تقاسيم على مبادئ الحركة الستّة
الأب بولس وهبه
حاولت أن ألـخّص المبادئ الستّة التي قامت عليها حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة، منذ نشأتها في أوائل أربعينيّات القرن العشرين، فوجدت أنّها وعت وسعت لأن تكون حركة روحيّة، نهضويّة دينيًّا وثقافيًّا، مبشّرة، داعمة وحاضنة للثقافة الأرثوذكسيّة، ملتزمة كنسيًّا واجتماعيًّا مع انفتاح مسكونيّ، بعيدًا عن التعصّب الطائفيّ ضمن الكنيسة الأرثوذكسيّة الجامعة.
عمل الكثير من أوائل الحركىّين ليكونوا أمناء لهذه المبادئ، وحاولوا بثّ هذه الروح في الأجيال التي تلت، الذي كان كلّ منها يورث الأمانة إلى الذي يليه ضمن دائرة كانت تتوسّّع باستمرار لتشمل أبرشيّات لبنان وسوريا كافّة في مسيرة نهضويّة ساعية باستمرار لنفض الغبار الذي تراكم فوق الكنوز المختزنة في الكنيسة، من ليتورجيا وتاريخ وثقافة تتّصل بروحيّة آباء الكنيسة وأمّهاتها وتعاليمهم، فكان الروح يهبّ في المئات من النفوس لكي تلتزم الكنيسة، جماعات وأفراد، خدمة وتكريسًا، فصار الكثيرون فخورين بانتمائهم إلى الكنيسة التي هي نتاج الكنيسة واستمرار لها، بأمانة لتعاليمها ولوصايا ربّها الذي كان وما يزال يعمل فيها لمجده ومجد كنيسته.
لكنّني، في هذه المقالة، سأركّز على المبادئ الثلاثة الأولى، وبخاصّة على عنصريّ التبشير والثقافة. للتبشير بعدان: بالأقوال وبالأفعال، والثاني هو الأمضى جدًّا والأفعل في نفوس المتلقّين. أنا ألاحظ اليوم أنّ التركيز على هذا الأمر قد خفّ، ربّما نتيجة ضغوط الأيّام التي نعيشها، من اقتصاديّة واجتماعيّة ومعيشيّة وتكنولوجيّة وعلائقيّة وغيرها، ما يجعل استسهال الالتزام بهذا أكثر سهولة. إنّ تحليلي لهذا الأمر، وكنت قد أعددت أطروحة الماجستير حول الحركة قبلاً، هو أنّ السبب هو ضعف مركزيّة الحركة لناحية كونها حركة تسعى إلى النهضة في الكرسيّ الأنطاكيّ ككلّ. صحيح أنّ الحركة في الأبرشيّة تعمل تحت طاعة أسقفها وإرشاداته، إلاّ أنّ الصحيح أيضًا هو أنّها يجب أن تبتدع قوالب جديدة وخلاّقة لنفض غبار التهاون في هذا المجال، والذي قد لا يكون لها ذنب فيه في كثير من الأحيان. أين إيجاد صيغ التلاقي؟ هل لفشل حصل في أكثر من مكان أن يؤسّّس للاستقالة من اقتحام مبدأ قامت عليه الحركة بالأصل؟
إلاّ أنّ التبشير، أي الامتداد لاصطياد الآخرين عبَر التزام المبشّر مبادئ الكنيسة المترجمة في مبادئ الحركة، لا يمكن أن يقوم إلاّ على الثقافة. الثقافة في الكنيسة لا تعني تجميع المعلومات، بل تعني السعي عبرها وعبر الصلاة والتوبة والالتزام الكنسيّ، إلى أن تكون دافعًا للمجاهرة بأنّ كنيستنا هي الجوهرة الجزيلة الثمن التي تكلّم عليها الربّ. الثقافة تشمل المعرفة، والمعرفة، في عرف الإنجيل، هي العلاقة مع الربّ (تكوين ٤: ١؛ يوحنّا ١٧: ٣). الثقافة ليست في التبشير فقط، وإن كان لي رأي في وجوب الاتّجاه المتعاظم نحو التآليف الموجّهة إلى المسيحيّ العربيّ في واقعه وضمن اهتماماته، بل في التزام الساعي لها بأخلاق الكنيسة وصلواتها، كما يلتزم المثقّف بالثقافة التي نهل منها ويصبو إلى تعميقها.
التبشير والثقافة جناحان، دعوتي إلى حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة اليوم أن تتحوّل، جزئيًّا، إلى حركة فكريّة تنتج فكرًا أرثوذكسيًّا مشرقيًّا، وتدعو الناس إليه بالعمل والقول والفعل. يجب أن تنحو الحركة إلى أن تكون معملاً فكريًّا ورؤيويًا ونهضويًّا وكنسيًّا. هذا مشروع ضخم، ولكنّ الإنجازات العظيمة تبدأ بحلم، وتتحوّل إلى رؤية ومن ثمّ إلى واقع. هذا يلزمه التزام عظيم، وكلّنا له.l