2017

1. الافتتاحيّة: مبادئ حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة - الأب إيليّا (متري) – العدد الثاني سنة 2017

 

مبادئ حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة

 

الأب إيليّا متري

 

 

أحببنا أن نخصّص هذا العدد، من مجلّة النور، لمساهمات أخويّة تتكلّم على مبادئ حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة. إنّها قراءات تعتمد المعنى الأساس الذي دفع الإخوة المؤسّّسين إلى أن يخطّوا سطورًا (مبادئ)، على قلّتها، غايةً في الغنى الذي يكشف النهضة في قرارها ونهدها إلى آفاق تفترضها.

سألت نفسي مرارًا: لِمَ المبادئ الحركيّة ستّة؟ هذا سؤال أتاني، وكرّر ذاته عليَّ، بعد أن حاولت أن أفهم أنّ للأرقام معانيها. وعلى أنّ الأجوبة التي مرّت ببالي عديدة، رسوت على قناعة بأنّ الحركيّين الأوائل لم يحبّوا، في خطّهم مبادئهم، أن ينسبوا الكمال إلى أنفسهم في أيّ شيء. لم يكتبوا سبعةً، أو عشرةً، أو اثني عشر، أو مئةً، أو ألفًا. وضعوا ستّةً يحرّكهم، كما يحلو فهمهم، وعيهم أنّ الكمال، في أيّ طرح يبتغي الجدّة ونشرها، يجب أن يدلّ، دلالةً مطلقةً، على اللَّه وحده. تواضعهم، إذًا. وعيهم أنّهم تراب، إذًا. رأوا أنّ حلمهم قادر على أن يزلزل كلّ عروش الخطايا التي هي، في واقعها، »نسيج عنكبوت«، والتزموا، بخفر ليس مثله خفر، أنّهم »عبيد بطّالون«. وهل يكلّف اللَّه مسؤوليّة خدمة الجدّة، في كنيسة تجاهد في زمان الغربة، سوى مَن يعي أنّه تراب، »دودة لا إنسان«؟ ليس من دلالة تفوق دلالة أنّك تؤمن بمجد اللَّه، بعمله فيك، بأنّك تريده أن يعمل كلّ شيء، كما أن تحيا على قناعة دائمة بأنّك لا شيء.

في الشكل، إذًا، للعدد وحيه. وهذا وحي ليس مثله وحي. هذا وحي اللَّه الذي ما من أحد سواه كاملاً، اللَّه القادر على أن يجعل اللاشيء كلّ شيء، الذي يقلب المقاييس، والذي يَخلق من العدم دائمًا.

إلى العدد، أخذني، أيضًا مرارًا، أن أسأل: لِمَ يضع بشر، آمنوا بحقّ الإنجيل، مبادئ لهم؟ ورسوت، أيضًا، على أنّ المبادئ الحركيّة إنّما تترجم ما تطلبه كلمة اللَّه وعيًا وخدمة. هكذا، فقط لا غير. وهذا يشرّعه أنّ الكلمة هي رسالة اللَّه إلينا الآن. فالحركيّون، في مبادئهم، لم يخترعوا تعليمًا جديدًا، شرعةً أخرى. لم يضيفوا شيئًا إلى ما »سلّم إلى القدّيسين تامًّا« (يهوذا 3). أرادوا أن يسعوا إلى أن يوافقوا نهضة المسيح، وتاليًا إلى أن يُعالج كلّ ما يجرح إنجيل اللَّه، حيث هو مجروح، أو حيث يستهان بسلطته العالية. فالنهضة، واقعًا ومرتجى، دواء الغفلة، والجهل، والتفرّد، والغربة، والإهمال، واستحباب الفاني على الباقي، وكلّ إغلاق للقلب دون الآخرين، قريبين أو بعيدين، ليكون اللَّه، وحده، هو »الكلّ في الكلّ« (1كورنثوس 15: 28). أي النهضة هي دعوة إلى الوعي، والقربى، والمعرفة الحقّ، والعمل بما يوافق مجد اللَّه، وعيش الأخوّة، وانفتاح على جميع الذين يريدنا اللَّه أن نحبّه فيهم. وإذا قال الحركيّون إنّ هذه مبادئُهم، فيعني أنّهم هم، قَبْلَ سواهم، يطالِبون أنفسَهم بطاعة الحقّ في حاضر يحبّونه أن يوافق الحقّ أبدًا. فالمبادئ لم يضعها واضعوها، ليتعالوا على واقع كانت فيه مخالفات مُرّة، كوارث مهلكة. فاللَّه، الذي لا يمكن أن يوحي بحقّه عفوًا، لا يمكن، تاليًا، أن يثق بمَن يراهم يحتكرون وحيه الذي يُغني الكلّ. وهذا، عندي، ما دفع الجماعة الحركيّة، حبًّا بما كشفه الحقّ نفسه، إلى أن يكون طموحها أن يمتدّ »فكر المسيح« إلى كلّ مَن يجب أن يعنيه رضاه، أي أن »تدعو سائر أبناء الكنيسة الأرثوذكسيّة إلى نهضة دينيّة، ثقافيّة، أخلاقيّة، اجتماعيّة« (المبدأ الأوّل). باختصار، كلّ مَن عطّر الروح قلبه بنسائم أبده لا يفوته أنّ الحركيّين، ولا سيّما المعتبَرين بينهم، انتهجوا، منذ أن منّ اللَّه عليهم بأن يقوموا، أن يقرنوا الكلام بالعمل، أي أن يُخاطِبوا، إلى الكلّ، في غير أمر يفيد كنيستهم، أنفسَهم أوّلاً، ويجاهدوا، تاليًا، مع الإخوة الذين يجاهدون.

هذا كلّه يدفعنا إلى أن نؤكّد أنّ للمبادئ الحركيّة ضرورتين لا ينسخهما جيل. الضرورة الأولى، تخصّ كلّ مَن انتسبوا إلى هذا التيّار الحيويّ، ليبقوا على إخلاصهم للمحبّة الأولى. فما أشعل قلوب المؤسّّسين، فخطّوه مبادئ، يجب أن يبقى يشعل قلوب الذين مشوا في ركابهم. والثانية تخصّ كلّ مَن حلت له نسائم الجدّة، وأراد أن يملأ رئتيه منها. فالمبادئ، على ضوء هذه الضرورة الثانية، شرط أساس لكلّ مَن أعطاه روح اللَّه أن يرى أبوابَ الكنيسةِ مفتوحةً، ليدخل منها، ويقعد إلى مائدتها العائليّة المباركة، ويأكل »سمكًا مشويًّا وشهد عسل«. هذا غير الجمود. فلقد سمعنا بعضًا يقولون إنّ لهب الحركة قد ولّى. والمفارقة أنّنا لم نسمع أحدًا، ممَّن يتّهمون التيّار النهضويّ بأنّ أعضاءه، من دون لهب، يجترّون ما استلموه منذ ما يزيد على خمس وسبعين سنةً، قد أتى باقتراح نافع، لنرى إن كان على حقّ، »نرى، ونؤمن«. في بعض جوانب البيت ضجّة، ضجّة فحسب. صار الإخلاص للرؤية، التي لا تشبهها رؤية، في نظر بعض، عيبًا أو تعدّيًا على حاضر بإرثٍ يُراد له أن يُحفظ في خزائن الماضي. وإن أكّدنا التزامنا مبادئنا، التي نرى فيها إخلاصًا كاملاً لوحي اللَّه، فلعمري ليس هذا بردّ فعل على أحد. إذ ما من عيب أن يبقى الإنسان مخلصًا لإرثه، وأن يحافظ عليه كما على نور عينيه. العيب، كلّ العيب، أن يُهمَل النور. ولذلك ستبقى المبادئ الحركيّة معيار إخلاص لكلّ مَن يعتبرونها مبادئهم، ولكلّ مَن يودّ أن يعتبر.

هذه صفحات في مبادئ سطّرها الولع. ولكنّ المبادئ لا تبتغي أن يُكتب عنها فقط، بل أن تكون، دائمًا، أناسًًا ظلّلتهم الرحمة، وأخلصوا لها في حلّهم وترحالهم، ناموا أو قاموا، لتبقى السماء في فرح.

هذه صفحات ندفعها إلى عيون قرّاء مجلّة النور لـ»تجديد المحبّة« ومدّها في كلّ موقع يعوزها.l

© حقوق الطبع والنشر 2025 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search