جولة ثانية في كنائس قبرص
لولو صيبعة
منذ أن انتشرت المسيحيّة في جزيرة قبرص حتّى بدأ بناء الكنائس. إلاّ أنّ معظم هذه الكنائس دُمّرت إمّا بفعل الزلازل أو بسبب غارات القبائل العربيّة الوحشيّة.
وفي مطلع القرن التاسع ظهر نمط جديد الذي يعتمد القبب المتعدّدة، كما في كنيسة القدّيسة باراسكيفي في يروسكيبوس. وبين القرنين العاشر والثاني عشر شيّدت الكنائس على شكل صليب مثل كنيسة القدّيس أنطونيوس في كيليا. وفي الفترة عينها نشاهد كنائس مثمّنة الأطراف مع قبّة وسطيّة.
في القرن الثالث عشر والنصف الأوّل من القرن الرابع عشر ساد طراز هندسيّ بيزنطيّ مثل كنيسة الصليب المكرّم بيليندري.
في هذه الجولة الثانية سنزور بعض الكنائس ونمتّع النظر بجمال البناء والجداريّات والأيقونات.
١- الوقفة الأولى في كنيسة والدة الإله الكلّيّة القداسة الحاملة الحياة في أسينو. وهي وحدها ما تبقّى من دير فوربيا الذي أنشأه نيكيفوروس إيزيخيريوس بعد وفاة زوجته العام ١٠٩٩، والذي أصبح راهبًا متّخذًا شفاعة القدّيس نيقولاوس وتوفّي في ١٦ تشرين الثاني ١١١٥. وذلك كلّه ورد في مـخطوط خاصّ بالدير ودوّن في العام ١٠٣٦. وهو تقويم يبدأ من أيلول إلى شباط، وكان يستخدمه الرهبان لتسجيل وفيّات الرهبان في القرن الثاني عشر. لا معلومات أخرى عن الدير سوى بعض الكتابات على الجداريّات عن مؤسّّس الدير. وعلى جداريّة القدّيس جاورجيوس ذكر لاسم دير فوربيا من بدء القرن الثالث عشر.
جدران الكنيسة مبنيّة بحجارة بركانيّة مـختلفة الأحجام. حول مدخل الجدار الشماليّ رسوم لم نستطع تحديد تاريخها. وسطحها من الخشب المقوّى الذي رممّ أكثر من مرّة.
تضرّرت كنيسة والدة الإله بخاصّة بعد زلزال حدث في نهاية القرن الثالث عشر. وأعمال الترميم التي جرت غطّت أجزاء كبيرة من الجداريّات، وعدّلت في هندسة الكنيسة من الداخل. أمّا الجداريّات التي دمّرت، فأعيد رسم أخرى جديدة على يد الرهبان. الجداريّات في الكنيسة تعود إلى حقب عديدة، وأكثرها أهمّيّة هي الأصليّة التي تحاكي النمط الفنّيّ الشائع آنذاك في القسطنطينيّة. وممّا لا شكّ فيه أنّ الرسّّام حضر إلى قبرص من مدينة القسطنطينيّة، وتميّزت جداريّاته بالتناسق بين الألوان، واتّسمت الوجوه بالرقّة. والجداريّات الأصليّة الموجودة على القسمين الغربيّ والشرقيّ من الكنيسة حُفظت بشكل جيّد.
وعلى حائط الهيكل جداريّة مناولة الأسرار للرسل الاثني عشر، مع آباء الكنيسة ذيونيسيوس الأريوباغيّ وغريغوريوس اللاهوتيّ وباسيليوس الكبير ويوحنّا الذهبيّ الفم. ومن الجداريّات واحدة للقدّيس جاورجيوس وأخرى لرقاد والدة الإله، إضافة إلى رسوم لقدّيسين كثر.
٢- كنيسة والدة الإله في غالاتا: هي ما تبقّى من دير أسّّسه في مطلع القرن السادس عشر ديمتري كورون الضابط اليونانيّ الذي كان يخدم في صفوف الجيش القبرصيّ على عهد يعقوب الثاني ملك قبرص. الكنيسة ليست مرسومة بالكامل، فقط بعض الأجزاء. ومن هذه الجداريّات لدينا لقاء يواكيم وحنّة على الحائط الشماليّ، ووالدة الإله على العرش يحوط بها ملاكان، ومناولة القرابين للرسل. الألوان برّاقة على خلاف التقليد البزنطيّ، وتأثير فنّ النهضة بارز في رسم الأجسام والوجوه.
٣- كنيسة التجلّي في باليخوري. داخل الكنيسة مزيّن بجداريّات عالية الجودة وهي بريشة فنّان واحد مع تلامذته، ولكن لسوء الحظ الأضرار التي أصابت هذه الجداريّات أفقدتها اسم المتبرّع والرسّام والتاريخ. تنفرد هذه الكنيسة بجداريّات لا نراها في كنائس قبرص الأخرى مثل دفن القدّيسة مريم المصريّة ورؤيا القدّيس باخوميوس وأعجوبة الملاك ميخائيل.
٤- كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل في بيذولاس. تقع في مقاطعة نيكوسيا. سطحها من الخشب وهي غنيّة بالجداريّات الجميلة وتحمل اسم راسمها الظاهر على إحداها في كتابة نقرأ عليها: «كلّ من يلجأ إلى هذه الكنيسة فليتذكّر الرسّّام الحقير ميناس من ميريانثوسا«. وبحسب نقش آخر نعلم أنّ هذه الرسوم أنجزت في العام ١٤٧٤.
والرسّّام ميناس حافظ في جداريّاته على التقليد البيزنطيّ. وتأثّر بالمدرسة المقدونيّة في رسم الأجسام والملابس، ومع ذلك فإنّ أسلوبه سهل ومتقن في الوقت ذاته. ومن أجمل الجداريّات واحدة تمثّل القدّيسين قسطنطين وهيلانة.
٥- كنيسة الصليب المقدّس في بلاتانيستاز. هي ما تبقّى من دير صغير في مقاطعة نيكوسيا، كما نقرأ على كتابة فوق المدخل الجنوبيّ.
شيّدت الكنيسة بتبرّع من الكاهن بطرس بيراتي وزوجته بيباني، ورسمها فيليب غول العام ١٤٩٤ أو ١٥٠٥ على نفقة المؤسّّس. صورة الكاهن وزوجته تظهر على الحائط الجنوبيّ وهما يقدّمان الكنيسة إلى يسوع المسيح بشفاعة والدته. الرسّّام فيليب غول ربّما من أصل سريانيّ أرثوذكسيّ سكن قبرص ورسم أيضًا كنيسة القدّيس ماماس في لوفاراس العام ١٤٩٦. الفرق كبير بين جداريّات الكنيستين، فالرسوم عاديّة متأثّرة بالفنّ الغربيّ.
حيثما تجوّلنا في قبرص وجدنا كنائس قديمة ومزيّنة برسوم تشدّ الزائر إلى الصلاة وتمنحه الراحة. ويبقى أن يرتاح القلم، ويترك للـجداريّات أن تعبّر عن الإيمان الأرثوذكسيّ القويم.l