1996

20- مشروع خطّة عمل للكنيسة الإنطاكيّة – المؤتمر 27 – جورج نحّاس – العدد السابع (التوثيقي) سنة 1996

المؤتمر الحركي السابع والعشرون

دير سيدة البلمند

7 أيلول 1995

 

       دعت الأمانة العامة في حركة الشبيبة الأرثوذكسية المراكز كافة، في لبنان وسوريا، إلى المشاركة في المؤتمر الحركي السابع والعشرين الذي أُقيم في دير سيدة البلمند، وذلك في السابع من أيلول 1995.

 

        قدّم الأخ جورج نحاس، خلال المؤتمر، ورقة عمل بعنوان «مشروع خطة عمل للكنيسة الأنطاكيّة»، هدفت إلى طرح أمور من شأنها أن تساهم في نهضة الكنيسة.

 

مشروع خطّة عمل للكنيسة الأنطاكية

جورج نحاس

  • المقدّمة
    • هدف الورقة

تهدف ورقة العمل هذه إلى طرح أمور يمكن أن تصلح لتكون موضوع تأمل ودراسة وتخطيط لمستقبل الكنيسة القريب. فالشعور السائد أن الكنيسة تُؤخَذ على حين غرّة وكثيراً ما ترى نفسها مضطرّة لاتخاذ قرارات مهمة أمام أمر واقع هو شعور يسود بعض أوساطنا المؤمنة. الحقيقة إننا بحاجة لنتدارس الواقع المحيط بنا ونستشفّ المستقبل قريباً وبعيداً، على قدر ما يعطينا الله من إلهام ورؤية حتى نتحضّر لهذا المستقبل كأفراد وكجماعة.

هذا العلم الذي لا بدّ من أن يؤدّي إلى تخطيط يسمح للكنيسة بأن تأخذ عن الواقع الذي تعايش فكرة واضحة ومتكاملة فيأتي التخطيط وفق أولويات تضعها الكنيسة لنفسها. فلا بدّ من تحضير الطاقات الأنطاكية كافة وتجييشها حتى تتمكن الكنيسة من أداء الخدمة الموكولة إليها من السيّد في إيصال البشرى السارّة، بشرى الخلاص لكل العالم. وهذا العمل لا يُرتجل بل هو وليد خطط دقيقة متكاملة تنفّذها الكنيسة بما أوتِيَت من إمكانات مدعومة بالإيمان وبنعمة الروح العامل فيها.

لذلك، وحتى تتفاعل الطاقات الأرثوذكسية كافة وعلى مختلف الصُّعُد، لا بدّ من إطلاق عملية نوعية تطال جميع المؤمنين فلا يشعر أحد أنه مُستَبعَد ولا أنه لا دور له في حياة الكنيسة وشهاداتها. وفي الوقت ذاته أبناء الكنيسة جميعاً وبحسب تحسّسهم الأوضاع المحيطة بهم مدعوون لكي يشاركوا ليس فقط في الوجه التنفيذي بل أيضاً في التخطيط ذاته فلا تُسقَط قرارات ولا تصدر أوامر بل بالتناغم الكامل للمواهب تحت إشراف أعضاء المجمع المقدّس ورعايتهم تتبوتق المواهب وتتفاعل في شتّى الميادين. ففي عصر تعود الحضارة فيه لتكتشف تداخل الأمور وارتباط الواحد منها بالآخر يكاد الإصرار على التشرذم والفوقية والإستقلالية ضمن الجسم الواحد أن يكون خطيئة ضد الروح.

 

  • الوحدة الأنطاكية

في هذا الجو المتأزّم روافد النهضة الأنطاكية كلُّها مدعوّة لتمثّل دور مطلِق عجلة تفعيل هذه السيرورة. فالهمّ الأساسي هو مساعدة الإدارة الكنسية في بلوَرَة مستقبل العمل الكنسي في هذه الديار انطلاقاً من واقع يرسم بوضوح وصراحة وجدية واستناداً إلى أولويات يتّفق عليها، ولو تعدّدت وتشعّبت، ووفقاً لبرامج تنفيذية يُسأل عنها ذوو الاختصاص كلٌّ في ميدانه وحسب ما أُعطيَ من قدرات ومواهب. فالنهضة خادمة للكنيسة في وضع هذه السيرورة موضِع التنفيذ مهما كلّفها الأمر من تضحيات وإعادة نظر في ما تعوّدت عليه وسكنت إليه في الخمسين سنة الغابرة.

لذلك، على المؤمنين أن يعوا أن الأمر المطروح صعب المنال لأنه يستلزم وضع أرضية ثابتة تشكّل منطلق أي بحث كنسي رصين. كما يستلزم إعادة اللُّحمة في جسم تشرذم في التاريخ لأسباب عديدة داخلية منها وخارجية وفقد عمليّاً الثقة بنفسه وتباعدت أعضاؤه إلى حدّ تجاهل بعضها البعض الآخر. كما يستلزم واقعية ترفض الانتفاخ والأمجاد الباطلة والتقاليد التي لا تمتّ إلى أصالتنا بصلة حتى يتمكّن الجميع من النقاش الهادئ مستلهمين الروح وحده ومترفّعين عن كل مصلحة مهما كانت صغيرة أم كبيرة، ناظرين إلى بهاء العروس.

هذا كله لا يتمّ إلا إذا أردنا الوحدة الأنطاكية وحدة حقيقية قائمة على مبدأ التجسّد فنرفض، إذاك، المقولات التي ترى الوحدة في الرموز وتسعى لكي تقوم الوحدة بين الأشخاص المؤلفين جسد المسيح. وللوحدة مستلزمات حياتية وليس فقط لاهوتية نظرية. هذه الخطّة تنطلق من هذا الوعي وتعتبره أساساً لا غِنى عنه.

 

  • محتويات خطّة العمل

ينطلق هاجس خطّة العمل هذه من استحقاق تشرين الأول 1996 وهو الموعد الذي أقرّه المجمع الأنطاكي المقدس في تشرين الأول 1993 كموعد لانعقاد المؤتمر الأرثوذكسي العام. لا بد لهذا الإستحقاق من أن يحضّر بشكل لائق فتكون أمام المجتمعين أوراق عمل وخطط ومشاريع يسعون إلى إقرارها ووضعها موضع التنفيذ كلٌّ حسب وضعه وبتضافر كامل فتتجلّى بذلك وحدة الكنيسة ومحبّتها لله.

ربما احتاج الأمر لمشاورات جانبية تحضيرية. لقد تمّ البعض منها بشكل مجتزأ وكان بمثابة إطلاق شرارة التفكير بهذا الموضوع أو ذاك، ولكن ربما استدعى الأمر حلقات إضافية لتعميم الفائدة وإغناء البحث وإشراك العدد الأكبر في مرحلة التحضير هذه. هذه الخطة ليست وليدة شخص بل نتيجة مخاض ابتدأ مع انتهاء هاتَين السنتَين، كما أنها ليست نهائية بل خاضعة، كأية ورقة عمل، للتغيير والتبديل والتعديل حسبما يرتئي الإخوة المؤمنون في مناقشتهم إيّاها.

تُقسَّم هذه الخطة إلى ثلاثة أقسام رئيسة:

أولاً: الأُسس النظرية للطرح، إذ لا بد من وحدة في الفكر تجمع الكلّ وتشكّل المرجعية الأساس لكل نقاش.

ثانياً: الأولويات، حتى تتمكّن الكنيسة من برمجة التنفيذ برمجة علمية واضحة تؤدّي إلى الثمار المرجوّة فتكون "أمورنا بلياقة وترتيب".

ثالثاً: المشاريع، وهي الحدّ الأدنى من المشاريع الذي، استناداً إلى الأولويات، يُقتَرَح أن تسعى الكنيسة إلى ترجمته في هذه الخطة.

أخيراً، لهذه الخطة ملحقات تشكّل جزءًا لا يتجزّأ منها إذ إنها تتضمّن، بتوسّع نسبي، الطروحات التي أدّت إما إلى الأسس المذكورة أعلاه إما إلى اقتراح هذه الأولويات.

 

  • الأُسس النظرية

2-1 المنطلقات الأساس

2-1-1 كنيسة الروح القدس (مستند رقم 1)[1]

        المواهبية في الكنيسة تُعطى للمؤمن مع سرّ الميرون وهي بشكل من الأشكال حقّ من حقوقه، والمسؤولية في الكنيسة مُلقاة على الجميع. لا ينفرد أحد بالمسؤولية عن الكنيسة وفيها. كلٌّ حسب موقعه مسؤول لأنه أُعطيَ مواهب، ولذلك الكنيسة مواهبية وهي كنيسة الروح القدس المعزّي، موزّع المواهب. فعندما نريد أن نتوجّه إلى الناس الذين يعتبرون أنفسهم غرباء عن الكنيسة وحتى نستطيع إقناعهم بأن لهم دوراً في الكنيسة، لا يمكننا محادثتهم بمنطق "ضابط ونفر" فهذا المنطق لا يجعل من الآخرين شركاء في الكنيسة وهو أيضاً غير أرثوذكسي إذ يستلهم فقط اللاهوت الغربي. إذاً لا يمكن إقناع الناس بأنهم مشاركون في الحياة الكنسية إلا إذا قلنا لهم إن هذه المشاركة ليست تنازلاً من قِبلنا بل هي هبة الله لهم في جرن المعمودية وفي سرّ الميرون واشتراكهم في سرّ الشكر.

 

2-1-2 الكنيسة جسد المسيح (مستند رقم 2)[2]

        الكنيسة مواهبية، والروح القدس ساكن في وسطها، وهي جسد المسيح وما من تباعد في الجسم الواحد بين أعضائه. فالمواهب لا تعني أن يتفرّد كلّ مؤمن مستنداً إلى وحي فرديّ من الروح. الكنيسة تحيا بالروح القدس المسكوب على أشخاصها والذي يجعل من هؤلاء الأشخاص جسداً، أي أن كلّ عضو من أعضائها يتّخذ قامته كشخص بارتباطه في الجسد كما يعلّمنا بولس الرسول.

 

2-1-3 المواهب في الكنيسة (مستند رقم 3)[3]

        المواهب ليست نظرية بل تُترجم خِدماً. لقد اعتدنا أن نعتبرها محصورةً بالأسقف أو بالكاهن. التعليم الأرثوذكسي يقول إن المواهب فاعلة في الجسد الواحد والكنيسة تلتقط هذه المواهب وتوظّفها في الخدمة، سواء انتهت كموهبة رسولية أو استمرّت كسائر المواهب التي عدّدها الرسول في رسالته التي عرفتها الكنيسة لاحقاً. إذاً لا أستطيع تصنيف المواهب كضرورية أولاً للكنيسة لأنه يجب عليّ السعي لاكتشافها وتوظيفها على اختلافها (فنيّة، أدبيّة، علميّة، ....) فهي عطيّة الله وليست مستقلّة عنه. لذلك، إذا بدا الكلام على المواهب، اليوم، أمراً ضروريّاً فلأننا فقدنا فاعليّة أبناء الله وخسر الجسد كلّه الديناميّة التي أرادها له الرسول.

 

2-2 التسامي والتنازل

        كما أن الله متسامٍ بالطبع وقد تنازل وأفرغ نفسه آخذاً صورة عبدٍ لفرطِ محبّته للبشر، كذلك الكنيسة، وهي على صورة الله، متسامية من حيث طبيعتها الإلهية ومتنازلة من حيث وجودها في العالم وحياتها فيه. (مستند رقم 4)[4]

        يتكلّم الكاتب في هذا النص على وجهَيّ الكنيسة: التسامي أي أن الكنيسة أزلية وهي في فكر الله منذ الأزل وتالياً على ملء قامة المسيح، والتنازل أي أن الكنيسة موجودة وتحيا على الأرض وهي تأخذ لذلك بُعداً تاريخيّاً تترجمه في حياتها. ويتكلّم الكاتب في هذا المقطع الرائع على شخصية والدة الإله كأيقونة للكنيسة في وجهها التنازلي حيث يضعنا أمام وجودية كلامنا على الكنيسة أي أننا لا نتكلّم على الكنيسة في موقعها المتسامي فقط بل نقبل بتواضع وضعها التنازلي، حتى نقول للربّ يسوع في تساميه ما قالته العذراء مريم للملاك "أنا أمة للرب" ويطيع وجهُها التنازلي وجهَها المتسامي كما أطاعت مريم الرب يسوع. وهنا تكمن قوة الكنيسة في أن تعرف كيف يطيع أحد وجهَيها الآخر.

        من هنا أن الكنيسة هي ضمير العالم من جهة وخادمة له من جهة أخرى. لا يمكن أن تتنكّر طبيعتها الإلهيّة لفعاليتها على الأرض. فمريم في عرس قانا طلبت من ابنها أن يساعد البشر رغم أن ساعته لم تحن بعد. والسيد لم يرفض لها الطلب لأن من طبيعة لاهوته أن يضع نفسه في الخدمة.

 

2-3 خصوصيّة الخطاب المستقيم الرأي

2-3-1 الشخص (مستند رقم 5)[5]

        من هو الإنسان في الرؤية الأرثوذكسية؟ عندنا خصوصيّة في هذا الكلام لا نعرف كيف ننقلها. فمقولاتنا على العموم تردّد المقولات الغربية، ولسنا دقيقين في كلامنا التقوي حول هذا الموضوع. فثمة من مقولات كثيرة رائجة تقصد أن تعلّمنا التواضع مثلاً تقلّل من قيمة الإنسان: (بعض القطع في خدمة الجناز). فالجسم البيولوجي الذي يتحلّل لا يشكّل الإنسان لأن هذا الأخير لا ينفصل فيه الجسد عن الروح وعن الفكر، فشخصه دائماً كامل والموت هو حادث بيولوجي ينتقل جسد الإنسان فيه من وضع إلى وضع، وهو يبقى سرّاً حتى القيامة لكن الإنسان غير مساوٍ أبداً لهذا الجسد الممتلئ دوداً. فالإنسان قدير وشريك في صنع القرار الكنسي، وهذه الحقيقة ليست تنازلاً بل أُعطيَت له في الخلق، وأهمية الخلاص أنه أعاد اللُّحمة التي فسدت بالسقوط، وهو حاصل على الصليب مرة وإلى الأبد، وعلينا أن ننقله للإنسان المعاصر ونقنعه به. لذلك فالكلام على الشخص للإنسان المعاصر مهمّ جداً ونحن بعيدون عن هذا المفهوم، إنْ في وعظنا أو في تعاطينا اليومي مع الإنسان فلا نشدّد مثلاً على صورة الله المدعوّة إلى أن تتجلّى فيه.

 

2-3-2 الحرية (مستند رقم 6)[6]

        لا أحد يعطي الإنسان الحرية في الأرثوذكسية أو يحجبها عنه. الحرية معطاة له وبها استطاع أن يقول لله: إنك غير موجود. وإذا لم أشعر أني أعيش بهذه الحرية، لا أستطيع اكتشاف الله. يقول الفيلسوف الفرنسي الكبير باسكال: أنت لا تفتّش عن الله لو لم يسبق لك اكتشافه. فالأرثوذكسية وحدها تستطيع أن تنقل للإنسان المعاصر معنى الحرية. المقاربة السكولستيكية لا تشدّد على الحرية وكأنها لم تدرك دينامية الإنسان المخلّص، والبروتستنتية، كردّة فعل، استبدلت الحرية بالأخلاق. لذلك، فقط الأرثوذكسية تملك في الحرية خطاباً للإنسان المعاصر ومشكلتها أنها لا تكشفه كفاية.

 

2-3-3 الخطاب الإنساني

        هذا الخطاب حول الإنسان، والذي يركّز على كونه مخلَّصاً ومخلوقاً على صورة الله ومثاله ومدعواً إلى  التألّه، هو بحاجة إلى بلورة حقيقية في الوعظ من جهة وفي التعليم والممارسة. لذا لا يسعنا إلا أن نركّز على أهمية هذا الموضوع لما له من أبعاد حياتية انطلاقاً من وعينا أننا أناس قياميون. وهذا ما ركّز عليه صاحب الغبطة البطريرك أغناطيوس الرابع في كتاب "القيامة وإنسان اليوم" (مستند رقم 7)[7].

 

2-4 الكنيسة الأرثوذكسية

2-4-1 في شهادتها الإفخارستية (مستند رقم 8)[8]

        النصّ مأخوذ من كتاب "شهادة الجماعة الإفخارستية" للدكتور كوستي بندلي وهو يتضمّن معنى الإفخارستيا وعلاقتها بالشهادة، أي أنها ليست عملية شخصية ولا فردية بل هي أصلاً عملية جماعية. فقراءة النصوص الواردة في أعمال الرسل ورسائل بولس تؤكّد أن الإفخارستيا هي أساساً شهادية وجماعية والبعد الفردي فيها مستحدث في الطرح اللاهوتي بالنسبة إلينا.

 

2-4-2 في شهادتها المحلية (مستند رقم 9)[9]

        النصّ مأخوذ من كتاب "أنطاكية الجديدة" للمطران جورج (جبيل والبترون وتوابعهما). يقول الكاتب إن الكنيسة تشهد حيث هي وتشهد في حياتها وليس بالضرورة بكلامها، لذلك كل تشرذم داخلي في حياة الكنيسة هو ضد الشهادة الكنسية. لا تستطيع الكنيسة أن تقول شيئاً وتفعل شيئاً آخر، القول والفعل مترابطان بشكل متلاحم. فعلى "البعد التنازلي" أن يسهر دوماً على إمكان تساميه ليبقى أميناً للصورة الإلهية التي يحمل.

 

2-4-3 في شهادتها العالمية

        لا نستطيع أن ننظر إلى الكنيسة الأرثوذكسية في بُعدها المحلّي فقط. فللكنيسة بُعد كوني مُستحضَر في أصغر الرعايا خلال القداس الإلهي. الكنيسة الجامعة حاضرة في كل خدمة تُقام، والسؤال الذي يُطرح هو كيف تشهد الكنيسة الجامعة للكنيسة المحلية وكيف تسمح الكنيسة الجامعة للكنيسة المحلية أن تشهد لها. فلا يستطيع أن يتجاهل أرثوذكسيو لبنان أوضاع إخوتهم في أميركا مثلاً. يذكر نصّ صادر عن المجمع المقدّس سنة 1970 بهذا الخصوص البُعد الشهادي للكنيسة الجامعة بشكل مميز.

 

2-5 الكنيسة والحداثة

2-5-1 الكنيسة والدهرية (مستند رقم 11)[10]

        النص مأخوذ من مقال لأوليفييه كليمان بعنوان "الكنيسة والدهرية" (Sécularisation) وما يُسمَّى اليوم "عالمي"، أي كيف يعيش اليوم أهل العالم وما هو الموقف الشخصيّ منهم وكيف تواجههم الكنيسة؟ ما هي الأمور الإيجابية الموجودة في العالم والتي تنتقد الكنيسة عن حق، كانتقاد بعض التصرّفات الكنسية والفوقية الكنسية، وما هي الأمور التي على الكنيسة أن تعرف كيف تأخذ منها موقفاً لا لأنها ضدها كمجموعة بل لأنها ضد فكرة الإنسان كمخلوق على صورة الله ومثاله. فانتقاد كليمان للعالم ليس انتقاداً للعلم والتقنية والبحث، فهو يعتبر هذا كله أمراً إيجابياً. المشكلة هي في عدم احترام الإنسان. أن يُحتَرَم الإنسان كونه مخلوقاً على صورة الله هو موضوع حوارنا مع الدهرية التي تقول، وعن حق لأنها ظهرت في الغرب، إننا قتلنا الإنسان. إذاً، هناك صورة مشوّهة عن الإنسان في الخطاب الغربي، والفكر الأرثوذكسي كان غائباً أو غير معروف بالنسبة إلى الأغلبية. من واجبنا اليوم أن نطلق فيه كلمة حق ليبدأ الحوار.

 

2-5-2 الكنيسة والعلم (مستند رقم 12)[11]

        يشرح كليمان في محاضرة ألقاها في جامعة البلمند تحت عنوان "المسيحية والعلم: دور الأرثوذكسية" الدور الإيجابي للعلم ويدعو إلى تدجينه ليكون في خدمة الإنسان وعدم الحدّ من تطوّره بسبب الخوف منه، لأن ما يخيف هو موقفنا السلفي من الأمور. إكتشاف الله في كل مسعى نحو المعرفة والكمال وخدمة الإنسان هو موقف المسيحي الذي يمكن أن ندافع عنه.

 

2-5-3 عودة "الشخص" إلى الوعي الفلسفي

        يقول فرنسيس جاك: "لا تتكلّم البتّة إلّا بالآخرين وليس فقط للآخرين" ويقول موريس ولو – بونتي: "إمّا أن نتوجّه إلى الحقيقة مع الآخرين وإما لا نكون في اتجاه الحقيقة". هذا الكلام الذي يعود إلى أفواه الفلاسفة في نهاية القرن في معرض كلامهم على اللغة وعلى التواصل مهمّ للغاية. هذا يعني مما يعنيه أن الله في حكمته أنار عقول مفكّرين من جميع أنحاء العالم ليدركوا، في سعيهم نحو الحقيقة، ما سبق للكنيسة أن علّمته لقرون أن الإنسان لا يحقّق إنسانيته بكونه فرداً في مجتمع بل بكونه شخصاً في جماعة. هذه السيرورة التي مرّت بإنسانيّين وعلماء نفس وعلماء اجتماع حتى تبلوَرت اليوم في نظرية البراغماتية[12] تفرحنا كمؤمنين لأن خطابنا مرشح أن يكون خطاباً مقبولاً إن نحن أحسنّا عيشه والتعبير عنه في آن. نهاية هذا القرن ولو طغت عليها الدهرية من جهة والتقنية من جهة أخرى ليست مظلمة إلى هذا الحد. فالله لا يتخلّى عن خليقته وهو "قادر أن يصنع من الحجارة أولاداً لإبراهيم". لذلك ليست الحداثة، بحدّ ذاتها، سرّاً إنما هي حالة دينامية محقّة وطبيعية في تاريخ البشرية. فإما أن تعمّدها الكنيسة بالروح وإما أن تضع نفسها على هامش حياة الإنسان فتضعف بذلك شهادتها ويتقلّص دورها.

 

  • الأولويات

ربما كانت هذه المداخل الطويلة غير قابلة للنقاش بمعنى أن أحداً لا يناقش صحّتها على الصعيد الكنسي. لكن الإشكالية القائمة في حياتنا الكنسية ناتجة عن أن الواقع لا يترجم هذه القناعات، ولذلك نحن في مأزق ولذلك نحن في تأزّم ولذلك نحن في خطر الشرذمة. وتبدو، اليوم، أهمية طرح أولويّات من أهمية القناعة بالأسس إذ ما لم نتفق على هذه الأولويات سيتدهور الواقع الأنطاكي وسيبقى الشرخ قائماً في جسد المسيح وستبقى المواهب غير مفعَّلة والطاقات غير مستعمَلة والإمكانات غير موظَّفة. الخطة تتكلّم على خمسة صُعد مختلفة في الأولويات وهذه الصُّعد بالأهمية ذاتها وتدعم بعضها بعضاً وليس ممكناً تقديم صعيد على آخر من دون المساس ليس بوحدة الخطة، فهذا ليس مهمّاً، بل بوحدة العمل الكنسي كما اتضحت رؤيته آنفاً. هذه الصُّعد الخمسة هي:

  • الصعيد العلائقي
  • الصعيد التربوي
  • الصعيد الرعائي
  • الصعيد الشهادي
  • الصعيد التسبيحي

رغم التداخل بين هذه الصُّعد، ستسعى الورقة إلى تبويب الأولويات ما أمكن ضمن كل منها. علماً أنه، على الصعيد الواحد، سيصعب جداً أيضاً فرز المهمّ من الأهمّ إذ إن الأمور كافة ملحّة ولا بد أن الأمر متروك لنقاش المؤمنين وتحسّسهم الوضعَين الأنطاكي بخاصة والأرثوذكسي بعامة.

 

3-1 الصعيد العلائقي

يشكو الصعيد العلائقي في الكنيسة اليوم من عدم وضوح في المهام الكنسية ويطرح أكثر من سؤال بشأن العلاقة: هل هي أسرارية أو مرتبطة بخدمة الكنيسة، أو إدارية أو مالية أو إجتماعية. الصورة الغالبة في العمل الكنسي هي الصورة الهرمية التي استبدلت الشورى بالإستشارة والسلطة بالتسلّط والمحبّة بالنصوص أكان صاحب السلطان إكليريكيّاً أم علمانيّاً، يعود ذلك إلى صورة مشوَّهة عن التعليم المستقيم الرأي في الكنيسة متأثرة بالديمقراطية المزيّفة من جهة وبالسلطوية البابوية من جهة أخرى. التضادّ بين هذا الواقع والرؤية التي قدمنا لها في (2-1) يفسّر اللامبالاة والتسلسل وردّات الفعل التي نشهدها في شعبنا اليوم. لذلك فهناك اليوم أولويات تساهم في خلق جو صحّي يتطابق مع التعليم القويم وهي:

  • العمل بروح الأنظمة المقرّة سنتَيّ 1992، 1993 فلا تكون استشارية بل "شورية" فنشارك بالقرار والمسؤولية وتحضير سريع لمؤتمر 1996.
  • وضع أنظمة مالية وإدارية حديثة توظّف الطاقات وتحمي المسؤولين من أي انزلاق.
  • التشاور حول "المال والأوقاف" فتكون للكنيسة سياسة واضحة في المال واقتنائه واستثماره، في الأوقاف وقدسيتها وسبب وجودها وتفعيل الطاقات المدفونة فيها، في المؤسسات وهويتها وشهادتها وتمويلها، في التعاضد بين الرعايا، في التعاضد بين الأبرشيات الخ ...
  • التشاور في "الكهنوت الخادم" "والكهنوت الملوكي" بروح إيجابية تواكب العصر وتتطارح تساؤلاته إنطلاقاً من أصالة متجذرة في الكتاب بعيداً عن التمسك الأعمى بتقاليد فرضتها الظروف، من هذه التساؤلات على سبيل المثال لا الحصر:
  • دور الشماس، موقع الشمّاسة
  • الرهبنة في الكنيسة
  • الأسقف المتزوج
  • المواهب وخدماتها الخاصّة
  • كهنوت المرأة
  • الأسقف والكاهن
  • إعادة النظر في تصغير الرعايا وإنشاء أسقفيات على الأرض من شأنها أن تُفعّل الرعية وتوظّف عدداً أكبر من المواهب في خدمة الجماعة.

 

3-2 الصعيد التربوي

        التغييرات التي طالت العلم التربوي في نهاية هذا القرن تشبه بضخامتها الثورة التي أدخلتها المعلوماتية على الإتصالات. فقد حبل العالم، منذ روسُّو ومروراً بالفلاسفة وعلماء الإجتماع وعلماء النفس، بطروحات متعددة ومختلفة طيلة قرنَين. وبدأنا اليوم نرى ولادة عصر في التربية جديد لا يتنكّر للمعلومة، وليس هذا فحسب بل يضعها في إطار إدراكي متكامل يتماشى تماماً مع الرؤية الأرثوذكسية للإنسان. فهذا الكلّ الذي تكلّم عليه الآباء شريك في العملية التربوية وليس هو بعد اليوم متلقّناً سلبيّاً ولا حتى متمرّساً إيجابيّاً بشكل تقني. فقد ولّى إلى غير رجعة عهد الانفصام بين العقل والحركة، بين الكلام والإدراك، بين الإحساس والاكتساب. التربية اليوم عالم جديد لم تدخله الكنيسة لا في وعظها ولا في طقوسها ولا في شهادتها. وهذا ليس واقعاً أليماً على صعيد الأطفال فقط بل أيضاً على صعيد المراهقين والشباب والبالغين. كلنا اليوم موعوظون. نعم كلنا! من هنا نحن بحاجة إلى أخذ الأمر بعين الإعتبار والتداول به وفق الأولويات المقترحة التالية:

  • على ماذا نربّي وما هي علاقة الحياة الكنسية في مختلف أوجهها بهذه التربية.
  • ما هي مضامين المعلومات التي يجب أن تتلاءم مع سنّ المربَّى وما هي التقنيات المساعدة لذلك.
  • كيف يوظَّف الإعلام ليخدم البشارة لا ليكون حجر عثرة في سبيلها أو مضيعة للوقت أو هدراً للطاقات؟
  • ما هي اللغة التي تنقل هذه المضامين فيفهمها شعب الله بعد أن اختبر عيشها في الجماعة؟
  • ما هي القضايا المعاصرة التي لا بدّ للكنيسة من أن تتشاور بها مع اخصائيّين لتبلور، إذا أمكن وإذا دعت الضرورة، جواباً عنها؟ وعلى سبيل المثال لا الحصر:
  • التقنيات الوراثية
  • العلاقات الجنسية قبل الزواج
  • الإجهاض
  • العنف والأخلاق
  • التلوّث على أنواعه
  • الزواج / الطلاق / المساكنة.

 

3-3 الصعيد الرّعائي

        الرعاية في كنيستنا طقوسية في مظاهرها كافة حتى ما هو متعلق منها بزيارة العائلات. هذا ما أبعد الكنيسة عن حياة المؤمنين وولّد عندهم الشعور بأنهم خارج الجسد الذي هم طبيعياً أعضاء فيه. وارتبطت الرّعاية، بسبب من الممارسات الطقسية الموروثة، بالمال الذي يُعطى في المناسبات لخادم الطقس ما زاد الوجه العلائقي سوءاً. بينما الرّعاية في الكنيسة هي تسخير للجماعة المواهبية في خدمة المواهبيين. طبعاً كان لحجم الأبرشيات والرّعايا دور سلبي في جعل الرّعاية تقتصر على هذا الوجه، لكن الأمر أبعد من ذلك ولا بد من ممارسات جديدة تسمح بإعادة اللُّحمة للجسم الواحد. وفي ما يلي بعض الأولويات:

  • إعادة النظر بالممارسات الطقسية بهدف جعل الخدم الليتورجيّة أوفر حركةً فيقوى، تالياً، اندماج الرعيّة بها. فعلى سبيل المثال لا الحصر:
  • تطعيم متن القداس الإلهي ببعض صلوات السحر والغروب.
  • تعديل أوقات الصلوات وبخاصّة في الأعياد السيّديّة.
  • إعادة دمج بعض الخدم الأسرارية بخدمة سرّ الشكر.
  • إعتبار "جمع الهبات" وقتاً ليتورجيّاً في الخدمة يُخصَّص لغَرَض معلن.
  • إعادة العمل بالتقدمة وقبلة المحبّة وكلّ ما من شأنه إشراك المؤمنين في الأداء والفهم (الترتيل، الصلوات التقديسية، الخ ....).
  • إستقطاب كل الطاقات المتوفّرة في الترتيل والتعليم والإدارة والخدمة الإجتماعيّة الخ ... وإشراكها في العمل.
  • إنشان لجان رعائيّة (يمكن أن تطال رقعة إهتمامها أكثر من رعيّة عندما لا تتوفّر الطاقات) من شأنها الإهتمام:
  • بالإرشاد الزوجي (قبل الزواج).
  • برعاية العائلات الحديثة العهد.
  • بتأمين السهرات الروحية ورعاية الشباب في عائلاتهم.
  • بالتأهيل للتحصيل الجامعيّ والعمل.
  • إستحداث ممارسات رعائية جديدة بشكل:
  • صناديق تعاضد إختيارية.
  • صناديق استشفاء إختيارية.
  • إنشاء منتديات ثقافية (تطال أكثر من رعية إذا لم تُستحدث أسقفيات ذات أحجام معقولة) تطرح فيها المشاكل بشكل جدّي وجريء.

 

3-4 الصعيد الشهادي

        هذا الصعيد، من دون أن يكون أكثر الصعد أهمية، يبقى الصعيد المحكّ. فيما لم يكن الكلام كلّه والوعظ كلّه والفكر كلّه مجسّداً بحياة شخصية وجماعية موافقة لكونه البشارة المسيحية، ستبقى رسالتنا نظرية، إيديولوجية يحملها قلّة ويتبعها بعض الجموع إما لمصالح، إما لعادات، إما كعادة موروثة وإما لأسباب عاطفية شتّى. ما لم تسبق الشهادة الإعلان وما لم تأتِ الحياة مطابقة للقول لن يؤمن العالم بمحبّة الآب وتجسّد الابن وعمل الروح الدائم في كنيسته. هل نشهد اليوم فعلاً تطابقاً بين ما نحياه وما نقوله؟ هل يسعنا أن نقول مع فيليبس لنثنائيل: "تعال وانظر!"؟ الجواب يأتينا وللأسف من العالم، من المؤمنين أنفسهم ولكن بشكل عملي لا كلامي: إزدياد عدد اللامبالين، عدم إقامة وزن للموقف المسيحي الحقّ (متى أعلن)، التشيّع الهائل في صفوفنا الخ ... ليست هذه كلها إلا مظاهر مختلفة للجواب الواحد عن هذه الأسئلة. المؤمنون اليوم لا ينقلون فعلاً كأفراد وكجماعات البشرى الملقاة على عاتقهم. لذلك تشوّهت صورة السيّد وتنكّر الناس لفاعلية الروح وأصبح الله عند الكثيرين مجرّد فكرة. هذا ما يعطي هذا الصعيد أولويته. وما الأمور المقترحة في ما يلي إلاّ بعض النقاط الملحّة في هذا المجال:

  • العمل من أجل وحدة في تعاطي الشأن الكنسي قائمة على أسس واضحة وليس على أساليب تلفيقية. مع الإنضباط التام بما هو موافق لروح الإنجيل وللتعاليم الموروثة. هذه الوحدة مطلوبة على سبيل المثال لا الحصر في ما يلي:
  • الخدم الطقسية وحضورها من قبل غير المؤمنين.
  • المناولة المشتركة والشركة في الأسرار.
  • الموقف من وحدة الكنائس في بلاد الإغتراب.
  • التعاطي مع الحوار المسيحي الإسلامي.
  • الموقف من اليهودية.
  • التعليم في شهادة الأشخاص. فلا نستحي لا بالصدق ولا بالحشمة ولا بالتفاني في العمل وبخدمة المحتاج ولا بازدراء الناس بنا، بل نركّز على الإنجيل في تعليم واضح للكتاب المقدّس قائم على الإستمرارية في المواقف الأساسية منذ عصر الآباء إلى يومنا هذا.
  • دعم الجماعات الرّعائيّة لجهد الأفراد في شهادتهم من خلال عمل رعائي مبرمج (3-3) وهادف.
  • دراسة المواقف التي تحتاج ليس فقط إعلاناً مبدئياً بل أيضاً ترجمة عملانية في الحياة أكانت هذه المواقف سياسية (العنف – العدالة – التفرقة العرقية ...) أو خلقية. والترجمة هنا تعني تحركات جماعية معلّمة للمؤمن وشاهدة تجاه العالم.
  • تنظيم إعلام مركزي حول الفكر الأرثوذكسي حيثما يصدر في العالم لمناقشته والإعلان عنه وتوضيح مضامينه كلّما دعت الحاجة إلى ذلك.

 

3-5 الصعيد التسبيحي

        هذا التعبير الأخير يشكّل إطلالة الفكر المسيحي على الكون وعلى الثقافة وعلى الفن الخ ... وضع الأب تيار دي شردان منذ سنوات كتاباً رائعاً عنوانه "نشيد الكون" (Hymne de l’Univers) وما هو إلا استعادة في الزمن لكلّ ما أنشدته المزامير عن حضور الله في الكون وعن جواب هذا الكون لله وعن دور الإنسان ككاهن الطبيعة الأعظم في رفع هذا التسبيح إليه تعالى. ولا يزال قائماً على هذه المقاربة كنه طقوسنا: فالبخور والأيقونة والترتيل والشعر والعمارة من شأنها مجتمعة أن تؤدي هذا الدور. لكننا اليوم نتعاطى مع هذه جميعها وكأنها جامدة وإذا بنا أمام متحفية تكاد تفقد روحها لولا محبّة الله الذي يغفر خطايانا ويتغاضى عن ذنوبنا ويقبل أن يسكن في قلوب عتّمت عليه وغرّبته عن خليقته. فالقول بثقافة مسيحية وبلحن مقدّس وبلغة أرثوذكسية وبعمارة معيّنة أو فن معيّن أو شعر ما وكأنّ هذه جميعها تقتصر على ثقافة لاحقة هو إشكاليّة اليوم وإلى درجة كبيرة. فلماذا لا يُسأل كلّ شاعر وكلّ مفكّر وكلّ فنان اليوم عن دوره في مسعى الكنيسة الجمالي وعن دور الكنيسة في مواكبة تطوّر الثقافة في أشكالها المختلفة؟ هذا لا يعني أن نستبدل كلّ إرثنا بجديد الحضارة ويبقى طبعاً لضمير الكنيسة أن يحتفظ من الحضارة بما يطرحه عليه المصلّون من الفنّانين من نماذج جديدة فلا توصد الأبواب بل تبقي الكنيسة مجالها مفتوحاً لكلّ إبداع. ولكن هذا يفترض أيضاً أن تسعى الكنيسة إلى أن تحاور الثقافة والفن والفكر وتساعدها على اكتشاف مواطن الجمال ومواطن الضعف فيها حسب رؤيتها لله والإنسان والكون. والأولويات المقترحة في هذا المسعى هي الآتية:

  • تكليف أدباء مؤمنين إعادة النظر في النصوص الطقسية لتكتسب جمالاً ودقّة في المفاهيم التي تنقل، ولو استدعى ذلك إدخال بعض النصوص الجديدة من شعرية وغيرها.
  • التأكيد على مبدأ الفهم في الصلاة فتكون لغة القوم عندنا، كما في كل بلد، هي لغة الصلاة والتخاطب وقراءة الكلمة حتى لا نكون عثرة في طريق الرب، ما يستدعي سكب كنوز طقوسنا، مع احترام النقاط الثلاث الأولى، بالإنكليزية والإسبانية على الأقل حتى ولو أدى ذلك إلى فروق في الشكل متعلقة بالثقافات المحليّة طالما أنها تهدف إلى إيصال المضمون الواحد.
  • إعادة اكتشاف دور الترتيل بخاصة والموسيقى بعامة في الأداء الطقسي فلا يطغى الوجه الفنّي على الوجه الإدراكي بل يقوم بدوره المساعد في العملية الصلاتية.
  • تأكيد موقع الأيقونة الصلاتي في الكنيسة وفك الإرتباط بينها وبين الإيقونسطاس الذي أقام حاجزاً في الجماعة الواحدة، وإطلاق مواهب فذّة في الفن التشكيلي لا تكتفي بالنقل بل تكون مبدعة.
  • إنشاء منتديات فكرية لمحاورة الفن المعاصر والثقافة المعاصرة وعدم الإكتفاء بإلقاء اللعنة عليهما.

 

  • المشاريع المقترحة

4-1 الإنتقال إلى حيّز التنفيذ

        حتى ولو اتّفقنا على المنطلقات الأساس وتوافقنا على أولويات الحقبة المقبلة من تاريخ كنيستنا في العالم، يبقى تصوّرنا غير واقعي إن لم نجمع أيضاً ككنيسة على خطط تنفيذية واضحة المعالم والأهداف. وفي خضمّ هذه الأولويات كلّها يصعب فعلاً تصور المشاريع الضرورية وسرعة تنفيذها والمسؤولين عن إخراجها إلى حيّز الوجود. لكن كنيستنا كبيرة، فإن عزمنا على العمل وبدأنا بالزرع واتكلنا على الله فهو يقوّي الزارع ويسمح للحصاد أن ينمو. المهمّ اليوم هو أن لا ندفن الوزنات التي سمح الله بأن توجَد في أنطاكية وهذه الوزنات متنوّعة وسنحاسَب في الدينونة عليها جميعها. أعطى الله المال في مثل الوزنات كمضمون للوزنة لكن الآباء أجمعوا في تفسيرهم المثل على أن الوزنات هي المواهب التي يسكبها الله في الميرون المقدس على الذين يلبسون المسيح. أفلا تفسح لهم الكنيسة مجال طاعة السيّد وتثمير هذه المواهب في المشاريع الممكنة؟

        وإطلاقاً للبحث والنقاش، تعرض الخطة بعض المشاريع بشكل جداول سنوية مظهرة الصعيد الذي يندرج فيه المشروع مع هدفه وابتداء العمل بتحضيره وتاريخ إنجازه المرتَقَب ونوعية المشاركين في إعداده وتنفيذه. لكن هناك أيضاً مشاريع لا تخضع للمقومات الزمنية إلا في ما يتعلق بالشروع بتنفيذها وقد خُصِّصَ لها جدول يتضمن الأُسس ذاتها.

        أما اقتراح سنة معينة لمشروع ما فيرتبط بإلحاحية الموضوع وإمكان جهوزه حسب المعطيات الزمنية والمادية والبشرية. والمشاريع إما لقاءات (تحضيرية أو تنفيذية)، إما دراسات، إما إنجازات مختلفة (كتب، عمران، مؤسسات متنوعة الخ ...)

 

4-2 آليّة التنفيذ

        من البديهي القول إن هذه الخطة وهذه المشاريع بحاجة إلى آليّة تنفيذ حتى تخرج إلى حيّز الوجود. آليّة التنفيذ تمر بمراحل عدة أهمها:

 

4-2-1 التقديم

        تُحمل هذه الخطّة، بعد إنجازها من قبل أصحاب الفكرة، إلى صاحب الغبطة والسادة المطارنة أعضاء المجمع المقدس للإطلاع وإبداء الرأي في سبيل أي تغيير أو تحسين أو تكملة.

 

4-2-2 الإعلام

        بشكل موازٍ يُصار إلى إيصال مضمون هذه الخطة إلى المعنيّين بالشأن الكنسي مباشرة من أساقفة ومسؤولين في الأبرشيات والرّعايا ومرجعيات المؤسسات الكنسية المختلفة بغية تحضير الأرضية التغييرية بشكل واسع بخاصة في الإطار اللوجيستي القائم حالياً في الكنيسة.

 

4-2-3 الإتصالات والمشاورات

        في وقت لاحق، لكن قريب، توسّع حلقة الإتصالات لتطال شريحة أوسع من المهتمّين، بشكل أو بآخر، بالشأن الكنسي لإطلاعهم على مضمون الخطّة بخاصّة في ما يتعلق بالأولويات والمشاريع المرتقبة ليسعوا إلى وضع طاقاتهم المادية والمعنوية والمؤسساتية، ولو جزئيّاً، في إطلاق عملية التنفيذ.

 

4-2-4 تحضير الرأي العام

        بمؤازاة ذلك كله يُعمل على تحضير الرأي العام الأرثوذكسي وبخاصة الشبابي منه على الأُسس المطلقة لهذه الخطّة حتى تجيّش طاقاتهم في التحضير والتنفيذ للمشاريع ومتابعتها على الأرض لاحقاً، فتأخذ الخطّة بُعداً تجسّدياً واسعاً بين المؤمنين كافّة.

 

4-2-5 متابعة التنفيذ

        في مرحلة أولى تُتابَع عملية التنفيذ من قبل جهاز تطوّعي اقتنع بالخطّة وحمل همّها ريثما يُصار إلى إيجاد نواة تهتمّ بكل من المشاريع المطروحة فيوزَّع العمل على عدد كبير من المؤمنين. من المفضَّل أن تُحضَّر المتابعة إذّاك بأمانة سرّ مجمعية تكون هي المرجع الرسمي للمركزية الإدارية الضرورية للتنفيذ. تبقى المسؤولية على الأرض موزَّعة على أصحاب الإختصاص كلٌّ في حقله كما جاء في اقتراحات المشاريع.

 

[1]  أفاناسييف الأب نقولا، (1986)، كنيسة الروح القدس، (الترجمة العربية) منشورات النور، بيروت – ص (29 إلى 39).

[2]  أفاناسييف الأب نقولا، (1986)، كنيسة الروح القدس، (الترجمة العربية) منشورات النور، بيروت – ص (63 - 75).

[3]  أفاناسييف الأب نقولا، (1986)، كنيسة الروح القدس، (الترجمة العربية) منشورات النور، بيروت – ص (153 - 159) و (187 – 188).

[4]  LOSSKY, Vladimir. 1960, Théologie Mystique de l’Eglise d’Orient, Aubier, Paris, PP. 171 - 192

[5] EVDOKIMOV, Paul, 1979, l’Orthodoxie, Declee de Brouer,  Paris, PP. 68 – 72.

[6]  EVDOKIMOV, Paul, 1979, l’Orthodoxie, Declee de Brouer,  Paris, PP. 72 – 77.

 

[7] HAZIM, Ignace, 1970, la Résurrection et l’homme d’aujourd’hui, Editions AN-Nour, Beurouth, pp 93 – 103.

[8] BENDALY, Costy, 19, le Témoignage de la communauté Eucharistique, Edition AN-Nour, Beurouth.

[9] خضر، جورج، 1969، أنطاكية الجديدة، منشورات النور، بيروت، ص من 17 إلى 21.

[10]  CLEMENT, Olivier.

[11] CLEMENT, Olivier, 1990, Le Christianisme et la Science: Rôle de l’Orthodoxie, Edition de l’Université de Balamand, Balamand.

[12] ARMENGAUD, Francise, (1993), la Pragmatique, Paris, Puf.

مشروع خطّة عمل للكنيسة الأنطاكيّة

مشاريع للسنة 1996

المشروع

الصعيد المعنيّ

الهدف

تاريخ الإطلاق

تاريخ الإنجاز

المشاركون

لقاء تحضيريّ

لمؤتمر 1996

علائقيّ رعائيّ

تحضير المؤتمر

ت2 1995

شباط 1996

السادة المطارنة، ممثّلون عن الأبرشيّات، طاقات أرثوذكسيّة، مؤسّسات أرثوذكسيّة، مستشارون

الأنظمة الماليّة والإداريّة

علائقيّ

وضع نظام موحّد

ت2 1995

آذار 1996

لجنة استشاريّة

مؤتمر تربويّ عامّ

 

تربويّ رعائيّ

توحيد الرؤية التربويّة وبلورتها واقتراح خطط تنفيذيّة

ك1 1995

أيلول 1996

ممثّلون عن الأبرشيّات، مستشارون

تربويّون، مسؤولون عن المؤسّسات التربويّة

الإعلام

تربويّ شهاديّ

وضع سياسة واقتراح خطط تنفيذيّة

ك1 1996

ت1 1996

مستشاروت إعلاميّون، ممثّلون عن الأبرشيّات، لاهوتيّون، مربّون، تكلّف لجنة خاصّة بالإعداد

التجديد الطمسح الطاقاتقسيّ

رعائيّ تسبيحيّ

مواكبة الطقوس لحياة المؤمنين

ك2 1996

أيلول 1997

طقوسيّون، لاهوتيّون، مربّون، أساتذة، أدباء

المسح الرعائيّ

رعائيّ علائقيّ

مسح الطاقات

ك2 1996

ك1 1997

قسم التربية في الجامعة

مؤتمر لاهوتيّ

شهاديّ رعائيّ

إعلان موقف تعليميّ يصبح أساس التعامل الواحد

ت2 1995

أيلول 1996

السادة المطارنة، ممثّلون عن الأبرشيّات،

لاهوتيّون

ملاحظتان: * المشاريع 1 و2 و3 و4 و7 هي بمثابة لقاءات تحضيرية للمؤتمر الأرثوذكسي الذي سينعقد في تشرين الأول 1997

*نظراً لتأجيل المؤتمر الأنطاكي إلى تشرين الأول 1997 بمكن أن يتأخّر تنفيذ المشاريع سنة فتبدأ بالسنة 1997 وتنتهي بالسنة 2000

 

 

مشاريع للسنة 1997

المشروع

الصعيد المعنيّ

الهدف

تاريخ الإطلاق

تاريخ الإنجاز

المشاركون

مؤتمر تنفيذيّ حول المال والأوقاف

علائقيّ رعائيّ

وضع أسس التعامل الماليّ

ت2 1996

ت1 1997

المطارنة، مستشارون إداريّون، ماليّون، مسؤولون عن المؤسّسات، ممثّلون عن الرعايا

مؤتمر اختصاصيّ حول لغة البشارة

تربويّ رعائيّ شهاديّ تسبيحيّ

اللغة ودورها في التواصل

ت2 1996

ت2 1997

ممثّلون عن الأبرشيّات، لاهوتيّون، اختصاصيّون باللسانيّات

مؤتمر حول الرعاية

رعائيّ

الهيئات الرعائيّة

ت2 1996

ك1 1997

ممثّلون عن الأبرشيّات، اختصاصيّوت بعلم النفس والاجتماع والتربية، إداريّون

مركز دراسات ورصد للطاقات الأرثوذكسيّة

شهاديّ

الوجود الأرثوذكسيّ في العالم

ت2 1996

ت1 1997

توسيع مهامّ مركز الدراسات الأنطاكيّة، مشاريع للتمويل

إنشاء مركز إعلاميّ

رعائيّ شهاديّ

مركز إعلاميّ

ك2 1996

ك1 1997

قسم التربية في الجامعة

الفنّ الكنسيّ

تسبيحيّ

قراءة جديدة لدور الفنّ في الكنيسة

ك2 1997

صيف 1998

فنّانون في أنطاكية وخارجها، أساتذة في الرسم والموسيقى

 

 

 

 

 

 

مشاريع للسنة 1998

المشروع

الصعيد المعنيّ

الهدف

تاريخ الإطلاق

تاريخ الإنجاز

المشاركون

مؤتمر لاهوتيّ

علائقيّ

الكهنوت

ت1 1997

أيلول 1998

المطارنة، لاهوتيّون، كهنة، ممثّلون عن الأبرشيّات، الطاقات الأرثوذكسيّة العاملة

التأليف التربويّ

تربويّ

إطلاق مشروع التأليف التربويّ المتكامل

ت1 1997

حتّى صيف 1999

تربويّون، لاهوتيّون، مربّون

 

مشاريع للسنة 1999

المشروع

الصعيد المعنيّ

الهدف

تاريخ الإطلاق

تاريخ الإنجاز

المشاركون

حلقة استشاريّة

علائقيّ

الرعايا والأبرشيّات

ت1 1998

أيلول 1999

ممثّلون عن الأبرشيّات، كهنة، طاقات عاملة

مؤتمر رعائيّ

شهاديّ

الشخص، الجماعة

ت1 1998

آب 1999

مفكّرون، رعاة، لاهوتيّون

 

مشاريع عامّة

هذه المشاريع غير مربوطة بزمان ومكان ولكن من الأفضل أن تُتَّخَذ فيها مبادرات في التجمّعات السكنية الكبيرة والعمل بعد ذلك على توزيعها بالوسائل السمعية – البصرية أو حتى إعادتها تعميماً للفائدة.

المشروع

الصعيد المعنيّ

الهدف

المشاركون

المنتدى العلميّ

تربويّ شهاديّ

توكل المتابعة إلى هيئة مشتركة بين الأبرشيّات ثمّ إلى مركز الإعلام ومركز الدراسات

أساتذة جامعيّون، لاهوتيّون، اختصاصيّون في الحقول المعنيّة، علماء اجتماع

المنتدى الثقافيّ

تربويّ شهاديّ تسبيحيّ

توكل المتابعة إلى الكلّيّة اللبنانيّة للفنون الجميلة أو معهد اللاهوت، كلّيّة الأداب

أساتذة جامعيّون، لاهوتيّون، اختصاصيّون في الحقول المعنيّة، علماء اجتماع

 

 

© حقوق الطبع والنشر 2025 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search