2011

11 – تعال ننظر - حظّك اليوم: لا أهملك ولا أتركك - رلى كنهوش - العدد 4 سنة 2011

 حظّك اليوم: لا أهملك ولا أتركك

رلى كنهوش

 

»شعرت سندريلا بالحزن الشديد لأنّها لم تتمكّن من حضور الحفلة... وفجأة! ظهرت الساحرة الطيّبة، ووعدت سندريلا بأنّها سترسلها إلى احتفال الملك، فطلبت منها يقطينة كبيرة وهرًّا وجرذين، ثمّ لوّحت بعصاها السحريّة، وحوّلت اليقطينة إلى عربة ملكيّة فاخرة، والهرّ إلى سائق للعربة يجرّها حصانان رماديّان قويّان... ثمّ نظرت إلى سندريلا، ولوّحت بعصاها للمرّة الأخيرة، وحوّلت ثوب سندريلا المهترئ إلى ثوب فاخر. وأمرتها قائلة: »اذهبي الآن وتمتّعي بالحفلة، ولكن عليك أن تعودي إلى المنزل قبل أن تدقّ الساعة الثانية عشرة عند منتصف الليل...«.

من منّا لم تداعب مخيّلته هذه العصا السحريّة كبارًا كنّا أو صغارًا؟ فيتمنّى أن يمتلك واحدة ليملك على الليل والنهار... وأن يغيّر العالم من حوله كما يحلو له!

أمضينا الطفولة البريئة وقد غذّت خيالاتنا قصص الساحرات الطيّبات التي تؤمّن لنا ما نتمنّاه... هذا إذا لم تتدخّل جنّيّات الشرّ والحسد، وتبطل مفعول الخير...! أمّا في عالم الراشدين، فكانت البلّورة السحريّة نافذتهم إلى علم الغيب والمستقبل...!

كبرنا، ورمينا جانبًا بساطة الطفولة. وعادت القصص السعيدة لا تثير مشاعرنا... تتوالى الأيّام بسرعة... فتتراكم الهموم والمتاعب وضغوط العمل، ويتسرّب الروتين إلى حياتنا، فيصبح قاتلاً شيئًا فشيئًا، ويجتاح مرض العصر »الاكتئاب« الغالبيّة العظمى من البشر... الغموض يحوط بالمستقبل القريب والبعيد... الخوف والقلق من المستقبل أضحى هاجس الكلّ... قد تتعدّد الأسباب، ولكنّ الدواء والحلّ الشافي واحد، متعدّد الأشكال، دواء ناجع، الكلّ يعرفه والجميع جرّبه... صباحًا أو عند المساء.

هذا، يستيقظ كالعادة ويقعد إلى مائدة الفطور، متأمّلاً إبريق الشاي ويتمنّى لو يخرج مع البخار المتصاعد مارد لطيف يقول: »شبّيك لبّيك العالم كلّه بين يديك«. ويحمله فوق ظهره ليريه ممالك العالم التي ستصبح مُلكه في لمح البصر، إن هو فقط سلّم نفسه إلى هذا المارد اللطيف... ولكن هيهات... ثِقْ تمامًا، عزيزي القارئ، بأنّه سيسقط على أرض الواقع، حالما تلامس شفتاه الشاي الساخن فتحترقان...

وتلك، تشرب القهوة بسرعة حتّى لو لم تكن تحبّها، مُرّة، وذلك بأنّ الكلام الحلو موجودٌ في الداخل، بل مكتوب على جوانب الفنجان وفي قعره، والذي سيظهر حالما تجفّ بقايا البنّ وتُفكّ الطلاسم حالما يخرج منه، أي من الفنجان، طير يحمل إليها بشارة وسبعة نصر... وسمكة أي رزقًا وفرًا... فعليها أن تحترس من العين الحاسدة في قعر الفنجان... وتقرّ عينًا فهي عروس جالسة في القعر أيضًا!... وفي وسط دارها شجرة وارفة الظلال، يخيّل إليها أنّها تلك التي غرست وسط جنّة عدن... ولكن لمعرفة الخير أو الشرّ »لست أعلم اللَّه وحده يعلم!«.

وأنت عزيزي، دعك من الكلام المعسول في الفنجان، وتلذّذ فقط باحتساء القهوة ساخنة، وأنت تقرأ برجك اليوميّ أو حظّك اليوم...!

ولا تيأس أبدًا إن لم يروِ ظمأك سطران من برجك مكتوبان في جريدة صباحيّة.

لمعرفة المزيد، ادخل المواقع الإلكترونيّة وهي متوفّرة لديك بكلّ اللغات... هناك فقط ستجد ضالّتك... كما يعتقد الملايين.

الصحّة، المال والأعمال والعائلة والعلاقات الاجتماعيّة والحبّ ورقم الحظّ والسفر... كلّ هذه الأخبار ستحملها إليك النجوم مع بزوغ الفجر... وإن كنت تبحث عن شريك، فابحث، أوّلاً، عن توافق برجيكما... وتقول لي هل من مزيد؟!

الأرقام والحسابات كافية لإخراجك من المآزق، وتحلّ لك كلّ الأمور المستعصية... ولا تنس أرقام الهواتف، هواتف العرّافات طبعًا، اللواتي سيطردن النحس عنك، ويقرأن لك المستقبل والغيب بشرط واحد بسيط، أن يكون لديك رصيد لا بأس به من المال في المصرف وبطاقة تأمين...

أجاهلٌ أنت؟ ألم تتعلّم القراءة والكتابة؟ أقصد قراءة الكفّ والفنجان وحظّك اليوم؟ وكتابة »الحجابات«؟

الحلّ الوحيد لك، إذًا، هو أن تقعد في حضرة عرّافة مشهورة أو ساحر لا فرق! وأنت محاط بروائح زكيّة من البخّور وطاردات الأرواح الشرّيرة، وبعض الخزعبلات وأنت تصغي إلى تمتمات المشعوذ والأنوار الخافتة... وتنفّذ بدقّة ما يطلب منك وتطلب من الأسياد المغفرة والسماح وتجلب لهم الهدايا... ولا تنس أن تضع كلّ حجاب في مكانه الصحيح... وأكرّر!! عليك أن تنفّذ بدقّة ما يطلب منك، وإلا انقلب السحر على الساحر...!

ما ذكر، داعب المخيّلة قليلاً، ورسم ابتسامات عريضة على وجوهنا، لأنّنا رأينا رسمًا كاريكاتوريًّا لأنفسنا... رسمًا مؤلمًا... رأينا أنفسنا مصلوبين على أبراج وهميّة ... ولكن، هذا هو الواقع  الأليم.

الخوف من المجهول والفضول لمعرفة الغد، يدفعان الغالبيّة العظمى إلى طَرق تلك الأبواب، والركض خلف النجوم التي تبعد ملايين السنين الضوئيّة، ليبتلعهما في نهاية المطاف ثقب أسود...

»نَفْتَخِرُ أَيْضًا فِي الضِّيقَاتِ، عَالِمِينَ أَنَّ الضِّيقَ يُنْشِئُ صَبْرًا، وَالصَّبْرُ تَزْكِيَةً، وَالتَّزْكِيَةُ رَجَاءً، وَالرَّجَاءُ لاَ يُخْزِي، لأَنَّ مَحَبَّةَ اللَّهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا«.

ولا يزال التنافس قائمًا، وما أكثر المنجّمين الذين يطلِّون من كلّ حدب وصوب، على الشاشات الصغيرة، يتسابقون إلى قراءة مستقبل البلاد والعباد... صار الإنسان يعتمد على خرائط »المنجّمين وتنبّؤاتهم« لضبط إيقاع حياته! وما زلنا نقرع كلّ هذه الأبواب غير متردّدين!!

سلوهم بأيّ سلطان يفعلون ذلك؟ بأيّ سلطان يفكّون النحس ويكشفون لكم الغيب؟ ويرسمون لكم المستقبل؟

»أيّها الممتلئ من كلّ غشّ وخداع، يا ابن إبليس، ويا عدو كلّ برّ أما تكفّ عن تعويج طرق الربّ القويمة؟«

أتساءل اليوم كم مرّة دقّت الساعة الثانية عشرة عند منتصف الليل، وكم من مرّة انتهى مفعول العصا السحريّة، وعدنا بخفّين مهترئين... ونفس يائسة!

لأنّنا عالم غارق في الأمّيّة... رغم تقدّم العلم والتكنولوجيا...

نعم الأمّيّة الحقيقيّة... لو كنّا نعرف القراءة الحقّ، لكنّا أدركنا أنّ الإنجيل قد حلّ جميع هذه المسائل، عبر عهديه القديم والجديد. ولكانت قصص طفولتنا قد غذّت إدراكنا بيقين ينقلنا إلى واقع الراشدين متسلّحين بالرجاء المسيحيّ الذي لا يخذل أبدًا:

»عَلَيْكَ يَا رَبُّ تَوَكَّلْتُ. لاَ تَدَعْنِي أَخْزَى مَدَى الدَّهْرِ. بِعَدْلِكَ نَجِّني«.

لا يميّز الإنجيل بين السحر الذي يهدف إلى عمل الخير، وذاك الذي يلحق الضرر. إنّه بطبيعته شرّ بأجمعه لأنّه يلتجئ إلى مصادر قوى محرّمة.  ففي سفر الخروج، عندما جلب موسى وهارون الضربات على مصر، حاول السحرة في بلاط فرعون القيام بالمعجزات عينها من طريق »السحر«. يشير »السحر« إلى الشعائر والطقوس التي استخدمها المشعوذون والسحرة لإنجاز أهدافهم التعاويذ، الرقى، والكلمات السحريّة. فبدا لبعض الوقت وكأنّهم حقّقوا نجاحًا محدودًا، لكنّهم سرعان ما فشلوا، وأقرّوا بأنّ قوة موسى كانت من اللَّه.

وفي نبوءة دانيال، استدعى ملك بابل السحرة ليفسّروا له أحلامه، فلم يستطيعوا. ولكن بقوّة اللَّه، فسّر دانيال الحلم بدقّة، وفسّر لاحقًا الكتابة على الحائط، والتي تنبّأت بسقوط بلسصّر.

أمّا في كتاب أعمال الرسل ٨: ٩- ١٣، فاستخدم سمعان الساحرالشعوذة ليدهش أهالي السامرة، فظنّوا أنّ قوّته العظيمة كانت من اللَّه. لكن حين بشّرهم فيلبّس بيسوع، وأتى بمعجزات حقيقيّة بقوّة اللَّه، لم يؤمن أهالي السامرة فقط، ولكنّ سمعان نفسه آمن أيضًا.

أعرف »واحدًا« فقط يتقن التكهّن بالمستقبل، ويعلم بالغيب ويصنع معجزات بواسطة رجاله الملهمين، وهو الوحيد القادر على قراءة أفكار البشر... تفشل أمامه كلّ طرائق الدجّالين وتسقط كلّ نبوءاتهم: »أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ وَتَعَبَكَ وَصَبْرَكَ، وَأَنَّكَ لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَحْتَمِلَ الأَشْرَارَ... وَقَدِ احْتَمَلْتَ وَلَكَ صَبْرٌ، وَتَعِبْتَ مِنْ أَجْلِ اسْمِي وَلَمْ تَكِل«.

يلبّي اللَّه احتياجاتنا اليوميّة بالاستجابة لصلواتنا. اللجوء إلى التنجيم هو تقليل من بلوغنا للكمال في المسيح، والتجاء إلى قوّة  غير قوّة اللَّه لمساعدتنا.

»يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبُ لَهُ، مَعَهُ أَنَا فِي الضِّيقْ، أُنْقِذُهُ وَأُمَجِّدُهُ. طُولَ الأَيَّامِ أُشْبِعُهُ، وَأُرِيهِ خَلاَصِي«. فمن له أذنان للسـمع فليسـمع، فـإمّا أن يطرد التنجيم إخلاصنا للمسيح إلى هلاك أبديّ، أو أن تطرد البشارة التنجيم من أجل خلاصنا !l

© حقوق الطبع والنشر 2025 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search