّات القرن الماضي عملت الحركة على اعتماد سياسات جديدة في النشر، والمقاربات التربويّة، والاطّلاع على الفكر المستقيم الرأي والمتجدّد الذي ظهر في أوروبّا تحت تأثير عدد من اللاهوتيّين الأرثوذكسيّين، وبخاصّة الروس منهم.
وكان لعدد من المسؤولين الحركيّين الدور المهمّ في التأكيد على ضرورة تأسيس معهد جامعيّ للاهوت تكون العربيّة لسانه. فتطوّرت ظاهرة الكتابات اللاهوتيّة والفكريّة باللغة العربيّة، ما أغنى المكتبة العربيّة المكتوبة والمعرّبة بمؤلّفات عديدة متنوّعة الأهداف منها التربويّ، ومنها الدراسيّ، ومنها الاجتماعيّ. رافق هذا الجهدَ التأليفيّ، جهدٌ تنظيميٌّ تمثّل بتطوّع عدد كبير من الشباب في الجهد التعليميّ للصغار والمراهقين ما لبث أن أصبح أحد معالم العمل الحركيّ الأساس.
هل أثّر هذا المجهود الضخم والفذّ في الثقافة الدينيّة للسواد الأعظم من الأرثوذكسيّين؟ هل بقي هذا المجهود على وتيرة التجديد الدائم، وفحص ذاته باستمرار بمصداقيّة ومقاربة نقديّة إيجابيّة؟ هل من طرائق جديدة يجب أن تعتمد كوسائل لا بدّ منها لمتابعة العمل المرجوّ بشكل أفعل؟ هل نحن بحاجة في أنطاكية إلى تطوير الأطر وتوحيد الجهود المبذولة؟ هل لنا أن نسأل عن المضامين التربويّة التي يجب أن نعمل عليها لتخاطب الإنسان المعاصر، والشباب، والعائلات؟ أسئلة لا بدّ من أن تطرح، وأن نجيب عنها كجسم كنسيّ حيّ.
لكن علام يمكن أن يقوم دور الحركة في هذا المجال، وفي كلّ الأبرشيّات أعداد من الكهنة القادرين على الاهتمام بالأمر التربويّ بشكله التعليميّ؟ ربّما كان الجواب في المبادئ ذاتها. فهي لم تذكر لا الأطفال ولا المراهقين بشكل خاصّ، بل ذكرت »سائر أبناء الكنيسة« في المبدأ الأوّل، »والشعب« في المبدأ الثاني، وبقيت على الدعوة العامّة في المبادئ الأخرى. ربّما كانت الحاجة اليوم إلى أن تفكّر الحركة في تغيير الأولويّات التي اعتمدتها عمليًّا بعد الثمانينيّات من القرن الماضي. فمع عملها التطوّعيّ في الأبرشيّات كافّة إلى جانب الرعاة في العمل الشبابيّ لها أن تفكّر ربّما في الهمّ الرعائيّ الذي عبّرت عنه "وثيقة العمل الرعائيّ« والتي قلّ ما ترجمتها الحركة في حيّز الواقع. يتطلّب هذا التوجّه من الحركة أن تدخل في عمليّة استشاريّة واسعة حول حاجات المؤمنين للكلمة.
من ينظر اليوم إلى ما تنشره الحركة في مجلّتها »النور« أو في »تعاونيّة النور للنشر«، لا يجد بالضرورة ما يعكس هواجس الناس وحاجتهم إلى كلمة حقّ تستلهم استقامة الرأي. يفتقر القسم الأكبر من الكتابات الحديثة إلى الروح التجديديّة التي تبحث عن الأصالة لا عن الترداد، والتي لا تماهي بين النموّ في المسيح والمسعى التقويّ، والتي لا تربط القداسة بالعجيبة بل بإطلالات الروح على بسطاء شعبنا. يستطيع المؤمنون اليوم التفتيش عمّا يرغبون عبر التقانات الحديثة، وهم يشهدون للتحدّيات الفكريّة التي يطرحها غيرنا والتي تمسّ هواجسهم. المؤمنون بحاجة إلى نقاشات لا إلى إسقاطات. غير صحيح أنّ استقامة الرأي وقف على أحد، أو على تيّار، أو على نمط. ليس لأحد لا الحقّ، ولا القدرة على أن يماهي بين نفسه (أو موقعه) واستقامة الرأي. استقامة الرأي مجال رحب للمبادرة، والنقاش، وفحص الأمور بمحبّة على ضوء الكلمة. هذه الحرّيّة الفكريّة مدعوّة إلى أن تدخل كلّ بيت أرثوذكسيّ. هل هذا هو الدور التربويّ الجديد للحركة ؟ ربّما.
في حضور الأرثوذكسيّة
خصّ المبدأان الخامس والسادس حضور الأرثوذكسيّة على الصعيد العالميّ بأهمّيّة لافتة، وأكاد أقول نبويّة. فمنذ خمس وسبعين سنة، كان من الجديد الكلام على الأرثوذكسيّة العالميّة أو على الحركة المسكونيّة. رغم ذلك ركّزت الحركة على هذين الموضوعَيْن وعملت عليهما بالفعل. انطلق هذا العمل من قناعة راسخة ألا وهي خصوصيّة أنطاكية ككنيسة ليس لها صبغة إثنيّة معيّنة، ولها خبرة طويلة في مجال التعايش مع طوائف أخرى. فقد ساهم عدد كبير من الحركيّين في الوفود الأنطاكيّة التي ذهبت إلى المؤتمرات المسكونيّة، كما كان لعدد من الحركيين دورٌ مميّزٌ في قيادة عمل أرثوذكسيّ دوليّ. وهم فعلوا ذلك دومًا بمعرفة الرئاسة الكنسيّة وبمباركتها، لأنّهم وعوا أنّ حضورهم على الصعيد الأرثوذكسيّ، كما على الصعيد المسكونيّ، هو مرآة لدور كنيستهم حتّى ولو كان ذلك على الصعيد الشبابيّ. هذا ما ميّز في كثير من الأحيان الحضور الأنطاكيّ الذي لم يعرف فصامًا بين انتمائه للأرثوذكسيّة وهويّته الكنسيّة المحلّيّة.
تطوّر الوضع المسكونيّ جدًّا ودخلت عليه عناصر لم تكن في الحسبان السنة ١٩٤٢. وتعدّدت المواقف حياله وليس أقلّها تكفير كلّ من يتعاطاه. هذا هو أيضًا واقع الأرثوذكسيّة العالميّة فتطوّرت العلاقات بين الكنائس ووصلت إلى حدّ التأزّم مع اجتماع كريت في حزيران المنصرم. صحيح أنّ عددًا من الحركيّين لا يزال يتابع هذه المواضيع مع غيرهم من المؤمنين من إكليريكيّين وغير إكليريكيّين، لكن يبدو لمراقب ما يصدر عن الحركة اليوم، أنّ متابعة هذا الأمر على الصعيد التربويّ ضعيف وعاد لا يشكّل الهاجس الذي رافق التأسيس.
فاستقامة الرأي ليست وقفًا على الإكليريكيّين مع أهمّيّة دورهم. استقامة الرأي هي الشغل الشاغل لكلّ مؤمن، وعليه أن يعي أنّ أهمّيّة أن يسهر عليها ليس في أنطاكية فقط بل في العالم كلّه. الأخطار تتهدّد الأرثوذكسيّة العالميّة من كلّ صوب. منها ما هو خارجيّ ومتمثّل بحركات التبشير التي تنهش في جسمها في كلّ الكنائس، وفي عدد كبير من رعايانا حتّى في أنطاكية. ومنها وما هو داخليّ، كالفكر الأصوليّ الذي يبثّ هنا وهنالك باسم المحافظة على الأرثوذكسيّة، وكأنّ استقامة الرأي هي مرادفة للجمود. والحركة مدعوّة إلى تنوير الأرثوذكسيّين على دورهم في العالم كي يشهدوا للرجاء الذي فيهم. ولأنّ لأنطاكية خصوصيّة في العالم، فعلى الحركة أن ترى كيف تؤدّي دورًا مميّزًا كجزء من هذا الجسم الأنطاكيّ الذي له أن يشهد للحقّ مهما كلّفه الأمر.
الحركة ليست منظّمة. هي هذا الحراك الكنسيّ المستمرّ الذي دعا الربّ تلامذته إليه. كما أنّه ليس لابن البشر مكان يلقي إليه رأسه، كذلك ليس لمحبّيه أن يرتاحوا بل لهم أن يتأمّلوا باستمرار بمقولة الرسول: »الويل لي إن لم أبشّر«.l