البلمند - لبنان
المجمع الأنطاكيّ المقدّس في دورة عاديّة
»انعقد المجمع الأرثوذكسيّ الأنطاكيّ المقدّس بين الخامس عشر والسابع عشر من شهر تشرين الأوّل 2013، في دورته العاديّة الثانية، برئاسة صاحب الغبطة البطريرك يوحنّا العاشر، وحضور كلّ من أصحاب السيادة: إسبيريدون (أبرشيّة زحلة وتوابعها)، جاورجيوس (أبرشيّة جبيل والبترون وتوابعهما)، يوحنّا (أبرشيّة اللاذقيّة وتوابعها)، إلياس (أبرشيّة بيروت وتوابعها)، إيليّا (أبرشيّة حماه وتوابعها)، إلياس (أبرشيّة صيدا وصور وتوابعهما)، دامسكينوس (أبرشيّة البرازيل وتوابعها)، سابا (أبرشيّة بصرى حوران وجبل العرب)، جورج (أبرشيّة حمص وتوابعها)، أنطون (أبرشيّة المكسيك وفنزويلا وتوابعهما)، سرجيوس (أبرشيّة تشيلي)، سلوان (أبرشيّة الأرجنتين)، باسيليوس (أبرشية عكّار وتوابعها)، أفرام (أبرشيّة طرابلس والكورة وتوابعهما).
وشارك الوكيل البطريركيّ الأسقف أفرام (معلوليّ) أمين سرّ المجمع المقدس، مع كاتب المجمع الإيكونوموس جورج (ديماس).
واعتذر عن عدم الحضور كلّ من أصحاب السيادة: فيليبّس (أبرشيّة نيويورك وكلّ أميركا الشماليّة)، قسطنطين (أبرشيّة بغداد والكويت وتوابعهما)، بولس (أستراليا ونيوزيلندا)، وقد حضر المطران بولس (أبرشيّة حلب والإسكندرون وتوابعهما)، المغيّب بفعل الأسر، في صلوات آباء المجمع وأدعيتهم.
بعد ذلك، افتتح صاحب الغبطة الدورة المجمعيّة بالصلاة، واستدعاء الروح القدس، راجيًا أن يغدق اللَّه من نعمه على المجتمعين ليفصّلوا باستقامة كلمة حقّه لشعبهم المؤمن وللعالم المتعطّش لكلمة رجاء.
أطلع صاحب الغبطة آباء المجمع على الزيارات الرعائيّة التي قام بها لكلّ من أبرشيّة اللاذقيّة ومدينة طرطوس من أبرشيّة عكّار، وللقسم الألمانيّ من أبرشيّة أوروبّا. حيث تسنّى له أن يلتقي بالمؤمنين ويجتمع بالرعاة وبجميع الفعاليّات الناشطة في هذه الأبرشيّات. وشدّد صاحب الغبطة على مدى الفرح الذي اعتراه لرؤية المؤمنين في هذه الأبرشيّات ثابتين على صخرة الإيمان ومقيمين في محبّة الكنيسة وسيّدها. وشكر صاحب الغبطة رعاة هذه الأبرشيّات على رعايتهم الحكيمة والمحبّة لأبنائهم، وشدّد على أهمّيّة الاستمرار برعاية شعبنا الطيّب بمحبّةٍ وعلمٍ ورؤيةٍ من أجل نموّه في المسيح، وثباته في كنيسته وأرضه واستمراره بالشهادة ليسوع حيثما حلّ.
كذلك أطلع صاحب الغبطة المجمع على زيارته للمملكة الأردنيّة الهاشميّة للمشاركة في مؤتمر »التحدّيات التي تواجه المسيحيّين العرب«، وللقاء جلالة الملك عبداللَّه الثاني، حيث تسنّى له التعبير عن موقف الكنيسة الأنطاكيّة من الأحداث التي تشهدها المنطقة مشدّدًا على ضرورة العمل من أجل السلام وحرّيّة وكرامة الإنسان العربيّ ومبيّنًا مدى تأصّل المسيحيّين في أوطانهم والتزامهم بقضاياها ومدى تفاعلهم مع إخوتهم المسلمين على مرّ التاريخ.
وأطلع صاحب الغبطة المجمع أيضًا على زيارته حاضرة الفاتيكان ولقائه بقداسة البابا فرنسيس الأوّل، ومشاركته في اللقاء الذي نظّمته جمعيّة سانت إجيديو حول »الشجاعة في الرجاء، حوار الأديان والحضارات«، حيث تمّ تظهير الموقف الأنطاكيّ من المسائل المطروحة ولاسيّما معاناة الشعب السوريّ، ودور المسيحيين وشهادتهم في الشرق. وشكّلت الزيارة فرصة لاستعراض آفاق التعاون بين الكنيستين الكاثوليكيّة والأرثوذكسيّة في سبيل تفعيل شهادة المسيحيّين في الشرق وفي عالمنا اليوم، ومن أجل كرامة ورقيّ الإنسان وتوطيد قيم الحرّيّة والعدل والسلام في العالم.
وكذلك استعرض آباء المجمع تقارير قدّمتها الوفود التي شاركت في الذكرى الألف والخامسة والعشرين لمعموديّة روسيا، وفي الذكرى الألف وسبعمائة لمرسوم ميلان. بارك آباء المجمع للكنيستين الروسيّة والصربيّة راجين أن يزيد الربّ من نعمه عليهما وأن يغمر أبناءهما بنوره وسلامه ومحبّته.
تداول آباء المجمع في بعض المسائل التي تهمّ الكنيسة الأرثوذكسيّة الجامعة. وشدّدوا على ضرورة التنسيق المستمرّ بين هذه الكنائس، من أجل تفعيل الحضور الأرثوذكسيّ في العالم، ومن أجل شهادة حيّة تنقل المسيح إلى الإنسان المعاصر. وفي هذا المجال شدّد الآباء على ضرورة التعاون بين الكنائس الأرثوذكسيّة لإظهار وحدة كنيسة المسيح بشكلٍ أمثل، ولتسهيل انعقاد المجمع المقدّس الأرثوذكسيّ الكبير.
تداول آباء المجمع في الأزمة التي سبّبها انتخاب كنيسة أورشليم لمطران على قطر. وتوقّفوا، بحزن، عند إمعان بطريركيّة أورشليم في تعدّيها، رغم جميع المبادرات والوساطات التي قامت بها البطريركيّة المسكونيّة والحكومة اليونانيّة لحلّ هذه الأزمة وفقًا للقوانين الكنسيّة وبروح سلاميّة. كرّر آباء المجمع رغبتهم في تغليب الحلّ السلاميّ على غيره من الحلول، ولكنّهم شدّدوا على ضرورة إيجاد حلّ لهذه الأزمة في مدّة أقصاها شهران من تاريخه. وفوّضوا صاحب الغبطة في حال عدم استجابة كنيسة أورشليم لمطلب الكنيسة الأنطاكيّة المحقّ بإزالة التعدّي على حدودها القانونيّة، باتّخاذ الإجراءات اللازمة بما فيها قطع الشركة، وكذلك قرّر المجمع أن يعلّق الكرسيّ الأنطاكيّ مشاركته في جميع المجالس الأسقفيّة في بلاد الانتشار Diaspora حتّى إزالة التعدّي الأورشليميّ.
استعرض آباء المجمع واقع أبرشيّة أوروبّا التي شغرت بانتخاب صاحب الغبطة على السدّة البطريركيّة. وبعد أن تبيّن لهم أنّ تنامي هذه الأبرشيّة واتّساع رقعتها وتعدّد لغاتها وازدياد عدد أبنائها يتطلّب إعادة النظر بحدودها من أجل رعاية فعّالة، قرّروا استحداث الأبرشيّات والمعتمديّات التالية في المدى الأوروبّيّ: أبرشيّة فرنسا وأوروبا الغربيّة والجنوبيّة، أبرشيّة ألمانيا وأوروبّا الوسطى، أبرشيّة الجزر البريطانيّة وإيرلندا، ومعتمديّة السويد والبلدان الإسكندنافيّة.
وانتخبوا الأسقفين: إغناطيوس (الحوشي) متروبوليتًا على أبرشيّة فرنسا وأوروبّا الغربيّة والجنوبيّة، وإسحق (بركات) متروبوليتًا على أبرشيّة ألمانيا وأوروبّا الوسطى. وفوّضوا البطريرك تعيين معتَمدٍ بطريركيّ يدير أبرشيّة الجزر البريطانيّة وإيرلندا بالرجوع إليه إلى حين انتخاب متروبوليت عليها.
واستمع آباء المجمع إلى قدس الشمّاس بورفيريوس (جورجي)، عميد معهد القدّيس يوحنّا الدمشقيّ اللاهوتيّ، الذي قدّم عرضًا وافيًا عن واقع ومرتجى الرسالة التي يؤدّيها معهد اللاهوت، فأثنى الآباء على ما جاء فيه، وباركوا له الجهود التي يقدّمها لضمان حسن سير المعهد، وقدّموا اقتراحاتهم في هذا الخصوص.
توقّف آباء المجمع عند معاناة سورية وشعبها من جرّاء أعمال العنف المستشرية في ربوع الوطن والتي تدمّر الحجر وتقتل وتجرح وتشرّد البشر. وشدّدوا على أنّ لغة العنف والقتل هي لغة غريبة عن تقاليد الشعب السوريّ، الذي يتطلّع إلى العيش بحرّيّة وكرامة في أرضه، في ظلّ دولة واحدة، يشارك الجميع في إعلاء شأنها وترسيخها على قيم الديمقراطيّة والحرّيّة والعدالة والعيش الواحد المبني على احترام الآخر على اختلافه، وضرورة السير في منطق الحوار والحلّ السلميّ لتجاوز كلّ الأزمات.
وناشد آباء المجمع أبناءهم أن يقيموا في الرجاء »الذي لا يخيب«، وأن يلتزموا بقيم الإنجيل التي تدعوهم إلى نبذ العنف، واحترام صورة اللَّه في كلّ إنسان، ومسح الدموع عن وجه كلّ معذّب في الأرض، وأن يثبتوا في أرضهم، وألاّ يتخلّوا عنها مهما قست الظروف، لأنّ ربّهم أرادهم شهودًا فيها. وناشدوهم ألاّ يفرّطوا بأرضهم لحلّ مشكلات مادّيّة آنيّة، لأنّ هذه الأرض جُبِل ترابها بدماء القدّيسين، ولأنّها تبقى ملاذَهم الوحيد على مرّ الزمن. وحضّوهم على تكثيف الصلوات من أجل السلام في سورية وفي العالم أجمع، وعلى التعاضد في ما بينهم للتخفيف من وطأة الأزمة، ولا سيّما على الأكثر حاجة بينهم. وفي هذا المجال توجّه آباء المجمع بالشكر والامتنان إلى الكنائس والهيئات والجمعيّات والأفراد على تعاونها مع البطريركيّة لإغاثة الإخوة المحتاجين. كذلك شكر آباءُ المجمع أبناءَهم الذين تجاوبوا مع نداء البطريركيّة وأعطوا بكرم لدعم العمل الإغاثيّ في البطريركيّة، وذلك عبر عطائهم لمناسبة يوم التضامن الأنطاكيّ، من أجل دعم العمل الإغاثيّ الذي حدّده المجمع المقدّس في 15 أيلول 2013. وذَكَرَ آباء المجمع أبناءهم في مدينة حلب التي تفتقد مطرانيها وباركوهم على ثباتهم في الرجاء، إذ إنّ رماد التجارب لا يخفي وجه الحبيب الباقي.
وتوجّه آباء المجمع إلى المجتمع الدوليّ، راجين أن يلتفت هذا المجتمع إلى آلام الشعب السوريّ وعذابه، وأن يقلع عن تأجيج الحرب الدائرة، وأن يساهم بترسيخ قيم السلام والعدل والديمقراطيّة، وأن يستثمر بالإنفاق على إعادة بناء ما تهدّم وتنمية قدرات الشعب السوريّ، بدلاً من استثماره في الحديد والنار. وكذلك حضّ آباء المجمع المنظّمات الدوليّة والمنظّمات غير الحكوميّة وجميع الهيئات المعنيّة بشؤون النازحين، على تأمين مستلزمات الحياة الضروريّة لهؤلاء على أبواب الشتاء ليعيشوا بكرامة فيما هم يتنظرون عودتهم إلى مدنهم وقراهم.
وكرّر آباء المجمع استنكارهم للعمليّات الإرهابيّة التي تطال المواطنين الآمنين وللدمار الذي لا يوفّر دور العبادة والمعالم التاريخيّة والثقافيّة الشاهدة على عراقة الحضارة السوريّة. وتوقّفوا بأسى عند الغموض الذي يكتنف قضيّة المطرانين المخطوفين، بولس (يازجي) ويوحنّا (إبراهيم). ودعوا المجتمَعَين الدوليّ والعربيّ إلى تحمّل مسؤوليّتهما في هذا الشأن لجلاء الحقيقة، ولكشف مصير المطرانين وجميع المخطوفين وإعادتهم سالمين إلى أهلهم وأحبّائهم. واستمطر آباء المجمع الرحمة الإلهيّة على نفوس الشهداء الأبرياء الذين قضوا خلال هذه الحرب المدمِّرة خاصّين بالذكر الكهنة الذين قضوا وهم يبلسمون جراح رعاياهم.
والتفت الآباء إلى لبنان، الذي يعاني أبناؤه أزمة اقتصاديّة خانقة وقلقًا على المصير نتيجة الإمعان في تعطيل مؤسّّسات الدولة. وناشدوا جميع الأفرقاء والمسؤولين تحمّل مسؤوليّاتهم في سبيل إنقاذ لبنان ونموّ إنسانه. وحَضُّوهم على المحافظة على قيم الديمقراطيّة والحرّيّة وتداول السلطة التي لطالما ميّزت لبنان، ودعوهم إلى تحصين لبنان وتجنيبه المخاطر المحدقة به من كلّ صوب عبر التعالي عن مصالحهم الضيّقة وتجاوز خلافاتهم الآنيّة والعودة إلى الحوار بروح المصارحة والمصالحة، والمسؤوليّة الوطنيّة والتاريخيّة، وذلك بضرورة تشكيل حكومة جامعة تكون قادرة على درء المخاطر والمحافظة على الاستقرار تجنّبًا للوقوع في أتون الفراغ، حفاظًا على السلم الأهليّ.
وتداول آباء المجمع في حيثيّات النشاط الوطنيّ الذي يقوم به أبناؤهم في لبنان، مؤكّدين احترامهم تنوّع آراء أبنائهم السياسيّة، ومذكّرين في الوقت عينه بأنّ الكنيسة، وإن كانت لا تملي على أبنائها مواقف سياسيّة محدّدة، إلاّ أنّها ترفض أن تحتكر هيئات أو جمعيّات أرثوذكسيّة التعبير عن الموقف الأرثوذكسيّ، وتبقى الكنيسة عبر مجمعها المقدّس وعلى رأسه السيّد البطريرك، المرجع الرسميّ الذي يعبّر عن موقف الكنيسة الأرثوذكسيّة، في كلّ ما من شأنه أن ينير معالم الطريق لأبنائها على ضوء الإنجيل في التزامهم شؤون أوطانهم.
ولم يغب العراق المعذّب عن هموم آباء المجمع وكذلك فلسطين الجريحة. فصلّوا لكي يثبّت الربّ العراق وفلسطين وجميع الدول العربيّة على طريق الاستقرار والسلام. وشدّدوا على ضرورة إيجاد حلّ عادل وشامل للقضيّة الفلسطينيّة المحقّة.
وطلب آباء المجمع من أبنائهم أن يواجهوا التحدّيات التي تطرحها عليهم مجتمعاتهم وعصرنا اليوم بامتحانها على ضوء قيم الإنجيل. ودعوهم إلى العمل من أجل السلام السياسيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ أينما حلّوا، ولنبذ التقوقع الطائفيّ والعنصريّة المقيتة بمختلف أشكالها، وللعيش الواحد الصادق مع إخوتهم في المواطنة، وللعمل من أجل كرامة الإنسان وحرّيّته ووقف إراقة الدماء والتزام شؤون المعذَّبين في الأرض الذين وحّد المسيح نفسه بهم.
وختم آباء المجمع دورتهم مذكّرين أبناءهم بكلام القدّيس بولس الرسول إلى أهل كورنثس : »اكملوا، تعزّوا، اهتمّوا اهتمامًا واحدًا، عيشوا بسلام وإله المحبّة والسلام يكون معكم««.
الفاتيكان
لقاء القمّة بين غبطة البطريرك يوحنّا العاشر وقداسة البابا فرنسيس الأوّل
وصل غبطة البطريرك يوحنّا العاشر إلى روما آتيًا من بيروت، حيث كانت له لقاءات عدّة مع شخصيّات رسميّة، توّجت بلقاء مع قداسة البابا فرنسيس الأوّل في حاضرة الفاتيكان، وعن هذه الزيارة صرّح غبطته في مطار بيروت فقال: »للزيارة أوجه وأبعاد عدّة، البعد الأوّل كنسيّ أخويّ سنعبّر خلاله بشكل شخصيّ عن مـحبّتنا العميقة لقداسة البابا فرنسيس الأوّل ونقول له أيضًا إنّ العائلة واحدة والكنيسة واحدة نعمل مع بعضنا البعض لتوطيد العلاقات الكنسيّة المسيحيّة - المسيحيّة والأرثوذكسيّة - الكاثوليكيّة خصوصًا في بلادنا في منطقة الشرق. ومن ناحية أخرى سيفسح ذلك في المجال للبحث في القضايا والهموم الكنسيّة العامّة في العالم المسيحيّ. وأينما حللنا نحمل دائمًا في قلبنا وكياننا آلام شعبنا وأبنائنا ومنطقتنا. لذلك ستكون هنالك أحاديث عن الوضع الراهن وما يجري في بلادنا بشكل عامّ، وفي الشرق وسورية خصوصًا ولبنان. ونحن نثمّن المواقف التي أطلقها قداسة البابا، إن كان على الصعيد الكنسيّ البحت ضمن الكنيسة الكاثوليكيّة وهي مواقف جريئة جدًّا والغاية منها خير الإنسان والإنسانيّة عمومًا، أو في ما يتعلّق بالشأن العامّ من حيث إطلاق النداء حول السلام في العالم كلّه وفي ربوع بلادنا وفي سورية بشكل خاصّ والسلام في سورية والاستقرار الدائم في لبنان«.
وعن الوضع في معلولا ودير القدّيسة تقلا قال: »أريد أن أوضّح أوّلاً أنّنا أطلقنا نداء من أجل معلولا، هذه البلدة العريقة التي تشكّل معلمًا من معالم المسيحيّين منذ القرن الأوّل المسيحيّ، ولكنّنا لم نطلق نداء عن احتجاز الراهبات أبدًا ولم نستعمل هكذا مفردات، إنّما أطلقنا نداء من أجل معلولا لتحييدها وعدم إلحاق أيّ أضرار بها، وقلنا إنّ في تلك البلدة ديرًا عريقًا هو دير القدّيسة تقلا منذ القرن الأوّل المسيحيّ وما زالت الراهبات مقيمات فيه مع بنات وأطفال الميتم، وهذا الموقف يقدّر لهنّ، وهو موقف بطوليّ، وإنّ رئيسة الدير وراهباته لا يقبلن بمغادرته. ولكنّ نتيجة الوضع الراهن تعذّر الوصول إلى الدير، لذلك أطلقنا هذا النداء لكلّ المنظّمات الدوليّة والصليب الأحمر والهلال الأحمر والمنظّمات الحكوميّة وغير الحكوميّة للمساعدة على الأقلّ على هذا العمل الإنسانيّ وإيصال ما هو ضروريّ من ماء وكهرباء وموادّ غذائيّة إلى ما هنالك إلى ٤٠ شخصًا، أي الراهبات والبنات الموجودات في الدير المتشبّثات بأرضهنّ. وبالفعل حصل تجاوب من منظّمات دوليّة فوصلت بالأمس شحنة من الموادّ الغذائيّة إلى الدير، ونأمل أن تصل اليوم شحنة إضافيّة«.
وعندما سئل عن مـخطّط تهجير المسيحيّين من الشرق أجاب:
»إنّ الوجود المسيحيّ في المنطقة لأنّ ربّنا السيّد المسيح ولد في هذه البلاد، في فلسطين، ومن هذه الديار انطلق بولس الرسول، من سورية وأنطاكية، من أبواب دمشق اهتدى إلى المسيحيّة واهتدى إلى أنحاء العالم. وجودنا في هذه الديار معروف منذ البدء، وبيننا وبين إخواننا المسلمين تاريخ مشترك ومصيرنا واحد، ونحن نعيش مع بعضنا البعض بكلّ تآخٍ رغم قساوة الظروف في بعض الأحيان. نؤكّد مجدّدًا على عيشنا المشترك الواحد وعلى وجودنا المشترك وعلى مصيرنا الواحد، ونعتبر أنّنا عائلة واحدة ونعمل معًا من أجل خير هذا الشعب وهذا البلد الذي يستحقّ كلّ خير، في لبنان وسورية وبلاد الشام والمشرق بشكل عامّ«.
في روما شارك غبطته في الجسلة الافتتاحيّة لمؤتمر نظّمته أخويّة القدّيس إيجديو بعنوان »شجاعة الرجاء، الأديان والحضارات في حوار«. وألقى غبطته كلمة جدّد فيها دعوته إلى السلام معتبرًا أنّ سورية مدعوّة بمنطق الحوار والحلّ السياسيّ السلميّ إلى أن تتجاوز أزمتها. السلام في سورية لا تأتي به الصواريخ ولا البوارج، بل بإرادة السلام من الداخل والخارج«. وقال أيضًا: »أذكروا في صلواتكم الكنيسة التي في سورية، أذكروا في صلواتكم كلّ السوريّين وكلّ اللبنانيّين واسألوا اللَّه القدير أن يغرس في ديارهم سلامه الإلهيّ«.
والتقى غبطته في قصر الفارنسينا في روما وزيرة الخارجيّة الإيطاليّة وإيمّا بونينو وبحث معها الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط. وعن هذا اللقاء صرّح مصدر بطريركيّ أنّ الجانبين أكّدا على الاستقرار والعيش المشترك في لبنان وضرورة تبنّي الحوار سبيلاً أوحد للوصول بسورية إلى درب الخلاص. كما أكّدا على نبذ العنف والتطرّف واعتماد منطق السلام للوصول بالشرق الأوسط إلى برّ الأمان. وتطرّق الجانبان إلى حادثة خطف المطرانين يوحنّا (إبراهيم) وبولس (يازجي) وسائر الكهنة المخطوفين. وأكّدا على ضرورة مواصلة السعي لإقفال هذا الملف وإطلاقهم جميعًا«.
كما زار غبطته المدرسة المارونيّة في روما، حيث كان في استقباله المطرانان بولس (مطر) وفرنسوا (عيد) والمونسينيور طوني (جبران) وعدد من الكهنة.
وعن الزيارة إلى روما ولقاء قداسة البابا فرنسيس الأوّل صدر البيان التالي عن الدار البطريركيّة »زار بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنّا العاشر، حاضرة الفاتيكان في زيارة تاريخيّة، في الفترة الممتدّة بين ٢٦ أيلول والأوّل من تشرين الأوّل ٢٠١٣ التقى خلالها قداسة البابا فرنسيس الأوّل. لم تحمل الزيارة من الجانب الأنطاكيّ ذلك الطابع الرسميّ لكونها بشكل أساس، وبالتحضير السريع لها، زيارة تهدف إلى تظهير الموقف الأنطاكيّ من القضايا المطروحة للرأي العام العالميّ، ولضمّ صوت الكنيسة الأنطاكيّة إلى صوت الكرسيّ الرسوليّ في الدعوة إلى اعتماد الحوار وسيلة وحيدة لحلّ المشاكل التي تعترض بلدان المشرق، ولإرساء أسس السلام والعيش المشترك فيها.
وقد كان للبطريرك في هذه الزيارة لقاء تاريخيّ، اتّسم بالحفاوة، بقداسة البابا فرنسيس الأوّل، نقل فيه مـحبّة واحترام مؤمني كنيسة أنطاكية في سورية ولبنان والعالم أجمع، شاكرًا إيّاه على مبادرة الصلاة التي أطلقها من أجل السلام في سورية وفي العالم كلّه. كما تداول آلام شعبنا الذي يفتقد ومنذ خمسة أشهر راعييه المطرانين يوحنّا (إبراهيم) وبولس (يازجي) في حلب، ويصلّي إلى الربّ القدير أن يفرج عنهما وعن سائر الكهنة وعن كلّ المخطوفين أيًّا كانوا، وأن يتغمّد الكهنة الذين أعطوا دمهم خدمة لرعيّة المسيح بالرحمة الإلهيّة ويعزّي قلوب المحزونين بفقدان الأحبّة.
وأكّد البابا والبطريرك نبذ العنف والأعمال الإرهابيّة ورفض التطرّف بكلّ أشكاله. كما شدّدا على أنّ الحلّ السياسيّ والسلميّ الذي يضمّ الجميع إلى طاولة الحوار، هو الكفيل بتثبيت المسيحيّين وإخوتهم في المواطنة في البلاد الأمّ، وهو الضامن للاستقرار والأمان لإنسان هذا المشرق، وخصوصًا في سورية ولبنان، والذي يؤمّن حياة كريمة عمادها المواطنة وقبول الآخر والعيش المشترك.
لقاء مع الكرادلة
وتأكيدًا لأواصر الأخوّة والمحبّة بين روما وأنطاكية، كانت للبطريرك يازجي لقاءات عدّة مع الكرادلة أكّد فيها ضرورة السير قدمًا في سبيل وحدة المسيحيّين. والتقى أمين سرّ حاضرة الفاتيكان الكاردينال برتونه، شاكرًا إيّاه ومثنيًا على حكمة الكرسيّ الرسوليّ في إبقاء السفير البابويّ الأسقف ماريو (زناري)، في دمشق، سفيرًا لمحبّة كرسيّ روما ومسمعًا لصوت قداسته، وسامعًا عن قرب هموم المسيحيّين والمسلمين على السواء.
والتقى رئيس المجلس الحبريّ لتعزيز وحدة المسيحيّين الكاردينال كورت كوخ، مناقشًا معه سبل التعاون الملموسة بين كنيسة أنطاكية وكنيسة روما ومستقبل العلاقات المسكونيّة بين الكنيستين الكاثوليكيّة والأرثوذكسيّة.
وفي إطار تعزيز العلاقة مع الكنائس الكاثوليكىّة الشرقيّة، التقى الكاردينال ليوناردو (ساندري)، رئيس مجمع الكنائس الشرقيّة (الكاثوليك) وتداول معه سبل الارتقاء بالعلاقة الطيّبة التي تجمع الأرثوذكس بالكاثوليك الشرقيّين وتوحيد الصف المسيحيّ في إطار العلاقة الطيّبة مع الأخ المسلم.
وكانت له ضمن برنامج الزيارة مداخلة في مؤتمر »شجاعة الرجاء: الأديان والحضارات في حوار«، نظّمته ودعت إليه أخويّة القدّيس إجيديو في روما. وأكّد البطريرك في كلمته على أهمّيّة العيش المشترك الإسلاميّ المسيحيّ في الشرق. كما أعطى أمثلة حيّة من الواقع المعاش على تأصّل المسيحيّين في أرضهم«.
السويداء - سورية
جوقة الفرح الدمشقيّة في السويداء
ببركة صاحب السيادة المتروبوليت سابا (إسبر) أنشدت جوقة الفرح الدمشقيّة أمسيّة ابتهالات سكبت السلام في النفوس، وسط حشد من الحضور جمع أبناء المحافظة وضيوفها الوافدين، كما تلا سيادة المتروبوليت (إسبر) دعاء وطلبات خاصّة، ليحفظ اللَّه سورية وليعود الأمن والأمان إليها. وفي النهاية شكر سيادة المتروبوليت (إسبر) المشايخ ورؤساء الدين وجوقة الفرح وقدس الأب إلياس (زحلاوي).
وممّا جاء في دعاء سيادة المطران: »عينك التي ترى بلدي بعثرة كبرى قادرة سيّدي على أن تلملمه. يدك التي نثرت النجوم ألا تحنو علينا لمسات حبّ عسانا نثق بأنّك مفتقدنا من وراء الموت. يا من تمتم الوجود نفسه على شفتيك أما قلت كلمة واحدة لنبرأ جميعًا. تعال إلينا، اللّهمّ، لننسى ويتوب الوجه إلى الوجه. وإذا مسحتنا يمناك فالعرج يطفرون والموتى يقومون وندفن أحزاننا في الفرح الآتي ونمشي الكتف إلى الكتف نحو بلد نبنيه بروحك فيفوق جميع البلدان ضياء. تطلّع علينا بناظرك الرحوم يا ربّ، ولا تهمل شعبك وبلدك، بل اشملنا جميعًا بمحبّتك وأعدنا إلى صراطك المستقيم. أعطنا أن نمتلىء من روحك القدّوس يا اللَّه، فنترك الضغائن والأحقاد، ونعمل برضاك وأحكامك فنطلب الخير للجميع، فيعمر بلدنا المؤمن بنَفَسك المحيي على الدوام. اذكر يا ربّ جميع الذين يعملون من أجل خير هذا البلد ومن أجل شعبه. اغرس في قلوب القادة والفاعلين ما هو صالح لأجل كلّ شعبك. وهبهم السلام الوطيد الذي لا يُنتزَع. اذكر يا ربّ المهجّرين والمقتلعين من بيوتهم وأعمالهم وأعدهم إليها سريعًا. افتقد، اللّهمّ، شعبك في سورية برحمتك الواسعة، وخذ أطفالها على يديك، واجعل رعايتك لكلّ شعبها. وامسح يا ربّ من كلّ عين كلّ دمعة وعوّض عن الحزن بالفرح، وعن العنف بالوداعة، وعن التشريد بالاستقرار. اللّهمّ نقِّ بلدنا من كلّ دنس وارفع عنها كلّ طمع وطهّر أعداءها من شهوة التدمير، وارفع كلّ ضربة عن المساكين. أطعم أهلنا المحاصرين جميعًا ما يقتاتون به، ولا تجعلهم يعرفون الموت ولا القهر ولا الظلم، إذ ليس فيك سوى العدل والحياة. اسكب على الدول كلّها حسًّا بأوجاعنا، وروح تحنّن، فيسعوا إلى نشر السلام بدل الحرب، والتلاقي بدل الفرقة، والمحبّة بدل البغض. ساعدنا، ربّي، على ألاّ نقف عند الحدث، بل أن نواجهه متسلّحين بك، فنكون من الغالبين. وأبطل، اللّهمّ، هذه الحرب فناسك قد تعبوا«. l