البطريرك أغناطويس الرابع هزيم
المطران جورج خضر
منذ السادسة عشرة من عمره وحتّى آخر يوم في تجواله على الأرض، ارتدى الثوب الإكليريكيّ من حيث إنّه لا يعي نفسه إلاّ محترفًا خدمة الربّ. لم يكن مثلنا جميعًا في الكنيسة بإيمانه وقناعاته وحسب، ولكن في ملازمته الدائمة لأصحاب الرتب الدنيا منها والعليا.
إلاّ أنّه عرف أنّ كلّ هذه الرتب تتطلّب معرفة لم تكن تتوفّر إلاّ في التعليم العالي من الجامعات، فدخلها في جانبها المدنيّ في بيروت، وفي جانبها اللاهوتيّ في باريس، ونما فكره في هذه ينشئه كبار أساتذتها الروسيّين، الذين هاجر ذووهم إلى فرنسا، ودرس عليهم في معهد القدّيس سرجيوس في باريس، وتخرّج منه السنة الـ1953، فعاد إلى البلاد ليخدم في إدارة التعليم والكنيسة معًا، إلى أن وُلّيّ أبرشيّة اللاذقيّة قبل أن يجلس بطريركًا على أنطاكية والمشرق.
دعم أنطاكية في تقوية وحدتها وحفظها من انقسامات عرفتها طوال تاريخها. قرّب هدوؤه المسؤولين بعضهم من بعض في استخدامه عقله النافذ في عمقه. غدا إنسان العقل في رعايته حياتنا الروحيّة وإثارته الفكر المنير. وبدا هذا كثيرًا في جمع جهود المجمع المقدّس وتركيزها. وما من شكّ في أنّ »اللياقة والترتيب« اللذين تحلّى بهما أسهما مساهمة كبيرة في حفظ وحدتنا. الوحدة كانت عنده الهاجس الكبير، وفي هذا سلك مسلك سلفه البطريرك إلياس الرابع. بعد انقسامات كثيرة كان المسعى التوحيديّ الهمّ الكبير للكنيسة الأنطاكيّة المتوثّبة إلى الآتيات.
نهدت الكنيسة جميعًا إلى مجد اللَّه فيها وإلى رؤيتها البنيان الروحيّ في كلّ فئاتها، وتجدّدت أرواح كثيرة لِما رأته من تحسّس كبير في أعماق نفوسنا. والدعوة إلى الآفاق الواسعة شوهدت في معظم الأبرشيّات بقياده المجمع المقدّس الذي كان يحرّكه البطريرك إغناطيوس الرابع. تجميع القوى الروحيّة والقوى الباعثة إلى العمران كان هاجسه الكبير.
ربّما صحّ القول إنّ العمران بما فيه أوّلاً تشييد جامعة البلمند سوف يبقى الإنجاز الكبير للبطريرك الراحل تعبيرًا عن توق أنطاكية إلى ترسيخ قدمي السيّد في أرضنا.l