2018

2. أوراق حركيّة: الحركيّون والأخلاق - الأب جورج (مسّوح) – العدد الخامس سنة 2018

 

الحركيّون والأخلاق

في ١٦ ت٢ ٢٠١٧

جورج مسّوح

 

تسود في أوساطنا الكنسيّة، والحركيّة أيضًا، ثقافة جديدة لم نعهدها منذ نشأة الحركة، وهي ثقافة انعدام المعيار الأخلاقيّ الإنجيليّ الذي يجب أن نبني عليه، نحن المسيحيّين، مواقفنا وآراءنا في الشأن الكنسيّ والعامّ. وذلك يعود في جزء منه إلى إهمالنا الإنجيل وتعاليم الربّ يسوع الذي ربط بين البعدين الروحيّ والأخلاقيّ في تعاملنا بعضنا مع بعض، ومع القريب المحتاج إلينا وإلى مساندتنا إيّاه أيّام المحن والمصائب.

ربّما تعود هذه الثقافة أيضًا إلى منهجيّة تعليمنا الحركيّ من حيث التركيز على أنّ الأرثوذكسيّ هو من كان مستقيم الرأي في العقيدة، يعرف (أو بالحريّ يظنّ أنّه يعرف الكثير) عن الثالوث الأقدس، وعن طبيعتَي الربّ يسوع، وعن قضيّة انبثاق الروح القدس، وعن «انحرافات الكاثوليك والبروتستانت». كلّ هذه المعرفة الناقصة لديه تجعله يمضي الساعات في مجادلة المسيحيّين في صحّة الإيمان الأرثوذكسيّ وبُعد المسيحيّين الآخرين عن نعمة الأرثوذكسيّة.

يضاف إلى ذلك غرقهم في البُعد الطقسيّ الكنسيّ دون سواه من الأبعاد المطلوبة من الأرثوذكسيّين: تراتيل، طقوس، القدّاس الإلهيّ، رحلات إلى الأديار والرعايا، سهريّات عباديّة... هذا كلّه حسن ومطلوب من المسيحيّ أن يؤدّيه على أفضل وجه. ولكن ينبغي عدم التوقّف عند هذا البُعد، كما لو أنّنا أدّينا كلّ ما ينبغي أن نؤدّيه. هنا ينبغي أن نتذكّر قول القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم: «سرّ الأخ»، «قدّاس ما بعد القدّاس». هذا هو البُعد الناقص في حياتنا المسيحيّة، البعد الأخلاقيّ.

أوّلاً: في الشأن الروحيّ

شهدنا مؤخّرًا أزمة ما زالت قائمة إلى اليوم. أصل الأزمة هو تحوّلها من قضيّة أخلاقيّة إلى قضيّة عبادة الأب الروحيّ، والدفاع عن عصمته ضدّ أيّ اتّهام... شارك بعض الحركيّين في الدفاع عن مبدأ العصمة عوضًا من البحث في البُعد الأخلاقيّ الذي يمنعهم من الوقوف إلى جانب الظالم ضدّ المظلوم. وطالت الشتائم والاتّهامات بالهرطقة كبيرًا من كبار اللاهوتيّين، المتروبوليت جورج )خضر(. واستُخدمت بعض الآيات الإنجيليّة في غير موضعها: «من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها أوّلاً بحجر»، غافلين عن قول الربّ لها في نهاية الفقرة: «اذهبي ولا تعودي إلى الخطيئة».

ثمّ صدر القرار النهائيّ، الذي لم أطّلع عليه، فأصبح المجمع الأنطاكيّ المقدّس كلّه مشاركًا في المؤامرة ضدّ شخص واحد... وطالت الشتائم كلّ المطارنة وصاحب الغبطة والكثير من الكهنة. المشكلة الأخلاقيّة هنا تكمن في انعدام ثقة الأرثوذكس بأيّ مرجعيّة سوى مرجعيّة الأبوّة الروحيّة. وصار كلّ أرثوذكسيّ ينصّب نفسه قاضيًا ضالعًا بتفاصيل القضيّة التي يدافع عنها. والمقولة السائدة لديهم: «أنا لست مقتنعًا بهذا الحكم»، أو «لا أظنّ أنّ فلانًا يفعل ما فعله حبيبنا».

السبب الرئيس وراء هذا التفكير يعود بلا ريب إلى انفلاش الأبوّة الروحيّة بشكل عشوائيّ، وعدم متابعة ما يقوم به الآباء الروحيّون من لدن المطارنة ذوي السلطان عليهم، لكفّ يد من ليس أهلاً قبل استفحال الوباء الذي يبثّه في مريديه. نضيف إلى ذلك سياسة تشجيع الحركة على الزيارات والاسترشاد خارج رعاياهم، حيث ملء الكنيسة الجامعة.

ثانيًا: في الشأن العامّ

ثمّة حالة مرضيّة باتت ضاربه في عمق الجسد المسيحيّ والحركيّ، هي حالة احتقار كلّ ما يمتّ بصلة إلى أخلاقيّات الإنجيل. ننسى حقوق المسيح، ونبحث عن حقوق المسيحيّين. نهمل المسيح وتعاليمه، ونتبع تعاليم القائد السياسيّ وإن تناقضت مع الإنجيل. فإذا أخذنا، على سبيل المثال، موضوع النازحين السوريّين إلى لبنان، نجد أنّ مثل السامريّ الصالح غائب كلّيًّا، وأنّ كلام الربّ: «كنت غريبًا فآويتموني» كلام مثاليّ غير قابل للتطبيق، ويليق برواية جميلة بطلها فاعل خير خياليّ. التعبئة المسيحيّة بحاجة إلى الكراهية والبغض، وليس إلى المحبّة المسيحيّة. هذه المحبّة لا تنفعنا ولا تنفع قائدنا الفذّ. باتت المسيحيّة ذريعة لتبرير السياسة الدنيئة عوضًا من تهذيبها لتصبح لخير الإنسان وكرامته.

تعاليم المسيحيّة التي تقدّم المحبّة وممارستها على العدل تفوق بكثير كلّ شرائع الدنيا الدينيّة والمدنيّة. الغرب بات يخضع لشريعة حقوق الإنسان وتنفيذها بحذافيرها، علمًا أنّها دون تعاليم المسيحيّة بأشواط. لكن عندنا ما زال معظمهم يسخر ويهزأ بخفّة لا تطاق بالمواطنين اللبنانيّين ذوي التوجّه المدنيّ عن حقّ. فيتعاملون بسخافة وتفاهة مع الذين يثيرون من حين إلى آخر مسألة احترام الإنسان وحقوقه. هذا الانحطاط الأخلاقيّ يتناقض وما يقوله كثير من اللبنانيّين عن سعيهم إلى بناء «دولة مدنيّة». الدولة المدنيّة أساسها إقرار حقوق الفرد المواطن، واتّخاذ الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان معيارًا للسلوك الوطنيّ والمجتمعيّ والسياسيّ.

فإذا كنّا لم نصل بعد إلى مستوى احترام حقوق الإنسان، فكيف لنا أن ننفّذ مقتضيات الإنجيل التي تتطلّب منّا تكريسًا كاملاً، روحيًّا وأخلاقيًّا وإنسانيًّا، لتحقيق «سرّ الأخ» على أرض الواقع.

هذه مسؤوليّة كبرى تقع على عاتق الحركة، وما علينا نحن الحركيّين، سوى تنشئة أعضائنا وتذكيرهم دائمًا بهذه المسؤوليّة التي سوف نُحاسب عليها في اليوم الأخير.n

 

© حقوق الطبع والنشر 2025 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search