2019

9. خاطرة - القبض على اللَّه - خريستو المرّ – العدد الرابع سنة 2019

 

القبض على اللَّه

خريستو المر

 

 من وقت إلى آخر نقرأ كتابات البعض أو نسمعهم يجزمون بأنّ كلّ الخبرات الروحيّة خارج الأرثوذكسيّة ليست «روحانيّات»، وإنّما مجرّد «اختلاجات نفسيّة»، ويؤكّدون تاليًا أنّ أصحاب تلك الخبرات لا يمكنهم «معاينة اللَّه»، أي بعبارة أكثر وضوحًا هم لا يَخلُصون، لا يدخلون الملكوت. هكذا بكلّ بساطة، وبجرّة قلم أو بضع كلمات يحكم متكلّمٌ أو كاتبٌ بأنّ معظم البشريّة (٩٦٪ منها غير أرثوذكسيّ) لا يمكنها أن تعاين اللَّه. هكذا، بالنسبة إلى فكر كهذا، فإنّ إنسانةً كالأمّ تيريزا، التي قضت أيّامها ولياليها، وأشعلت جسدها ونفسها وعقلها، في خدمة الفقراء والمسيح في الفقراء، كما غيرها من الملايين من بنات وأبناء اللَّه غير الأرثوذكس، العاملين في خدمة الإنسان، ومنهم من هو مؤمن وممارس، في بلادنا وحول العالم اليوم، هم أشخاص لا يعاينون اللَّه وخبراتهم الروحيّة «لا تقود إلى تطهير القلب».

نحن نعتقد أنّ أفكارًا كهذه مخطئة في تحليلها واستنتاجاتها، وأنّ استنتاجاتها غير متوافقة مع روحيّة الإنجيل وما ورد فيه، ومع رسالة يسوع المسيح. وسنكتفي بذكر سببين منهجيّين أساسَيْن.

مقابلة مريحة نفسيًّا لصورتنا عن ذاتنا ولكن غير منطقيّة ولا مُنصِفَة

يقع أصحاب هذا الرأي في خلط فكريّ يكمن في مقابلة تصرّفات يراها المرء خاطئة (على افتراض أنّه عرفها فعلاً وفهمها فعلاً) لأشخاص في الجماعة «الأخرى»، بأوضاع مثاليّة في الجماعة الذاتيّة، بحيث تبدو محصّلة المقابلة إيجابيّة بالنسبة إلى الذات وسلبيّة بالنسبة إلى الآخر، وذلك بشكل غير عادل. فينتقد كاتب، مثلاً، عند غير الأرثوذكس «تقوى شعبيّة» «عاطفيّة» و«حماسيّة»، ويقابلها بـالصلاة الأرثوذكسيّة في أصالتها الروحيّة التي يتذوّق فيها الإنسان محبّة اللَّه. كلمات وكتابات مماثلة هي غير سويّة منهجيًّا لأنّها تُقابل تصرّفات عاطفيّة عند غير الأرثوذكس بمُرتجى مثاليّ في الخبرة الأرثوذكسيّة. واقع الأمر أنّه لو تأمّلنا بواقعيّة تخلو من التخيّل والرومنسيّة، لرأينا أعدادًا كبيرة من المؤمنات والمؤمنين الأرثوذكس يمارسون تقوى عاطفيّة وحماسيّة مشابهة. من ناحية أخرى، يوحي وصف التقوى بأنّها شعبيّة باحتقار ما، فهل من المفترض أن تكون التقوى نُخبويّة مثلاً، حكرًا على المتعلّمات والمتعلّمين، والحائزات والحائزين على شهادات اللاهوت. وكيف يمكن لتقوى أن تكون لاعاطفيّة؟ هل تقول الأرثوذكسيّة بمقاربة اللَّه بالعقل والفكر أم بكلّ الكيان بما يتضمّنه من جسدٍ وعاطفة وعقل؟ ألم يصف الكتاب المقدّس (نشيد الأنشاد) والقدّيسون (ذيايوخوس أسف فوتيكي، يوحنّا السلّميّ، سمعان اللاهوتيّ الجديد) العلاقة باللَّه بعبارات الحبّ والرغبة؟ أمّا الحماس فهو الوحيد الذي يجب أن نضبطه بالعقل حتّى لا يجنح الإنسان بالحماس إلى الخطأ والخطيئة.

إذًا، من حيث المبدأ والمنهجيّة، لا تجوز مقابلة ممارسات قد تكون مخطئة عند «الآخرين»، بمبادئ وتصرّفات مثاليّة عند الأرثوذكس. فعلى صعيد الواقع، ممارساتُ التقوى لدى كثير من الأرثوذكس تُقارِبُ السعي السحريّ إلى القبض على اللَّه والإمساك به.

التأكيد على إمكانيّة لقاء اللَّه في الأرثوذكسيّة لا يعني تأكيد غياب اللَّه خارجها

 لا ينحصر هذا السعي السحريّ في القبض على اللَّه في الممارسات التي يسمّيها البعض بـ«الشعبيّة»، وإنّما يُخشى أنّها تمتدّ، إلى الكتابة اللاهوتيّة، حيث يسعى البعض بحجّة الحرصِ على نقاوة التقليد إلى القبض على اللَّه عبر حصره في الأسرار الكنسيّة الأرثوذكسيّة. الكلمات البهيّة، والصياغات المنمّقة المجبولة بالعبارات اللاهوتيّة الرصينة، تخبّئ برأينا مسعى روحيًّا منحرفًا يكمن في السعي إلى القبض على اللَّه وتجييره للكبرياء، الكبرياء الجماعيّة للطائفة، والكبرياء الذاتيّة عند بعض الأخوات والإخوة؛ وسنبيّن في ما يلي أنّ بعض الكلام الذي يصدر هنا وثمّة- وعى أصحابها أو لم يَعوا - هو مسعى سحريّ إلى الاستيلاء على اللَّه.

فبإطلاقيّةٍ في غير محلّها، يجزم كاتب بأنّ الصلاة والصوم والسهر، هي «المدخل الوحيد إلى الحياة الروحيّة». لكنّ الصحيح هو أنّ هذه هي الطريقة المُعبّدة، إن صحّ التعبير، المرسومة في الخبرة الكنسيّة والتقليد الأرثوذكسيّين، وهي التي نعلّمها ونتّبعها ونصونها ونحفظها ونجدّدها، ولكن لا يمكن أن نقول إنّها المدخل الوحيد (بأل التعريف) لأنّ في ذلك وصاية على اللَّه (حاشا). فالإنجيل ذاته يعلّمنا أنّ هذه الطريق المُعَبَّدَة التي أوصانا بها يسوع ليست هي الوحيدة، وأنّ اللَّه حرٌّ منها مع أنّه هو واضعها. فاللصّ المصلوب على يمين يسوع صار في الفردوس ما أن أبدى توبةً وسأل يسوع قائلاً «اذكرني يا ربّ متى أتيت في ملكوتك». لم يشارك ذاك اللصّ في أسرار الكنيسة، ولا قام بأسهار وأصوام، ولا كان ناسكًا ولا هدوئيًّا، ومع ذلك قال له يسوع «اليوم تكون معي في الفردوس». تدعونا أقوال يسوع وأفعاله إلى أن نمتنع عن إطلاق الأحكام المطلقة التي تحكم بجرّة قلم أنّ مليارات البشر لا يعرفون اللَّه ولا يمكن أن تكون قلوبهم طاهرة. لا تفعل هذه الأحكام شيئًا سوى فضح رغبتنا في احتكار الخلاص ضمن جدران «أرثوذكسيّتنا» وضيق قلوبنا، هي أحكام بعيدة عن قلب اللَّه «كبعد المشرق عن المغرب»، بالفعل «لا أفكاري كأفكاركم ولا طُرُقي كطرقكم» (إشعياء ٥٥: ٨).

وفي حادثة أخرى أيضًا، يبيّن الإنجيل كيف أنّ اللَّه حرّ في أساليب الخلاص، إذ يُخبرنا كتاب أعمال الرسل بأنّ الروح القدس نزل على عائلة وثنيّة هي عائلة كرنيليوس قبل أن تعتمد وليس بعد أن تعتمد (أعمال ١٠: ٤٤- ٤٨). نعرف في الكنيسة أنّ المعموديّة هي الخطوة الأولى لاكتساب نعمة الروح القدس، ولكنّ الإنجيل ذاته يُعلّمنا أنّ للهِ طُرقًا غير الطريق التي هو أنشأها لنا (المعموديّة)، وليس لنا نحن، بحجّة الإخلاص له، أن نحلّ محلّه ونُلزِمَه ألاّ يختار طُرُقًا أخرى لمخاطبة البشر وإشراكهم في مجده.

ولنا تعاليم مماثلة من تراثنا الصلاتيّ. فنحن نصلّي ببساطة كلّيّة للروح القدس ونقول «أيّها الملك السماويّ المعزّي، روح الحقّ، الحاضر في كلّ مكان وصقع والمالئ الكلّ». هل هذا معناه أنّ الروح القدس حكرٌ على الأرثوذكس؟ أم أنّه، بالعكس، يعني أنّ الروح القدس يرعى الكون أجمع، وأنّه حاضر في قلب كلّ إنسان، في كلّ مكان، لأنّ كلّ إنسان هو ابنة أو ابن للَّه الواحد، واللَّه يحبّه ويرعاه في سرّ قلبه (قلب الإنسان)؟

ثمّ إنّ قدّيسًا كغريغوريوس النيصصيّ وإسحق السريانيّ كانا يرجوان أن يخلّص الشيطان نفسه؛ هذان القدّيسان لم يحصرا الخلاص في أسرار الكنيسة الأرثوذكسيّة وخبرتها الروحيّة، ولم يطرحا على نفسهما تلك الإشكاليّة الغريبة التي يطرحها البعض ومفادها أنّ شخصًا ما لا يمارس الأسرار في الكنيسة الأرثوذكسيّة فهو حتمًا خارج الخلاص، فالشيطان لا يمارس الأسرار إطلاقًا. كان القدّيس إسحق يقول «ما هو القلب الرحيم؟ إنّه قلب يحترق بالحبّ لكلّ الخليقة، للبشر، وللطيور، وللوحوش، وللشياطين، ولجميع المخلوقات». أدرك القدّيس إسحق وسع رحمة اللَّه، وهو ما يدركه كلّ إنسان ترك للبساطة وللرحمة مكانًا في قلبه، وآمن بالفعل بأنّ المسيح (وليس نحن) هو الـسيّد (بأل التعريف)، وبأنّ اللَّه أوسع من قلوبنا، ومن الأسرار، وأنّ له وحده الحُكم بما لا يمكننا أن نحكم أو حتّى أن نعرف به ألا وهو إن عايَنَ مخلوقٌ اللَّهَ أو لم يعاينه.

نعم، صحيح أنّ اللاهوت الأرثوذكسيّ يُعاش خبرةً للَّه بواسطة الصلاة وممارسة الأسرار في قلب الجماعة؛ هذا التأكيد هو تأكيد لاهوتيّ يفسّر كيف ترى الأرثوذكسيّة الكنيسة. ولكن شتّان بين هذا التأكيد والقفز منه إلى الاستنتاج بأنّ اللَّه محصور في الأسرار، أو في الأرثوذكسيّة، أو في الرهبنة التي يجنح كاتبٌ إلى حصر الخلاص فيها إذ يكتب أنّ «طريق خلاص الإنسان هي واحدة، نسكيّة هدوئيّة»، والهدوئيّة طريقة رهبانيّة محدّدة؛ هكذا، يحصر الكاتبُ الخلاصَ بالرهبان الهدوئيّين داخل الأرثوذكسيّة، وينفي بذلك الخلاص حتّى عن الأرثوذكسيّات والأرثوذكسيّين الذين لا يسلكون هذه الطريق، وهي نتيجة مؤسفة وخطيرة ولكنّها نتيجة منطقيّة للمنحى الحصريّ للخلاص الذي اتّخذه الكاتب، والذي أدّى به في نهاية المطاف إلى الانزلاق –من حيث لم ينتبه- إلى نخبويّة خلاصيّة مرفوضة قطعًا؛ إنّ قدّيسًا كنيقولا كاباسيلاس (١٣٢٢-١٣٩٢) كان علمانيًّا وموظّفًا في البلاط البيزنطيّ. حذّرنا أحد الرهبان الأوائل إيفاغريوس البنطيّ (٣٤٥-٣٩٩) بألاّ «نحوّل ترياق الأهواء (أي الصلاة) إلى هوى»(٤)، وقال القدّيس الروسيّ أغناطيوس بريانشانينوف (١٨٠٧ - ١٨٦٧) بحكمة: «ما أن نظنّ بأنّ الكبرياء هي تواضع فإنّه لا شفاء للمرض (أي للكبرياء)»(٥). لا ننسى أنّ الشيطان هو شكليًّا أهمّ النسّاك فهو لا يأكل ولا يشرب ولا يتزوّج ولكنّه شيطان؛ هدف النُسك في النهاية هو المحبّة، ولربّما كان أحد مؤشّرات سير الإنسان على طريق الخلاص أنّه يهتمّ أساسًا بخلاص غيره، ولهذا فهو يحملهم في قلبه ويهتمّ بإيجاد سبل اللقاء بين البشر، من دون مساومة ولا تلفيق، ولكن أيضًا من دون انغلاق ولا فوقيّة، وهذا أحد الأبعاد الواضحة في الخبرة الرهبانيّة الأصيلة والشواهد عليها وفيرة.

المواقف التي تحصر الخلاص بمجموعة من البشر هي أقرب إلى الفرّيسيّة إذ تحصر اللَّه غير المحصور، في الأرثوذكسيّة فقط، بل وبالرهبنة الهدوئيّة فقط؛ وهو ما يشكّل برأينا– من حيث يدري الإنسان أو لا يدري– محاولة سحريّة إلى الاستيلاء على اللَّه. لا ننسى أنّ محاولة الاستيلاء على الألوهة هي لبّ الخطيئة الأصليّة، وأنّنا جميعًا مهدّدون بها في كلّ لحظة، أفرادًا وجماعةً.

خلاصة

هكذا يمكننا أن نستنتج أنّ أيّ تأكيد على عدم إمكانيّة معاينة اللَّه خارج الأرثوذكسيّة هو تأكيدٌ غير منسجم مع ما ورد في الكتاب المقدّس، وفي حياة يسوع وأقواله، ومع التراث الصلاتيّ، والتراث الرهبانيّ الأصيل، وخبرات القدّيسين. فبينما يمكن التأكيد أنّ الأرثوذكسيّة، أو المسيحيّة، هي الطريق المُعبّدة (إن صحّ التعبير) التي حافظ عليها دم الشهداء من أجل أن تكون لنا حياةٌ في المسيح، فإنّه لا يمكننا أن نؤكّد، أنّ كلّ الخبرات خارج الأرثوذكسيّة هي خبرات إنسانيّة منقطعة عن اللَّه، وأنّها حتمًا لا تقود إلى معاينة اللَّه. اللَّه وحده هو «فاحص القلوب» (إرميا ١٧: ١٠)؛ كيف يجرؤ إنسان على أن يضع نفسه مكان اللَّه ليؤكّد أنّ ما من قلب تطهّر في الماضي، أو يمكن أن يتطهّر في الحاضر والمستقبل خارج الأرثوذكسيّة؟ من منّا صار فجأة عارفًا في القلوب، وفي الماضي والحاضر والمستقبل، وفي الآن عينه يمجّد التواضع في الأرثوذكسيّة؟

إنّ الإنجيل والخبرة الكنسيّة يدلاّنا على أنّ للَّهِ طرائق لا نعرفها في جذب النفوس إليه، في الكنيسة المنظورة وخارجها. أمام السرّ الأكبر، سرّ علاقة الروح القدس الحميمة مع كلّ قلب إنسان، يجدر بنا أن نتمسّك برجاء المحبّة التي «ترجو كلّ شيء». والأجدر بنا كأرثوذكس أن نؤكّد سلامة عقيدتنا، وأن نسعى مع المسيحيّين غير الأرثوذكس إلى متابعة حوار ناضج وغير تكفيريّ ننقّي فيه القمح من الزؤان في الأرثوذكسيّة قبل غيرها («الخشبة في عينك قبل القذى التي في عين أخيك»)، راجين أن نصل معًا إلى كنيسة واحدة إلى «ملء قامة المسيح» (أفسس ٤: ١٣).

قليلٌ من التواضع ينجّي قلب الإنسان (وفي حالتنا هذه، الإنسان الأرثوذكسيّ خصوصًا) من خطيئة القبض على اللَّه وتجييره لمصالح الجماعة، وصورتها النرجسيّة عن ذاتها، ومن سقوطنا أفرادًا وجماعةً في خطيئة الخطايا: الكبرياء، بخاصّة عندما تأتينا متنكّرةً في الظاهر بشكل الحفاظ على العقيدة ونقاوة الإيمان، وموقِعَةً إيّانا بالفعل في انحرافات ترضي أهواءنا وراحتنا، ومُغريةً إيّانا بأن نستريح في أرثوذكسيّتنا، وأن نحوّل الأسرار والخبرة الروحيّة الأرثوذكسيّة إلى شبكة نحاول بها أن نقبض على اللَّه، ساعين إلى أن نحوّله ليصبح على صورة ضُعُفاتنا وانقباض قلوبنا، عوضًا من أن نسير نحن، في تعبٍ وجهادٍ منفتح القلب والعقل، لنصبح على مثاله هو، فاتحين برحمته قلوبنا، عساها تسع الكلّ.

من مسلّمات الإيمان باللَّه، هو أنّ اللَّه أوسع من تصوّراتنا، وحتّى ممّا بدا لنا من عمله الخلاصيّ، ومن تأكيدات العقيدة الأرثوذكسيّة وكلّ عقيدة، ومن الخبرة الروحيّة الأرثوذكسيّة ومن كلّ خبرة، ومن كلّ المفاهيم، ومنها تلك التي نبتدعها منطلقين ممّا نظنّه غيرة على الإيمان الأرثوذكسيّ. «المفاهيم تصنع أصنامًا عن اللَّه، وحدها الدهشة تدرك شيئًا»، كما يقول القدّيس غريغوريوس النيصصيّ.

الموقف الذي يحاول أن يقبض على يسوع وعلى الروح القدس ضمن جدران مجموعة بشريّة دينيّة، مهما كانت «مستقيمة»، هو بالضبط موقف خيانة ليسوع الذي لم يرد أن يكون مسيحًا منغلقًا على الذات الجماعيّة، وخادمًا لمشاريعها، بينما أعلن أنّه لن يستخدم اللَّه لأجل خدمة النرجسيّة الجماعيّة ومشروعها الدينيّ-الاجتماعيّ-السياسيّ، بل سيخدم مشروع اللَّه ألا وهو مشروع خلاص كلّ إنسان، بمحبّة لا تعترف بحدود دينيّة أو قوميّة أو لغويّة أو جنسيّة أو عرقيّة، وسيخدمه بالصليب والقيامة، أي بما يعتبره العالم فشلاً، بل «عثرة» و«جنونًا» (١ كورنثوس ١: ٢٣).

علينا ألاّ نضيّع بوصلة «عثرة» و«جنون» المحبّة والرحمة، حتّى لا نغرق في الاطمئنان إلى «أرثوذكسيّتنا» رافعينها حاجزًا جديدًا بين «أبناء اللَّه المتفرّقين» الذين أتى يسوع ليجمعهم إلى واحد. فلا نُقَسِّ قلوبنا اليوم منغلقين عمّا وضع اللَّه في «الآخرين» من أنوار الروح القدس بطرائق يعرفها هو، الروح الذي يهبّ حيث يشاء ولا يضبطه شيء لا أسرار ولا مفاهيم ولا أفكار ولا أشخاص ولا جماعات مهما كانت أرثوذكسيّتها، فاللَّه يبقى أوسع ممّا يمكننا أن نتخيّله وممّا لا يمكننا أن نتخيّله، وبالتأكيد أوسع من ضيق قلوبنا وعقولنا، وقلّة إيماننا، وضحالة حبّنا.n

 

© حقوق الطبع والنشر 2025 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search