2016

11- قضايا معاصرة - تفشّي "الداعشيّة" – شفيق حيدر – العدد السادس سنة 2016

 

تفشّي الداعشيّة

شفيق حيدر

 

»الداعشيّة« لفظة يكثر استعمالها في هذه الأيّام. هذا صحيح، إلاّ أنّ معناها قديم سحيق. هي، اليوم، نسبة إلى الدولة الإسلاميّة في العراق والشام (داعش)، وهو التنظيم الإرهابيّ الزارع الرعب في دنيا العرب والعالم.

مضمون الداعشيّة أنّها استغلال اللَّه والإيمان من أجل الأهواء والمصالح ومشتهيات النفس »الأمّارة بالسوء«. هذا هو قصدي أنّ الداعشيّة قديمة. كم من جماعة دينيّة أو سياسيّة، كم من حاكم  أو ملك أو أمير أو رئيس، كم من رجل دين في تاريخ المسيحيّة (الشرقيّة والغربيّة) والإسلام، وغيرهما من الديانات »داعشيّون« هم! من هنا لا بدّ من التأكيد أنّ الداعشيّة الجديدة القديمة عامّة، ولا تُحصَر في عقيدة سياسيّة أو دينيّة. لجأ إليها كثير من الناس في التاريخ، ويلجأون إليها اليوم. ولا أستثني فريقًا. هؤلاء يسخّرون اللَّه وإيمانهم، ليرهبوا، ويفرضوا رأيهم. هؤلاء يحتكرون، ادّعاءً، اللَّهَ والحقيقة.  

الشواهد على ذلك كثيرة اليوم وأمس، والأمل أن تمّحي غدًا. كم من إرهابيّ تشبّث برأيه بحجّة الإلهام الإلهيّ، كم من رجل دين أو سياسيّ صمّ سمعه، وألغى الآخرين، وعطّل الحوار مدّعيًا أنّه ينقل إرادة إلهيّة تنزّلت عليه. كم من الظلم ارتكبته بعض الجماعات الدينيّة أو السياسيّة باسم الدفاع عن الحقّ؟! كم من الجرائم مورست وتمارس اليوم باسم الضمير المرتاح أو تلطّيًا وراء: اللَّه يحاسبني؟! والأمثلة على ذلك وافرة: قطع الرؤوس والذبح والقتل وإصدار الأحكام المبرمة من دون مناقشة أو محاكمة أو سؤال...

هذه هي الداعشيّة المتفشّية في أوساطنا المختلفة، وحتّى الدينيّة منها. إنّها منطق وطريقة تفكير. والمؤلم الموجع أنّها باتت من المنطلقات في مجالات حياتنا الدينيّة والسياسيّة. وكمؤمن متألّم سألت يوما: هل يجوز أن تكون مؤسّّسة دينيّة ظالمة، قاتلة باسم اللَّه بدلاً من أن تقيم العدل وترعى الحقّ؟ أجابني صاحبي الذي سألته: ما بالك نسيت التاريخ! عد إليه ألا تتعلّم من مدرسته أنّ مثيل تلك المؤسّّسة كان، في بعض الأحايين، الأظلم في تاريخ البشر، لأنّ القائمين عليها تعبّدوا لإله أناهم. والأنا مقيت.   

ولكــنّ ما يعزّي الطيّبيــن أنّ مــوجات الصحوة هـاجــت وتهـــوج مــن حين إلى آخر، هنا وثمّة، وتدعو إلى الإيمان بالروح والحقّ. إلاّ أنّها كثيرًا ما تخبو وتهدأ أيضًا، وذلك باسم التديّن والتقوى والطاعة.

في غمرة عيد التجلّي صلاتي أن يتجلّى الإله الحقيقيّ في الأديان والمؤمنين والعاـلم. وحده نور التجلّي هو المنقذ. l

© حقوق الطبع والنشر 2025 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search