الخبرة يكتسبها الإنسان بعد درس وعمل شخصيّين، وقد يكتسب الإنسان خبرة الذين سبقوه فيجهد لمعرفتها ويتعلّمها ومن ثمّ يقدّم خبرة جديدة ممتدّة منها إلى آفاق جديدة. لا أدّعي أنّني صاحبُ خبرة وشهادة، ما أنوي قوله إنّما هو خبرة جماعةٍ إنجيليّةٍ إفخارستيّةٍ أحبّت السيّد وأخلصت له الودّ، هي جماعةٌ انطلقت من رحم معاناة الكنيسة منذ نيّف وخمسين سنة، أعني حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة.
خبرتنا هي الخبرة التي عاشها الرسل والقدّيسون ونقلوها إلينا في الكتاب المقدّس وبطون الكتب وأمّهات التفسير وحُفظت في البِيَع ومغاور الزهّاد وعيشت في القلوب والعقول والأبصار بعروة وثقى لا تنفّك دائمة. خبرتنا وصلت إلينا بدموعِ التائبينِ وصلواتِ الهاجدين وأدعية الساجدين، هؤلاء الذين لم يتوقوا إلاّ إلى وجهه ذي الجلال والإكرام.
يضيق بي المجال إذا رمت التحدّث عن خبرتنا في ميادينها كلّها. سوف أكتفي ببعضها مّما أراه بارزًا، وبخاصّة هنا حيث نحن اليوم في أرض جبل لبنان.
خبرتنا تقول إنّ التكريس بكلّ أبعاده لشيء أساسيّ، ولفظ “تكريس” لا يُختزل فقط في الخدمة الكهنوتيّة – كما هو سائد في أذهان الناس – بل يتعدّاه إلى كلّ الوظائف التي تساهم في بناء الكنيسة الجسد، ذلك أنّ التكريس يفيد أوّلاً تخصيص النفس لخدمة الله من خلال الجهاد الشخصيّ في الكهنوت والتعليم والوعظ والخدمة والرهبانيّة، وقد لا يكون التكريس في هذه كلّها بل في الحضور مع الأخوة والتزامهم في المحبّة والصلاة والصوم والحياة. مع ذلك فالحركة ورشة مستمرّة ما انفكّ يظهر فيها يومًا بعد يوم الكهنةُ والشمامسةُ والرهبانُ. هؤلاء الكهنة الجدد يساهمون في تلبية حاجات المؤمنين في بعض الرعايا حيث لا كهنة، ولكنّ عددهم لا يكفي، فما زالت الحاجة إلى كهنة همًّا يلاحق الأساقفة.
خبرتنا تقول إنّ الحياة المسيحيّة تتجلّى في الرعيّة أوّلاً، فالمسيحيّ يولد وينمو ويموت في الرعيّة، والرعيّة في القدّاس الإلهيّ هي الكنيسة الجامعة كلُّها وليست بعضَها. شهادتنا في الرعيّة تكمن في مساعدة الكاهن في الخدمة الاجتماعيّة والتعليم وحضورنا الفاعل الودود مع المؤمنين. ذكرت الخدمة الإجتماعيّة أوّلاً لأنّ الفقير والمحتاج والعاجز والأرملة هم أيضًا طريقُنا إلى الملكوت أو منزلقُنا إلى الجحيم. أمّا التعليم فلأنّ موهبة التعليم ليس محصورة بالكهنة، وحضورنا بديهيّ.
لقد أثبتت الحركة أنّها مجال درس وعمل للراغبين في عيش روحيّ – نسبة إلى الروح القدس – كما بيّنت بوضوح أنّ وجودها في رعيّة من الرعايا إنّما هو دليل ساطع على غنى هذه الرعيّة. ليس من انقطاع أو تضادّ بين ع