2014

14. الأخبار – العدد الخامس سنة 2014

دمشق - سورية

بيان صادر عن بطريركيّة أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس

وسط كلّ ما يجري في منطقة الشرق الأوسط من خراب، وفي خضمّ الأحداث الأخيرة التي تنال من المسيحيّين ومن غيرهم تهجيراً وقتلاً، ووسط أحداث سورية واستباحة غزّة، تطالعنا بعض الأوساط الرسميّة الناطقة باسم بعض حكومات الغرب من فترة إلى أخرى بتصريحات و»دراسات« هنا وهناك، لتتباكى وتتضامن مع مسيحيّي هذه الرقعة أو تلك، وتصف أوضاعهم بشكل يشجّع على ترسيخ المنطق الأقلّويّ.

لكنّ جديد هذه التصريحات هو ما أتى مؤخّرًا بشأن استعداد الحكومة الفرنسيّة لاستقبال المسيحيّين العراقيّين ومنحهم اللجوء السياسيّ، ودراسة صادرة عن وزارة الخارجيّة الأميركيّة تصف حضور المسيحيّين في الشرق الأوسط على أنّه »ظلّ ما كان عليه سابقًا«.

يهمّنا في بطريركيّة أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس أن نؤكّد أنّ الأوضاع القاسية في الشرق لا تبرّر أن يتّخذ البعض من الظرف القائم »حصان طرواده«، لإفراغ الشرق من مسيحيّيه ولتصوير ما يتعرّض له المسيحيّون في المشرق كمشابه لما يحدث في أماكن أخرى من العالم للأقلّيّات الدينيّة أو العرقيّة.

نحن نعتقد أنّ مساعدة المشرقيّين، ومنهم المسيحيّون والمسلمون، تكون أوّلاً بقطع دابر الإرهاب في ديارهم الأمّ وبالكفّ عن تغذية حركات التطرّف والتكفير التي يعرف الجميع مصادر تمويلها والدول والحكومات التي تقدّم لها الدعم المعنويّ واللوجستيّ والعسكريّ وعبر تحالفات دوليّة غير مُعْلنة.

إنّ خير وسيلة لمساعدة مسيحيّي المشرق ومسلميه تكون بالدفع نحو إحلال السلام فيه وذلك بالحوار والحلول السياسية، والرفض العمليّ لكلّ ما يغذّي أسباب وجود هذا التطرّف، وربّما يكون من أهمّها الظلم اللاحق بالشعب الفلسطينيّ، وباعتماد إعلام منصف يظهر دور المسيحيّين الفاعل في حياة أوطانهم بعيدًا عن كلّ تعداد بشريّ.

نقولها للجميع، إنّ الحاضنة الوحيدة لمسيحيّي هذه الديار ولمسلميها هي أرضهم وأوطانهم التي عاشوا فيها جنبًا إلى جنب منذ قرون، وصنعوا فيها حضارة تميّزت بالشراكة الحقيقيّة ونقلت إلى العالم الغربيّ التراث الإنسانيّ وزادت عليه.

وإنّنا، نحن مسيحيّي هذه الديار، لن نقبل أن يُفرض علينا من الخارج المنطق الأقلّويّ، ونؤكّد من جديد أنّنا كنّا وسنبقى مؤتمنين على رسالة إنجيلنا التي حملها إلينا أجدادنا منذ ألفي عام، وهؤلاء الأجداد أوصلوها لنا محتملين ضيقاتٍ عدّة، والبذرة التي سُلّمت إلينا في المشرق سنحفظها فيه وننمّيها ونبقى أوفياء لها.

 

بيان صادر عن بطريركيّة أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس

دمشق، 23 تموز 2014

في الوقت الذي ما زال فيه جرح سورية نازفًا منذ أكثر من ثلاث سنين ووسط جروح العراق الذي اختبر مآسي الصراعات منذ ثمانينات القرن الماضي والقلاقل التي تجتاح كثيرًا من الدول القريبة والبعيدة ووسط ركون العالم إلى جرح فلسطين الذي لم يندمل منذ ما يقارب السبعين عامًا، نشهد، في هذه الأيّام خصوصًا، جرحًا مضاعفًا يتمثل بتهجير مسيحيّي الموصل واستباحة غزّة وسط صمتٍ دوليٍّ معيب.

وكأنّ دوامة العنف التي تجتاح العراق وسورية والتي هجّرت الكثير من المواطنين الآمنين لم تكف، فأتت الأحداث الأخيرة في العراق وفي الموصل بالتحديد لتكمل مسلسلاً من القتل والتكفير والإرهاب. ندين بشدّة التعرّض لأيّ طرف من أطراف هذا المشرق ونستنكر بشكل خاصّ التعرّض للمسيحيّين في الموصل وإجبارهم بقوّة السلاح على تغيير معتقدهم تحت طائلة فرض الجزية أو هجر البيوت ومصادرة الممتلكات. إنّ هذه الحركات الأصوليّة، والتي تسعى إلى أن تكوّن دويلات بمنطق القوّة وترهيب الآخر وبدعم مادّيّ ومعنويّ من الخارج، هي أخطر ما تكون على إنسان هذا المشرق وعلى العيش المشترك في رحابه. نطالب المجتمع الدوليّ وهيئة الأمم المتّحدة بالتحديد وكلّ القوى والمنظّمات العالميّة النظر بعين الحقّ إلى ما يجري في العراق والموصل وكلّ منطقة الشرق الأوسط، ونهيب بهم التعامل بشجاعة مع هذه الأوضاع الراهنة بلغة الإنسانيّة الحقّ لا بلغة المصالح التي تستخدم مبادئ الحقوق الإنسانيّة وتطوّعها خدمةً للمآرب والمصالح الضيّقة. كما نطالب الدول التي تؤمّن الدعم الخارجيّ لهذه الحركات، مباشرة أو بشكل غير مباشر، بالوقف الفوريّ لكلّ أشكال الدعم المادّيّ واللوجستيّ والعسكريّ والمعنويّ لهذه الحركات المتطرّفة وقطعِ دابر الإرهاب الذي هو خطرٌ أوّل على شعوب وسلام تلك الدول أوّلاً. كما ندعو إلى الكفّ عن اللجوء إلى كلّ شكل من أشكال العنف كوسيلة تعامل بين المواطنين.

نحن في بطريركيّة أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، إذ نؤكّد دومًا أنّ المسيحيّين والمسلمين هما رئتان لجسد مشرقيٍّ واحد، يقوم على المواطنة والعيش الواحد، نرفض كلّ ما من شأنه أن يسيء أولاً إلى سمعة الإسلام السمح الذي اختبرنا وإيّاه طيب أخوّةٍ وسلام عيشٍ، وأن يعطِّل ثانيًا حقّ المواطنين بممارسة حضورهم الوطنيّ بعيدًا عن أيّ ضغط فئويّ، مذهبيًّا كان أو عرقيًّا.

ووسط تفرّج العالم على ما يجري في الموصل، ها هو مسلسل العنف يتكرّر في قطاع غزّة تحت مبرّرات عدّة وسط صمتٍ دوليٍّ مريب. كلّ ذلك والعالم الخارجيّ يكتفي بالتفرّج على حمّام الدم الذي لم يوفّر أطفالاً ولا شيوخًا ولا نساءً. وكأنّ هذا المشرق قد أمسى مختبرًا لفعاليّة كلّ أنواع الأسلحة وأرضًا خصبة تمر عليها كلّ المؤامرات. وكأنّ إنسانه سلعة تجارية خُلقت لتكون عجينةً في يد قوى الظلام، وهو المخلوق ليكون صورة البهاء الربّانيّ ومحطّ إنسانه سلعةٌ مرضاة الخالق بحسن العلاقة مع الأخ في الوطن والإنسانيّة.

نحن في بطريركيّة أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، ندرك وحدة المصير التي تربطنا مع إخواننا في فلسطين من مسيحيّين ومسلمين، ونطالب المجتمع الدوليّ بوقف آلة النار في غزّة ورفع الحصار الآثم عن إخوتنا في فلسطين، الذين تبقى قضيتهم قضيّة البشريّة بامتيازٍ ويبقى تشبّثُهم بأرضهم وتوقُهم إلى العودة إليها مبعث أملٍ لكلّ معذّبٍ في هذا المشرق ووصمةَ عار في جبين من تقف »حقوق الإنسان« عندهم عند روابي فلسطين، في حين تُجيَّرُ هذه »الحقوق« ويُتاجَر بها للتدخّل في شؤون شعوب أخرى.

نصلّي إلى اللَّه أن يعطي العالم السلام وأن يقوّي كلّ من هم في ضيق ويديم سلامه في المشرق لتنعم الإنسانيّة بالخير والطمأنينة.

 

البلمند - لبنان

١- مؤتمر »الوحدة الأنطاكيّة، أبعاها ومستلزماتها«

افتتح غبطة بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنّا العاشر (يازجي) المؤتمر الأنطاكيّ الذي يحمل عنوان »الوحدة الأنطاكيّة أبعادها ومستلزماتها«، في جامعة البلمند، بمشاركة غبطة البطريرك المارونيّ مار بشارة بطرس (الراعي)، وغبطة بطريرك السريان الأرثوذكس مار إغناطيوس أفرام الثاني (كريم)، وغبطة بطريرك الروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث (لحّام)، وغبطة بطريرك السريان الكاثوليك إغناطيوس يوسف الثالث (يونان)، وغبطة بطريرك الأرمن الكاثوليك نرسيس بطرس التاسع عشر، كما حضر سعادة السفير البابويّ غابريل (كاتشيا)، القسّ سليم صهيون، الأب رويس الأورشليميّ ممثّلاً بطريرك وبابا الإسكندريّة تاواضوروس، ومطارنة الكرسيّ الأنطاكيّ ومطارنة الأبرشيّات الأخرى، إضافة إلى عدد من الشخصيّات السياسيّة اللبنانيّة والسوريّة.

بعد كلمة نائب رئيس الجامعة الدكتور جورج نحّاس التي أوضحت أسباب هذا المؤتمر، كان لغبطة البطاركة مداخلة ثمّنت الدعوة إلى الوحدة.

أمّا غبطة البطريرك يوحنّا، فقد رحّب بالبطاركة والحضور أجمعين وشدّد على أنّ مؤتمر الوحدة الأنطاكيّة في كنيسة أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، يرسم صورة الوحدة الأنطاكيّة ولا يكتفي بالتنظير. فقال: »عندما نتحدّث عن الوحدة، نحن لا نتحدّث عن شيء ينقصنا. نحن لا نقول بأنّنا مشتّتون. لكنّنا نقول إنّنا نسعى إلى أن نشدّ أواصر وحدتنا ونذيب ضعفاتنا في سبيل تقويتها. فوحدتنا ليست بالحلم. هي واقعٌ نريد تمتينه. نحن نقول إنّ هذا المؤتمر خطوة سبقتها خطوات وستلحقها أخرى بعون اللَّه.

أردناه مؤتمرًا تلتقي فيه أنطاكية مؤمنين ورعاةً، بطريركًا، مطارنةً، كهنةً، رهبانًا وراهباتٍ، شيوخًا وشيبةً وشبابًا، لنقول لأنفسنا أوّلاً وللعالم ثانيًا إنّنا بوحدتنا وبتكاتفنا، ورغم تباعد المسافات وتراكم السنين وصعوبات التاريخ وقسوة الأيّام الحاضرة، إنّنا كنّا وما زلنا وبعد ألفي عام من مجيء سيّدنا أهلاً لأن نفخر بمقولة كاتب سفر أعمال الرسل: »ودعي التلاميذ مسيحيّين في أنطاكية أوّلاً« (أعمال الرسل 11: 26)«.

وعلى مدى ثلاثة أيّام ناقش المشاركون مواضيع متعلّقة بالأوقاف وطريقة تنميتها، وبالرعاية والعمل الاجتماعيّ والتواصل ودور الأرثوذكس في المشرق... وفي الختام صدر البيان التالي: »احتضنت التلّة البلمنديّة بين 25 و 28 حزيران 2014 المؤتمر الأنطاكيّ العامّ الذي دعا إليه صاحب الغبطة البطريرك يوحنّا العاشر بمشاركة السادة آباء المجمع المقدّس، والذي تمحور حول الوحدة الأنطاكيّة في أبعادها ومستلزماتها. شارك في المؤتمر مطارنة الكرسيّ الأنطاكيّ وأساقفته، ووفود كنسيّة من الأبرشيّات الأنطاكيّة في الوطن وجميع بلاد الانتشار. كذلك، حضر المطران بولس (يازجي) مطران حلب، في صلوات المؤتمرين الذين تضرّعوا إلى اللَّه أن يعيده إلى كنيسته وشعبه.

واستقبل المؤتمر بفرح كبير في جلسته الافتتاحيّة أصحاب الغبطة بطاركة الشرق الذين خاطبوا المؤتمرين بكلمات حيّة، استلهمت التراث الأنطاكيّ المشترك وميراث القدّيسين، وركّزت على الشهادة الإنجيليّة الواحدة للمسيحيّين في أرض الكنيسة الأنطاكيّة التي ينتمي إليها الجميع. وشكّل حضور أصحاب الغبطة تدعيمًا للمحبّة الأخويّة وتأكيدًا على خدمة الإنسان في »سائر المشرق« حيثما أقامهم اللَّه رعاة لشعبه. كما تلقّف المؤتمرون الرؤى التي تضمّنتها هذه الكلمات، فأكّدوا على ضرورة السعي من أجل اتّخاذ خطوات لاهوتيّة ورعائيّة، تبيّن حضور المسيح بكلّيّته في الأسرة الأنطاكيّة الواحدة، وتكون نموذجًا للوحدة المرجوّة على صعيد العالم المسيحيّ.

وخاطب صاحب الغبطة البطريرك يوحنّا العاشر المؤتمرين بكلمات أبويّة، تضمّنت رؤيته وتطلّعاته، وركّزت على أنّ المؤمنين هم كنز الكنيسة وأنّ الكنيسة بشر أوّلاً قبل أن تكون حجرًا. وشدّد على أنّ الوحدة الأنطاكيّة التي تشكّل موضوع المؤتمر، لا تعني أنّ أبناء الكنيسة مشتّتون، ولكنّها دعوة لهم لأن يشدّوا أواصر وحدتهم ويذيبوا ضعفاتهم في سبيل تقويتها. وحضّهم على التفكير بتدعيم التواصل والتقارب بين أرجاء كنيسة واحدة يلدها جرن المعموديّة الخلاصيّ وتجمعها الكأس الواحدة. وأكّد على أنّ عمل الكنيسة ورشة يشارك فيها الجميع، إكليروسًًا وشعبًا.

وتمحور المؤتمر حول خمسة مواضيع تناولت تفعيل التشاور في الرعايا والأبرشيّات وتعزيز التكامل بين الأبرشيات، وتنمية الأوقاف والتعاضد الماليّ، والعمل الاجتماعيّ والحضور المجتمعيّ والتواصل، عبر أوراق عمل ألقاها متخصّصون، ونوقشت في مجموعات عمل خلصت إلى تقديم اقتراحات وتوصيات، ترفع إلى آباء المجمع المقدّس لدراستها والاستعانة بها في التخطيط المستقبليّ للكرسيّ الأنطاكيّ.

وشدّد المؤتمر على أنّ مشاركة أبناء الكنيسة الأنطاكيّة الفاعلة في لقاءٍ عامٍّ كهذا، وسط الظروف التي نعيشها في المشرق، إنّما هو تعبيرٌ عن الدور الأساس والفعّال لأبنائنا فيه ورسالة للجميع بأنّهم باقون في المشرق، في أُخوّة حياة مع المسلمين، ومنتمون إليه في زمنٍ تشظّى فيه الانتماء إلى الوطن، وقويت فيه رياح إيديولوجيّاتٍ أخرى، من تطرّفٍ وتكفيرٍ وإرهابٍ، إيديولوجيّات غريبةٍ عن ماضي هذا المشرق وحاضره. ودعا المؤتمرون الأسرة الدوليّة إلى النظر بعين الحقّ إلى ما يجري في المشرق عمومًا وبخاصّةٍ في سورية، وناشدوا الجميع بذل الجهد الأقصى لإحلال السلام فيها ضمانةً لسلام المشرق والعالم أجمع. ودعوا إلى صون السلم والاستقرار في لبنان وإلى العمل على ملء سدّة الرئاسة فيه. ونادوا الجميع وقف النزف الحاصل في العراق مصلّين من أجل سلام فلسطين والأردنّ ومصر والعالم أجمع.

وناشد المؤتمرون المجتمعين العربيّ والدوليّ، وجميع الهيئات الفاعلة والضمائر الحيّة لتكثيف الجهود من أجل إطلاق جميع المخطوفين ولاسيّما المطرانان يوحنّا (إبراهيم) وبولس (يازجي) اللذان مضى على اختطافهما ما يزيد عن السنة وسط صمت عالميّ ومحلّيّ مخز.

وكان المؤتمر مناسبة جرى فيها وضع حجر الأساس لـ»مركز جامعة البلمند الطبّيّ«، وتدشين المبنى الجديد التابع للمقرّ البطريركيّ، وذلك استكمالاً للدور الذي تؤدّيه كنيسة أنطاكية في خدمة إنسان هذا المشرق. 

وشكر المؤتمرون صاحب الغبطة وآباء المجمع المقدّس الذين أتاحوا لهم فرصة اللقاء في جوّ من المحبّة والألفة، وثمّنوا دور الأسرة البلمنديّة، ديرًا وجامعة وثانويّة ومعهد لاهوت، وجميع الذين ساهموا في إنجاح هذا المؤتمر.

وعايد المؤتمرون إخوتهم المنتشرين في جميع أنحاء العالم بحلول عيد القدّيسين بطرس وبولس شفيعي الكرسيّ الأنطاكيّ.

وصباح الأحد الواقع فيه عيد القدّيسين بطرس وبولس، ترأّس غبطة البطريرك القدّاس الإلهيّ، عاونه فيه السادة مطارنة المجمع المقدّس وشارك فيه حشد من المؤمنين. وقد ألقى غبطته عظة  جاء فيها: »نحن اليوم يا إخوتي في البلمند في ظلّ عناية العذراء القائدة وتحت قبّة ديرها الشهير في ظلّ زيتون الكورة وفي ضيافة أهلها الطيّبين. نجتمع اليوم في جامعةٍ أرثوذكسيّة أنطاكيّةٍ خرجت من رحم كنيسة أنطاكية لتقول للعالم، إنّ كنيسة أنطاكية التاريخ هي نفسها كنيسة أنطاكية المستقبل وإنّ متحفيّة التاريخ لا تستهوينا بقدر ما يستهوينا اتّخاذ الدروس من الماضي والنظر دومًا إلى الحاضر والمستقبل. وإذا ما تكلّمنا على الوحدة الأنطاكيّة، فإنّنا نجد أنفسنا أمام أوّل وأبسط قواعد وجودها وهو الوجود المسيحيّ في هذا المشرق. كنه وحدة أنطاكية الأرثوذكسيّة والمسيحيّة هو وجودٌ لا بل انغراسٌ مسيحيّ منفتح في أرض المشرق بكلّ بقاعه. وهذا الوجود ضمانه الأوّل سلام هذه الأرض. نحن الآن ههنا لنصلّي من أجل سلام المشرق والعالم.

صلاتنا اليوم إلى الربّ الخالق أن يعطي العالم السلام. صلاتنا اليوم من أجل لبنان. صلاتنا أن نتذكّر، ويتذكّر الجميع دومًا، أنّ هذه البلاد هي التي أوجدت الأبجديّة، والأبجديّة هي صورة الحاجة إلى لقاء الآخر. ما أحوجنا في هذا المشرق وفي هذه البلاد بالتحديد لأن نتذكّر أنّ بلاد الأبجديّة تستحقّ منّا الأبجديّة، أي الحوار والتلاقي. والحوار والتلاقي الداخليّ هما الكفيلان بترسيخ الاستقرار في لبنان. صلاتنا اليوم من أجل سورية. لقد تاق هذا البلد إلى سلامك يا يسوع. لقد تاق إلى صوت التعقّل والاعتدال ولم يألف لغة الدمار والإرهاب. عرفت سورية أمانًا تفتقده الآن. وعرفت استقرارًا وعلمنةً واحترامًا للأديان ولم تعرف يومًا مثل هذا التكفير الذي يرى في الآخر مناقضًا. عرفت دومًا شيوخًا ومطارنةً تحت سقف الوطن ولم تعرف امتهانًا للدين ولا قتلاً للكهنة ولا خطفًا للمطارنة. أليس من حقّنا أن نتوق إلى أيّام سلامها! وأن نؤكّد دومًا أنّ كلّ الصعاب تمحوها كلمة حوارٍ صادقٍ ويذيبها لقيا الآخر! أليس من حقّنا أن نعتدّ بأخوّةٍ، مسيحيّة إسلاميّة كانت وباقية وستبقى رغم كلّ كبوات التاريخ ورغم كلّ ما يساق من إيديولوجيّات متطرّفة خصوصًا في أيّامنا الحاضرة. صلاتنا من أجل العراق ومصر وفلسطين ومن أجل كلّ بقعة من هذا المشرق ومن هذا العالم الذي يتوق إلى السلام والعيش الكريم. يكفينا نزاعاتٍ ويكفينا شعاراتٍ. إنّ ابتسامة أطفالنا ورغد عيشهم خُلقت لتأنسَ سلام هذه الأرض لا صراعها ودمارها. وإنّ خطف الناس ومنهم المطرانان بولس ويوحنّا والكهنة والصمت الدوليّ المطبق تجاه قضيّتهم وقضيّتنا هو وصمة عارٍ على جبين كلّ من تسوّل له نفسه التشدّق بحقوق الإنسان زورًا وبهتانًا«.

 

٢- لقاء بطاركة الشرق

دعا غبطة البطريرك يوحنّا العاشر (يازجي) إخوته غبطة البطاركة الأنطاكيّين مار بشارة بطرس (الراعي) ومار إغناطيوس أفرام الثاني (كريم) وغريغوريوس الثالث (لحّام) ومار إغناطيوس يوسف الثالث (يونان)، إلى حضور افتتاح أعمال جلسة المجمع الأنطاكيّ المقدّس في البلمند اليوم الأوّل من تمّوز ٢٠١٤ وبحضور المطارنة من الكنائس كافّة.

وكان اللقاء مناسبة للتأكيد على أهمّيّة الشهادة الواحدة للمسيح القائم والمنتصر على الموت في المدى الأنطاكيّ وسائر المشرق، حيث أرادهم اللَّه أن يعيشوا مع إخوتهم أبناء هذه الديار؛ وتعبيرًا صادقًا عن وحدة الحياة والمصير التي تجمعهم فيما هم يعملون في سبيل تقوية الوحدة الأنطاكيّة وتفعيلها.

لم تغب آلام أبناء المشرق الذين يعانون ويلات الحرب والضائقة الاقتصاديّة عن هموم أصحاب الغبطة؛ فأكّدوا ضرورة التعاون والتعاضد من أجل تضميد جراح المعذّبين والمقهورين وبلسمتها، ولاسيّما الذين اضطرّتهم الظروف إلى ترك بيوتهم وأرزاقهم؛ وفي هذا المجال دعوا أبناءهم إلى فتح قلوبهم وبيوتهم والبذل بكرم في سبيل إعانة هؤلاء ومساعدتهم على اجتياز محنتهم تنفيذًا لوصيّة المسيح »كنت غريبًا فآويتموني«. كذلك دعا أصحاب الغبطة أبناءهم إلى التشبّث بأرضهم والتأصّل فيها وعدم التخلّي عنها تحت وطأة الظروف الضاغطة، لأنّ هذه الأرض قد جُبلت بتضحيات الأجيال التي سبقتهم، ولأنّ اللَّه اختارهم شهودًا له فيها. 

رفع أصحاب الغبطة الصوت عاليًا، من أجل عودة جميع المخطوفين، مدنيّين وكهنةً، إلى ديارهم وعلى رأسهم صاحبا السيادة المطرانان يوحنّا (إبراهيم) وبولس (يازجي)، اللذان مضى على اختطافهما ١٤ شهرًا، والعالم يتفرّج بصمتٍ متخاذلٍ على أفظع انتهاك، لم يسبق له مثيل، لحقوق الإنسان والجماعات في هذا القرن.

والتفت أصحاب الغبطة إلى سورية الجريحة في محنتها، وأكدوا أهمّيّة تضافر الجهود من أجل وقف لغة الحديد والنار في ربوعها، وشدّدوا على تحمّل الجميع مسؤوليّاتهم لوقف منطق التكفير والترهيب وإراقة الدماء ولإحلال لغة العدالة والعيش الواحد والصادق والمصالحة بين جميع أبنائها، الإخوةِ في المواطنة. 

كذلك حضر العراق المعذّب في صلوات أصحاب الغبطة فصلّوا بشكلٍ خاصّ من أجل أبناء الموصل وشمال العراق، ودعوا العالم إلى إنقاذه من التشرذم وتجنيب أبنائه ويلات الحرب المدمّرة، وطالبوا المجتمع الدوليّ بالحفاظ على إنسانه وحضارته ومن بينها الحضارة المسيحيّة الراسخة في هذا البلد العريق. وشجّعوا أبناءهم وإخوانهم في العراق على المحافظة على وجودهم وأرضهم وممتلكاتهم، حفاظًا على خبرتهم الطويلة في عيشهم المشترك بسلامٍ وتعاونٍ، وفي بناء ثقافتهم الغنيّة المشتركة. وحملوا في صلاتهم مصر العزيزة آملين أن تستعيد بناء وحدتها وحضارتها وثقافة الاعتدال.

وشكر أصحاب الغبطة اللَّه على مناخ الحرّيّة الذي ما زال يتمتّع به لبنان رغم قسوة الظروف، ودعوا جميع المسؤولين في البلد إلى المحافظة على قيم الديمقراطيّة والحرّيّة وتداول السلطة التي يقوم عليها البلد عبر التعالي على المصالح الشخصيّة والآنيّة، والمسارعة إلى انتخاب رئيس للجمهوريّة يسهر على وحدة الوطن ويعيد إلى المؤسّّسات الدستوريّة انتظام عملها، ولا سيّما مجلس النوّاب والحكومة، فتتمكّن الدولة من مواجهة التحدّيات الاقتصاديّة والمعيشيّة والأمنيّة الخطيرة. 

كذلك شدّد أصحاب الغبطة على دعمهم المستمرّ للقضيّة الفلسطينيّة، جرح البشريّة النازف، ودعوا العالم الى إيجاد حلّ عادل وشامل لهذه القضيّة المحقّة التي تبقى قضيّة الشرق بامتياز مهما حاولت يد الشرّ تهميشها عبر افتعال حروب وأزمات جانبيّة.

وعايد أصحاب الغبطة إخوتهم المسلمين بحلول شهر رمضان المبارك، ضارعين إلى اللَّه أن يكون هذا الشهر شهرًا سلاميًّا، يتكثّف فيه عملنا معًا من أجل المصالحة بين الإخوة والسلام السياسيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ في البلدان التي نعيش فيها معًا. 

قرّر أصحاب الغبطة تشكيل لجنة مشتركة لتفعيل التشاور والتعاون في ما بين الكنائس الأنطاكيّة والتخطيط لعمل مشترك يتمّ عرضه على الكنائس بغية تنفيذه في المدى الأنطاكيّ.

وختم أصحاب الغبطة لقاءهم بدعوة أبنائهم الى الإقامة في الرجاء الذي لا يخيب وإلى ترجمة قيم الإنجيل في المدى الأنطاكيّ عبر التزام شؤون أوطانهم وإنسانها المعذب بروح الانفتاح والمحبّة والسلام.

 

٣- المجمع الأرثوذكسيّ الأنطاكيّ المقدّس

انعقد المجمع الأرثوذكسيّ الأنطاكيّ المقدّس في دورته العاديّة الثالثة بين الأوّل والرابع من تموز 2014 برئاسة صاحب الغبطة البطريرك يوحنّا العاشر وحضور السادة المطارنة إسبيريدون (زحلة وتوابعها)، جاورجيوس (جبيل والبترون وتوابعهما)، يوحنّا (اللاذقيّة وتوابعها)، إلياس (بيروت وتوابعها)، إيليّا (حماه وتوابعها)، إلياس (صيدا وصور وتوابعهما)، أنطون (المكسيك وفنزويلا وتوابعهما)، سرجيوس (تشيلي)، دمسكينوس (البرازيل وتوابعها)، سابا (بصرى حوران وجبل العرب)، بولس (أستراليا ونيوزيلاندا)، جورج (حمص وتوابعها)، سلوان (بيونيس آيرس وسائر الأرجنتين)، باسيليوس (عكّار وتوابعها)، أفرام (طرابلس والكورة وتوابعهما)، إغناطيوس (فرنسا وأوروبّا الغربيّة والجنوبيّة)، إسحق (ألمانيا وأوروبّا الوسطى). كذلك حضر السادة رئيسا الأساقفة نيفن (صيقلي) وجوزيف (زحلاويّ)، والأساقفة موسى (الخوري)، لوقا (الخوري)، غطّاس (هزيم)، ألكسندر (مفرّج)، نقولا (بعلبكي)، إغناطيوس (سمعان)، أثناسيوس (فهد)، ديمتري (شربك)، إيليّا (طعمة)، قسطنطين (كيّال)، يوحنّا (هيكل)، رومانوس (داود)، جان (عبداللَّه)، نقولا (أوزون)، والوكيل البطريركيّ الأسقف أفرام (معلولي) وكاتب المجمع الأب جورج (ديماس).

وقد حضر المطران بولس (يازجي) المغيّب بفعل الأسر في صلوات آباء المجمع وأدعيتهم. 

استقبل آباء المجمع، بفرح عارم، أصحاب الغبطة البطاركة الأنطاكيّين مار بشارة بطرس (الراعي) ومار إغناطيوس أفرام الثاني (كريم) وغريغوريوس الثالث (لحّام) ومار إغناطيوس يوسف الثالث (يونان) والمطارنة المرافقين لهم، الذين شاركوا في افتتاح أعمال جلسة المجمع الأنطاكيّ المقدّس. تداول الآباء معًا في السبل الآيلة إلى اكتشاف أعماق وحدتهم في المسيح، وإلى توطيد الحضور المسيحيّ الشاهد في المدى الأنطاكيّ، عبر روح إنجيليّة، تخضع لمقتضيات التقارب البشريّ القائم على المحبّة المجّانيّة، وتهدف إلى رقيّ أبناء المشرق المقهورين وازدهارهم. وقرّروا تشكيل لجنة مشتركة لتفعيل التشاور والتعاون بين الكنائس الأنطاكيّة والتخطيط لعمل مشترك يتمّ عرضه على الكنائس بغية تنفيذه في المدى الأنطاكيّ. 

استعرض آباء المجمع التوصيات التي رفعها إليهم المؤتمر الأنطاكيّ العامّ الذي انعقد في البلمند بين 25 و29 حزيران 2014. ورفعوا الشكر إلى اللَّه على نجاح هذا المؤتمر، الذي سمح للأبناء بمخاطبة آبائهم بروح بنويّة، وأتاح للآباء سماع ما يقوله الروح للكنائس في جوّ من المحبّة والألفة والصراحة. أثنى آباء المجمع على يقظة أبنائهم الروحيّة والتزامهم قضايا كنيستهم وانكبابهم على العمل في حقل الربّ بروح شركويّة محبّة. وقرّروا تشكيل لجنة مجمعيّة تتدارس هذه التوصيات وترفعها إلى المجمع المقدّس. 

أخذ آباء المجمع علمًا باستعفاء صاحب السيادة المطران قسطنطين (باباستيفانو)، مطران بغداد والكويت والجزيرة العربيّة وتوابعها من أبرشيّته، وقبلوا استقالته، شاكرين له الجهود التي بذلها في خدمة الرعيّة التي أوكلت إليه، ومتمنّين أن يثبّته الربّ ويقوّيه في شيخوخته المباركة. كما أطلع صاحب الغبطة الآباء على الزيارة التي قام بها لهذه الأبرشيّة، والتي التقى خلالها أبناءه في مملكة البحرين ودولة الإمارات العربيّة المتّحدة، حيث تسنّى له الوقوف على حاجاتهم الرعائيّة والاجتماع بالمسؤولين فيها الذين أبدوا كلّ تعاون في سبيل تفعيل الحضور الأرثوذكسيّ الأنطاكيّ في هذه الديار. وقرّر المجمع في هذا الصدد إعادة تكوين الأبرشيّة بالشكل التالي:

١- أبرشيّة بغداد والكويت وتوابعهما وتشمل العراق، الكويت، السعوديّة، اليمن وعُمان،

٢- مملكة البحرين معتمديّة بطريركيّة،

٣- إمارة قطر معتمديّة بطريركيّة،

٤- دولة الإمارات العربيّة المتّحدة معتمديّة بطريركيّة.

كما استعرض الآباء الزيارة السلاميّة التي قام بها غبطة البطريرك إلى الكنيسة الروسيّة، فاستمعوا من غبطته إلى أهمّ مفاصل هذه الزيارة وإلى مختلف جوانبها الكنسيّة والرسميّة. 

واستعرض آباء المجمع واقع أبرشيّة نيويورك وأميركا الشماليّة الشاغرة بانتقال المثلّث الرحمة المطران فيليبّس (صليبا). وانتخبوا في دورة استثنائيّة صاحب السيادة جوزيف (زحلاويّ) متروبوليتًا عليها. وتوجّه الآباء بالتحيّة إلى أبنائهم في أبرشيّة أميركا الشماليّة مباركين لهم بالراعي الجديد ومتمنّين له خدمة مباركة أمام المذبح الإلهيّ.

وتدارس الآباء أهمّيّة المجمع الأرثوذكسيّ الكبير المزمع عقده السنة 2016 وأكّدوا أهمّيّة الشهادة المسيحيّة الأرثوذكسيّة الواحدة في عالم اليوم مشدّدين على ضرورة إزالة كلّ العوائق التي من شأنها أن تعترض مسيرة نجاح هذا اللقاء الجامع.

ونظرًا إلى جهود سيادة رئيس الأساقفة نيفن (صيقلي) وتقديرًا لدوره في مدّ جذور التواصل وتوطيد الحضور الأنطاكيّ في المدى الروسيّ، قرّر المجمع المقدّس تكريمه بإعطائه شرفيًّا رتبة متروبوليت على شهبا(١).

كما توقّف آباء المجمع عند آلام الشعب السوريّ وأحزانه، وأخذوا علمًا بزيارة صاحب الغبطة إلى بلدة معلولا وإلى أبرشيّة حمص المنكوبة، وبالعمل الإغاثيّ الذي تقوم به الكنيسة في سورية. وإذ هال آباء المجمع ما أصاب شعبهم وكنيستهم من مآسٍ وأضرار طالت البشر والحجر ولم توفّر الأديرة ودور العبادة، دعوا أبناءهم إلى أن يلازموا أرضهم ويتشبّثوا بها لأنّ الحضور المسيحيّ في الأرض هو بعض من حضور المسيح القائم والمنتصر على الموت فيها، وحضّوهم على أن يلازموا اللَّه في المحنة وألاّ ييأسوا لأنّ اللَّه معنا ندى في وسط اللهيب، وهو يبلسم الجراح ويشفي من الأوجاع وهي كثيرة في هذه الأيّام الصعبة. واستنكر آباء المجمع صمت العالم المطبق على الجرائم الإرهابيّة التي تطال الشعب السوريّ وكرامة إنسانه، من تهجير وتنكيل وخطف. وناشدوا المجتمع الدوليّ والضمير الإنسانيّ الحيّ، أن يكفّ عن التفرّج على هذه الآلام وأن يبادر إلى العمل الجدّيّ من أجل إيقاف الأزمة الحاصلة، وإعادة المهجّرين، وعودة المخطوفين، وعلى رأسهم الكهنة والمطرانان يوحنّا (إبراهيم) وبولس (يازجي)، اللذان مضى على اختطافهما أكثر من 14 شهرًا، في سابقة لا مثيل لها في تاريخ هذا الشرق، استباحت حقوق الإنسان والجماعات، وسط لامبالاة عالميّة وإقليميّة.

وحضر لبنان في مداولات آباء المجمع الذين طالبوا جميع المعنيّين بالمسارعة إلى سدّ الفراغ الحاصل في سدّة رئاسة الجمهوريّة عبر انتخاب رئيس للجمهوريّة يجنّب لبنان الأخطار المحدقة به وسط التقلّبات الإقليميّة الحاصلة في الشرق الأوسط، والتي قد لا يسلم لبنان من تداعياتها. كذلك ناشدوا المسؤولين أن يتجاوزوا خلافاتهم الفئويّة وأن يخرجوا من أزقّة السياسة الضيّقة ويعملوا بإخلاص لنموّ شعبهم وازدهاره. وأكّدوا على محاربة الأعمال الإجراميّة والإرهابيّة.

وصلّى آباء المجمع من أجل العراق في محنته. وطالبوا العالم بأن يلتفت إلى آلام هذا الشعب الذي يعاني منذ عقود ويلات الحروب. وناشدوا جميع الخيّرين أن يعملوا على وحدة هذا البلد ورقيّ إنسانه وأن يحافظوا على الوجود المسيحيّ فيه.

والتفت آباء المجمع إلى فلسطين الصامدة، التي ما زال أبناؤها يساقون يوميًّا إلى الذبح، فيما العالم قد »غلّظ قلبه، وثقّل أذنيه وأغمض عينيه، لئلا يبصر بعينيه ويسمع بأذنيه ويفهم بقلبه«، مأساةَ هذا الشعب الذي يقتل ويقتلع من بيوته ويشرّد من أرضه وتدنّس مقدّساته. وطالبوا العالم بالعمل الجدّيّ والسريع لإيجاد حلّ سريع وعادل لهذه القضيّة التي تبقى جرحَ البشريّة النازف.

وعايد آباء المجمع إخوتهم المسلمين بحلول شهر رمضان المبارك راجين اللَّه أن ينزل سلامه عليهم وعلى بلدانهم، ليتغلّبوا على الزمن الرديء. وكرّروا التأكيد على أهمّيّة تقوية اللحمة التي جمعتنا وتجمعنا، في سبيل مواجهة الأخطار التي تواجهنا، وإعادة إعمار بلادنا بناسها وحجارتها على القيم التي من عند اللَّه.

وعبّر آباء المجمع عن فرحهم بشهادة أبنائهم في المدى الأنطاكيّ خصوصًا في أبرشيّات أوروبّا وأستراليا والأميركيّتين، وختموا بتذكيرهم بأنّهم قد دُعوا لكي يكونوا »ملح الأرض« و»الخمير الذي يخمّر العجين كلّه«. وهذا يكون بانخراطهم في شؤون أوطانهم والعمل من أجل خدمة إنسانها إلى أيّ دين انتمى عبر قراءة للسياسة تتجاوز الآنيّ وتترجم سيادة الربّ على الفكر والحياة«.

 

k من هو مطران أبرشيّة أميركا الجديد؟

ولد في دمشق في 2 تشرين الثاني 1950وتلقّى علومه في مدرسة القدّيس يوحنّا الدمشقيّ ومدارس الآسية وفي دير سيّدة البلمند في لبنان. أنهى دراسته الجامعيّة في الجامعة اللبنانيّة في بيروت، حصل على شهادة الماجستير في اللاهوت بعد تخصّصه في الموسيقى واللغات من جامعة أرسطو في تسالونيكي، اليونان. وحصل على دكتوراه شرفيّة في اللاهوت من معهد القدّيس تيخون في بينسيلفينيا في أيّار من العام 2010. رسمه المثلّث الرحمة البطريرك أغناطيوس الرابع شمّاسًًا في تشرين الثاني من العام 1976، وكاهنًا في العام 1980. خدم الأب جوزيف عميدًا للكهنة في الكاتدرائيّة المريميّة في دمشق، وكمشرف في كنيسة الصليب المقدّس ورعايا أخرى في ضواحي دمشق. أيضًا خدم كمشرف على المدرسة الثانويّة في دمشق من العام 1980 حتّى العام 1983. غادر الأب جوزيف في ما بعد لرعاية الكنيسة الأرثوذكسيّة الأنطاكيّة في لندن، إنكلترا منذ العام 1983 حتّى العام 1986، وفي ما بعد إلى الكنيسة الأرثوذكسيّة الأنطاكيّة في قبرص منذ 1986 حتّى  ٣٠ حزيران العام 1991 حين تمّ انتخابه أسقفًا في الكاتدرائيّة المريميّة أسقفًا شرفيًّا على قطنا في سورية وخدم كمساعد بطريركيّ وسكرتير للمجمع الأنطاكيّ المقدّس. في العام 1995، أرسله البطريرك أغناطيوس إلى أميركا. في هذه الأبرشيّة، تمّ تعيينه على ممثّليّة الساحل الغربيّ من قبل المتروبوليت فيليبّس (صليبا). تمّ تنصيبه في كاتدرائيّة القدّيس نيقولاوس كأوّل أسقف على أبرشيّة لوس أنجلوس والمنطقة الغربيّة من قبل المتروبوليت فيليبّس (صليبا) في 12 أيلول من العام 2004. 

في 11 كانون الأوّل من العام 2011 في كنيسة رقاد السيّدة في دير سيّدة البلمند البطريركيّ في لبنان تمّت ترقية الأسقف جوزيف إلى رتبة رئيس أساقفة من قبل صاحب الغبطة البطريرك أغناطيوس الرابع، وذلك تكريمًا له على سنوات خدمته الطويلة كأسقف سواء في الأبرشيّة أو في البطريركيّة في دمشق. 

يتكلّم بطلاقة العربيّة، الإنكليزيّة واليونانيّة، وعيد شفيعه يقع في الأحد الثاني بعد الفصح حيث يعيد للقدّيس يوسف الراميّ.

 

بحمدون - لبنان

الأب عبداللَّه (الحاج)

في ذمّة اللَّه

انتقل إلى الأخدار السماويّة كاهن رعيّتي بحمدون الضيعة وبطلّون الأب عبداللَّه (الحاج)، وشُيع جثمانه في كنيسة القدّيس جاورجيوس في بحمدون، حيث ترأّس صلاة الجنّاز سيادة المطران جورج (خضر) بحضور لفيف من الكهنة من أبرشيّة الجبل ومن أبرشيّة بيروت وعائلة الأب عبداللَّه ومحبّيه. وبعد الصلاة ألقى سيادة المطران جورج كلمة تأبين جاء فيها: »لست أسمّيكم عبيدًا في ما بعد. كيف سمّينا هذا الرجل عبدًا للَّه؟ الجواب، أنت عبد على الطريقة القديمة مستعبَد ليس لك شخصيّة. أنت شيء ولست شخصًا في الشريعة الرومانيّة. نحن سمّينا هذا الرجل عبدًا لأنّه استعبد نفسه للمسيح بالحبّ الإلهيّ. العبد في الشريعة الرومانيّة لا إرادة له، لا شأن له في الحياة. هو خاضع بالكلّيّة، وفي بداءة الشريعة الرومانيّة كان صاحبه قادرًا على أن يقتله. نحن عبيد للَّه في المسيحيّة بالحبّ وليس بالخوف. نحن لا نخاف اللَّه. لا نفزع من اللَّه. نحن له أبناء. من وعى معنى اسمه عبدِ اللَّه يعرف نفسه مُعطى للَّه كلّيًّا وليس لغير اللَّه. لا يشرك. إن كنت للَّه حقًّا، فلست لإنسان آخر أو لشيء آخر أو لأموال الدنيا أو لمجد هذا العالم. نحن المسيحيّين عندما نسمّي صبيًّا عبدَ اللَّه نرجو له أن يكون ذبيحة للَّه مقدَّمًا له مخصَّصًا له بالحبّ والطاعة. اللَّه يعرف إن كان هذا الأخ عني هذا. نحن رأيناه يعمل في حقل الربّ بإخلاص وصدق وطهارة.

ما يعني أن يكون إنسانٌ عبدَ اللَّه؟ في المسيحيّة ماذا يعني هذا؟ هذا يعني أنّه أسلم ذاته للَّه فقط وليس لغير اللَّه. أي أنّه عرف نفسه مستمَدًّا من قوّة اللَّه وحنانه. وعاش على هذه الطريقة وفي هذه القناعة. 

هذا الأخ الكريم الطيّب الذي عرفناه جيّدًا، كنّا نراه أنّه أعطى نفسه لربّه عطاء كبيرًا. ليس أحد من الناس يمكنه أن يعطي حياته للَّه كلّيًّا. هذا غير موجود. يمكن أن تختلط المصالح والأمور الدنيويّة. لكن نحن نرجو أنّ الأتقياء لا يأتون بمصلحة فوق اللَّه. لا يقدّمون مصالحهم على قضيّة اللَّه. هم للَّه.

فهذا الذي كان للَّه في هذه الحياة بقي للَّه في مماته وفي الحياة الأبديّة. لذلك نغبطه نحن. ونرجو أنّ حياتنا مثل حياته مبذولة للربّ. أنت مُعطى يا أخي. أنت لا تأخذ شيئًا. أنت مُعطى للمسيح. عندما يراك مقدَّمًا له يبذل كلّ ما فيه من أجلك. يعطيك ذاته. أي يعطيك الألوهة.

الخوري عبد اللَّه الذي عرفناه جيّدًا كنّا نلمس أنّه معطى للَّه. وأنّه لم يكن له مصلحة بغير اللَّه. لم يكن له شيء من هذه الدنيا وما فتّش عن شيء فيها. لذلك نتمنّى لأنفسنا نهاية سعيدة كهذه التي نالها أو نرجو أنّه نالها.

الكاهن أيًّا كان، الكاهن على ضعفاته وتقصيراته يعرف أنّ الكنيسة أتت به إلى هذا المكان ليكون خادمًا للَّه. ومن خدم ربّه في الحقيقة يصبح خادمًا للناس جميعًا لأنّهم على صورة اللَّه ومثاله خُلقوا.

كثير من المسيحيّين الذين عرفتهم أنا في كنيستنا تخلّقوا بأخلاق اللَّه. اتّبعوا أخلاق اللَّه بفضل الكهنة الأتقياء المحبّين للربّ. لا ينال الكاهن أحيانًا التقدير الذي يستحقّ من رعيّته. يثرثرون عليه في جلساتهم. يتناولونه بألسنتهم المرّة. يثرثرون على الكهنة، لأنّهم لا يريدون أن ينتقدوا أنفسهم وسلوكهم. ولا أن يتحرّروا من خطاياهم. لذلك ليس عندهم إلاّ الكلام على الكهنة. هذه جبانة. هذا تهرّب من المسؤوليّة. أنت تنظر إلى نفسك عاريًا أمام اللَّه. وتنتقد نفسك أمامه. لهذا كانت ميتة كلّ مؤمن منّا تذكيرًا بأنّنا فقراء إلى اللَّه. وبأنّنا نموت لننال الرحمة. لقد نزلت الرحمة على هذا الأخ الكريم الذي نودّعه الآن. وأنا عالم بأنّه كان قريبًا من الربّ. وكان يؤثّر فيّ عندما ألتقيه ويعطيني ممّا أعطاه اللَّه.

ألا كان اللَّه معه في هذه الرحلة المطيّبة بالروح القدس. ونزل الربّ بروحه القدّوس على قلوبكم جميعًا لتنالوا حظوة عنده وتظلّوا أبناء له.l

 

 

© حقوق الطبع والنشر 2025 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search