2014

12. الموصل: تستصرخ بلسمة الأفئدة والكلوم! - حسن البازي - العدد الخامس سنة 2014

 

الموصل تستصرخ بلسمة الأفئدة والكلوم!

حسن بازي

 

في حمأة الصراعات المتعدّدة الأوجه والأبعاد، في شرق لا بل أيضًا في عالم أضحى مفتقدًا إلى السكينة، تعشّش فيه ظلامات الحروب المتشابكة بعيدة كانت أم قريبة، وفي جوٍّ قاتم الحلاك ينهش فيه الأخ أخاه، في إنسانية تكاد تُخلى من زمن ومكان بعيدين كانا أم قريبين، تُطلّ علينا الموصل، بعد معلولا ورهبة المقدسات لتقول لنا: ألهذا الحدّ وصلت الأمور؟ وما العمل لوقف الحرب المجنونة تلك، وبلسمة الجراح، وإعادة اللحمة إلى مجتمعات كانت حتى الأمس القريب مثالاً يحتذى للحوار، والعيش معًا، عيشًا واحدًا، حرًا، عزيزًا وسيّدًا، بعيدًا كلّ البعد عن التفرقة والكفر والتكفير حيث البيت واحد، والوطن واحد، والشعب واحد؟

للإجابة عن هذه التساؤلات، وما يليها، بعد طيّ الأسطر، وتمحيص ثناياها دونما الدخول في السياسة الضيّقة البغيضة، لا بدّ من الدخول إلى سحر المشرق نموذجًا للتآخي والحوار في حُسن علاقات الجوار والمحبّة والوئام.

إنّ معظم، إن لم نقل كلّ المدن والقرى الرئيسيّة المشرقيّة، عاصرت عيشًا محبًّا، بين أطياف مجتمعاتها المتعددة في جوّ من الودّ، لا بل والتماهي بين ثقافات تكاد تطابق بعضها بعضًا، حتى كاد المرء لا يميّز بين جار وجار، أو بين معبد وآخر، ضمن عادات وتقاليد واحدة مشتركة لأجيال وأجيال، حتى لا يخلو التكلّم على بلادنا المشرقيّة المترامية الأطراف، دونما الحديث عن وحدة العيش والمحبة والسلام بين أبنائها لأي بيئة أو ملّة انتموا، فلهذه البلاد ثقافتها المحبّة والمتعاضدة منارة للشعوب وهديًا لباقي الأمم. أولم يقل السيّد المسيح مخلّصنا، لتلميذه يوحنّا بعد سؤاله له: »يا معلم، رأينا رجلاً يطرد الشياطين باسمك فمنعناه، لأنه لا ينتمي إلينا« (مرقس ٩: ٣٨)، فأردف السيّد قائلاً: »لا تمنعوه! فما من أحد يصنع معجزة باسمي يتكلّم عليّ بعدها بالسوء قائلاً: مَن لا يكون علينا فهو معنا. ومَن سقاكم كأس ماء باسمي لأنكم للمسيح، فأجره، الحق أقول لكم، لن يضيع« (مرقس ٩: ٣٩- ٤١).

هذا هو شرقنا الحقيقي، وهذه هي حضارتنا وثقافتنا: »فمَن ضربك على خدّك، فحوّل له الآخر« (لوقا ٦- ٢٩)، »ومَن أخذ رداءَك، فلا تمنع عنه ثوبك« (لوقا ٦- ٢٩)؛ »فإن أحببتهم مَن يحبّونكم، فأيّ فضل لكم؟، لأنّ الخاطئين أنفسهم يحبّون من يحبّونهم« (لوقا ٦- ٣٢)؛ »ولكن أحبّوا أعداءَكم، أحسنوا وأقرضوا غير راجين شيئًا، فيكون أجركم عظيمًا، وتكونوا أبناء اللَّه العليّ، لأنّه ينعم على ناكري الجميل والأشرار، كونوا رحماء كما أن اللَّه أباكم رحيم« (لوقا ٦: ٣٥- ٣٦).

إلهي عفوك، سامحنا كلّنا بأجمعنا، وأعنّا على المحبة غير متخاذلين، وارمقنا بنظرك الرؤوف، وارحمنا يا أرحم الراحمين.

عسى العودة إلى الماضي القريب والبعيد في عيش متسامح متعاضد رغيد ورجاء فيه الأمل لشعبك المؤمن بك يا رب العالمين.

باركنا واعضدنا أنت أبانا الساكن الأفئدة فبلسم جراحاتنا يا ربّنا، آمين.l

© حقوق الطبع والنشر 2025 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search