2018

8. ليتورجيا: رقاد العذراء في ترانيم العيد - ميكال ساسين – العدد الخامس سنة 2018

 

رقاد العذراء في ترانيم فترة العيد

ميكال ساسين

 

لم تعرف الكنيسة الأولى عيدًا لرقاد العذراء. فأعياد العذراء بمجملها متأخّرة. ودخل معظمها بعدما قبلت الكنيسة، بعد التشذيب، ما جاء في الأناجيل المنحولة. فوجدت في التراث الكنسيّ »سيرة لمريم العذراء«، اقتباسًًا عمّا جاء في تلك المنحولات، مع تعديلات وإضافات قال بها البعض.

سنقوم بجولة سريعة نستقرئ فيها ما جاء في ترانيم فترة عيد رقاد العذراء (١٤- ٢٢ آب)، مقتبسين الحدّ الأدنى الممكن من الاستشهادات. وستأتي هذه الجولة في قسمين: في القسم الأوّل نتكلّم على «رقاد» العذراء و«انتقالها» إلى معيّة ابنها. وسنرى أنّ هذا ما تشترك فيه مريم العذراء مع سائر القدّيسين، ولكن على مستوى أكثر تقدّمًا. وفي القسم الثاني، سنتكلّم على «عدم فساد جسدها»، وهو ما تنفرد به مريم العذراء.

«رقاد» العذراء مريم

يُسمّى العيد في التراث البيزنطيّ «تذكار رقاد سيّدتنا والدة الإله...». فالتشديد الأوّل هو على حصول الرقاد (وهذا ما لا يجزم به التراث اللاتينيّ، بل يميل إلى نفيه قائلاً بـ«الانتفال» من دون «رقاد»).

الترنيمة الأكثر تعبيرًا عن الرقاد هي «الأكسابستلاري»: «أيّها الرسل اجتمعوا من الأقطار إلى هنا وأضجعوا جسدي. وأنت تقبّل روحي، يا ابني وإلهي».

وهذه ترانيم أخرى تبرز «الرقاد» الحاصل: «يا معشر الرسل اجتمعوا اليوم من الأقطار، بحال مستغربة، (...) فاحتفلوا بدفنها الإلهيّ، باتّفاق العزم مع الأجناد العلويّة، مرنّمين نشائد التجنيز» (غروب 14 آب). «إنّ مصفّ التلاميذ قد اجتمع من أقطار العالم، بحال مستغربة، ليدفنوا جسدك الطاهر الإلهيّ» (سحر 14). «أيّتها الكلّيّة النقاوة، إنّ محفل الرسل قد انتحب نادبًا وذرف دموعًا منسجمة، لمّا شاهد نفسك المقدّسة مفارقة جسدك القابل الإله، فسبّح رقادك الإلهيّ تسبيحًا لائقًا» (سحر 14، أودية 6).

ومع أنّ هذا الرقاد تمّ «بحسب ناموس الطبيعة»: «أيّتها النقيّة الكلّيّة القداسة، إنّ تلاميذ المنقذ لمّا وقفوا حول سريرك وشيّعوك إلى القبر حسب ناموس الطبيعة، هتفوا نحوك بتراتيل التجنيز هاتفين»: (غروب 20)، «أيّتها النقيّة، بما أنّك برزت من صُلب مائت، فقد قضيت بحسب سنّة الطبيعة ...» (سحر 15، أودية 3)؛ إلاّ أنّه يبقى موضع تعجّب وذهول: «يا له من عجب حديث ومعجز غريب، كيف أنّ الفتاة اللابسة الحياة، كابدت موتًا وتُوارى الآن في قبر» (غروب 14). «إنّ الرسل قد أحدقوا بالسرير ناظرين إليك برعدة. فبعضهم تأمّل بالجسد واعتراه الذهول. وأمّا بطرس فهتف نحوك بعبرات قائلاً: أيّتها البتول، إنّي أراك جليًّا ملقاة طريحة، يا حياة الكلّ، فأندهش» (سحر 15).

«انتقال» العذراء مريم

تُكثر ترانيم فترة العيد الكلامَ على «انتقال» والدة الإله. وطروباريّة العيد خير مثال على استعمال فعل «انتقلت»: «... لأنّك انتقلت إلى الحياة بما أنّك أمّ الحياة...». وكذلك القنداق: «نقلها إلى الحياة الذي حلّ في مستودعها الدائم البتوليّة». وهذه شواهد أخرى، تبرز، غالبًا، أنّ هذا الانتقال أتمّه ابنها يسوع شخصيًّا: «إنّ سيّدة الكلّ مزمعة، في الغد، أن تضع نفسها بين يدي ابنها، منتقلة إلى المساكن الأبديّة» (غروب 14). «لترقص طبيعة الأرضيّين كلّها، فها إنّ البتول، ابنة آدم، تنتقل إلى السماوات» (غروب 14). «هلمّي يا أقطار الأرض كافّة، نغبّط انتقال أمّ الإله الموقّر؛ لأنّها قد وضعت نفسها المنزّهة عن العيب، في يدي ابنها» (غروب 15). «لمّا استودعت نفسك بيدي الذي تأنّس منك، بما أنّه إلهك ومبدعك، نقلك إلى الحياة العادمة الفساد» (سحر14).

واستعمال فعل «نقل» لا تختصّ به العذراء، بل تستعمله الترانيم لسائر القدّيسين. فنجده، مثلاً، في قنداق بطرس وبولس: «لقد نقلت إلى النعيم والتمتّع بخيراتك، يا ربّ، الكارزَين الثقات والمتكلّمَين بالإلهيّات وهامتي تلاميذك. لأنّك تقبّلت جهاداتهما وموتهما أفضل من كلّ ذبيحة،...». وكذلك فإنّ التمتّع بعربون الحياة الأبديّة في السماوات هو نعمة مشتركة بين جميع القدّيسين. ففي عيد الاثني عشر نقرأ: «إنّ المسيح الآن، إذ قد ارتحتم إليه يا أحبّاءه، يُكافئكم بالأكاليل العادمة الذبول، ويملأكم من التأمّلات الإلهيّة. فاستعطفوه الآن أن يخلّص الكنائس« (سحر 30 حزيران، أودية 9). وفي عيد قزما وذميانوس العادمَي الفضّة نقرأ: «أيّها الماقتا الفضّة، فيما أنتما ساكنان بفرح في السماوات، بادرا في تسكين آلام أجسادنا وقلوبنا...» (سحر 1 تمّوز، أودية 6). وكذلك بالنسبة إلى مصفّ القدّيسين كافّة: «إنّ مصفّ القدّيسين يبتهج إلى الأبد. لأنّهم ورثوا ملكوت السماوات. ولمّا تقبّلت الأرض رفاتهم فاحت عرفًا ذكيًّا. وإذ صاروا عبيدًا للمسيح، استوطنوا الحياة الأبديّة« (غروب 1 تمّوز).

«موت بلا فساد»

ما يميّز والدة الإله في رقادها، أنّ جسدها لم يعرف فسادًا. «أمّا في ميلادك، فحبل بغير زرع؛ وأمّا في رقادك، فموت بغير فساد» (سحر 15). »إنّ الإله ملك الكلّ قد أثابك بما يفوق الطبيعة، لأنّه كما صانك عذراء في الولادة، فكذلك حفظ جسمك في اللحد بغير فساد، ومجّدك معه بانتقالك الإلهيّ، مانحًا لك كرامة كابن لأمّه« (سحر 15، أودية 6). «إنّ مصفّ الرسل قد اجتمع من أقطار العالم بحال مستغربة، ليُضجع جسدك الإلهيّ العادم الفساد» (غروب 18). «إنّ جسدكِ كان منزّهًا عن الفساد. واقتبل الدفن بحسب ناموس الطبيعة، ولبث عادم الفساد» (سحر17).

جسد مريم لم يبقَ في القبر: «أيّتها الكلّيّة القداسة، إنّ هيكلك الطاهر انتقل من الفساد، ونفسك العقليّة تبتهج في الفردوس في السماويّات، فلذلك نهتف نحوك قائلين: إفرحي أيّتها الممتلئة نعمة» (سحر 14). فعلى هذه الحقيقة يلتقي الجميع. ولكنّهم يختلفون في مصير هذا الجسد غير الفاسد. ولكن بعد ذلك ينقسم كاتبو التسابيح إلى فريقين.

ففريق يؤكّد أنّ الجسد نُقل إلى الفردوس بانتظار القيامة العامّة:

«إنّ أجناد الملائكة، لمّا نظروا انتقالك، يا أمّ الإله الطاهرة، وكانوا حائزين مشيئة المولود منك، جمعوا جمهور التلاميذ، وحملوا بسرور جسدك المكرّم إلى الفردوس، مسبّحين المسيح المانح الحياة مدى الدهور» (سحر 16). «إنّه لعجب مرهوب جدًّا، كيف التي حملت في حشاها الملك غير الموسوع، توضع في قبر. وجماهير الملائكة مع الرسل، يجهّزون بخوف جسدها الكريم القابل الإله؛ الذي قد أصعده إلى علوّ السماوات ابنُها يسوع المخلّص نفوسنا» (غروب 18).

وفريق آخر يؤكّد أنّها قامت مستبقة القيامة العامّة:

«أيّتها الكلّيّة النقاوة، إنّ رمسك يذيع بدفنك وبانتقالك الآن إلى السماوات بجسدك» (سحر 14، أودية 5). «أيّتها النقيّة، لقد حُزتِ جوائز الغلبة على الطبيعة بولادتك الإله، ولكنّك خضعت لنواميس الطبيعة، بحال تفوق الطبيعة، مماثلة ابنك وخالقك، ومن ثمّ نهضت بعد موتك لتكوني مع ابنك سرمدًا» (سحر 15، أودية 1).

ونختم الجولة ملتمسين شفاعة العذراء

«في ميلادك حفظت البتوليّة وصنتها، وفي رقادك ما أهملت العالم وتركته، يا والدة الإله، لأنّك انتقلت إلى الحياة، بما أنّك أمّ الحياة. فبشفاعاتك أنقذي من الموت نفوسنا» (الطروباريّة).n

© حقوق الطبع والنشر 2025 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search